تلوث ونقص كوادر وأدوية.. إهمال حكومي لمستشفى “الأطفال” بدمشق

camera iconمستشفى "الأطفال" الجامعي في دمشق-12 من أيار 2022 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

“خلال زيارتي برفقة أحد الفرق التطوعية لمستشفى الأطفال الجامعي، كان التساؤل الأول الذي تهامسنا به جميعًا (إذا هاد مستشفى أطفال كيف السجن؟)”، هكذا وصفت حنين (20 عامًا) لعنب بلدي، الحالة المأساوية التي عاينتها في المستشفى.

حنين، وفي مكالمة هاتفية عبر “واتساب”، تحدثت عن غرف وممرات تفتقر لمعظم مقومات ومؤهلات استقبال المرضى، حيث يمضي مئات الأطفال أيامهم داخل مستشفى “الأطفال”، ورغم “الإهمال” الظاهر في كل ركن من أركان المستشفى، يبقى الخيار الوحيد ليخفف عن العائلات وطأة التكلفة الباهظة للمستشفيات الخاصة، وعجزهم عن تقديم ما يهوّن آلام المرض على أبنائهم.

“الإضاءة خافتة بشكل مزعج، معظم المصابيح تنطفئ وتشتعل وحدها، وفي بعض الممرات لا تعمل بالمطلق”، تابعت حنين، التي تحفظت على ذكر اسمها الكامل لأسباب أمنية، مشيرة إلى أن هذا الأمر وحده يمكن أن يكون مرعبًا بالنسبة لطفل صغير يعاني أساسًا من آلام المرض.

وفي وقت يكون الطفل فيه بحاجة كبيرة إلى غذاء متكامل ليتعافى، يقدم المستشفى للأطفال وجبات غداء تقتصر على كمية محدودة من الفريكة واللبن، وبطريقة “تسد الشهية”، بحسب تعبير حنين.

فتاة أخرى تزور المستشفى خلال عملها مع العديد من الفرق التطوعية، سلام (23 عامًا)، أكّدت لعنب بلدي أن تقديم وجبات غير متكاملة سلوك دائم في المستشفى، مشيرة إلى أن “الوضع المأساوي” الذي يعاني منه الأطفال وعائلاتهم بات أمرًا اعتياديًا.

خلال الزيارة الأخيرة التي أجرتها سلام إلى المستشفى، لاحظت وجود طفل أجرى عملية قسطرة، تحمله والدته ملفوفًا ببطانية، بناء على توصية الأطباء بعدم ارتداء ملابس عادية، في حين “لا تتوفر في المستشفى ألبسة المرضى الطبية بشكل كاف”، وفق ما قالته والدة الطفل نقلًا عن الممرضة.

فيما أكّدت حنين أن معظم الأطفال لم يرتدوا اللباس الذي من المفترض أن يقدمه المستشفى للمرضى، خصوصًا الذين خضعوا لعمليات جراحية.

النظافة غائبة

في وقت من المفترض أن تكون فيه النظافة معيارًا أساسيًا، للحفاظ على سلامة المرضى، يبدو الأمر عكس ذلك داخل المستشفى.

“أسمع عن الوضع السيئ الذي يعيشه الأطفال، لكنني لم أتخيل أن يكون مستشفى للأطفال ملوثًا وقذرًا لحد انتشار رائحة كريهة في ممراته”، تشتكي حنين من كمّ القذارة الملحوظ في ممرات المستشفى.

وأضافت حنين، “لا أعتقد أن مكانًا كهذا مهيأ لاحتواء أشخاص بصحة جيدة، فكيف الحال بأطفال مرضى”، لافتة إلى أن أغطية الأسرّة، إن وُجدت، يبدو أنها لم تبدّل منذ أشهر، إلى جانب الصدأ الذي يظهر على الأسرّة، ويعكس المزيد من الإهمال.

من جهتها، قالت سلام، إنها لا تجرؤ على الدخول إلى دورات المياه التي تبدو أقذر من دورات المياه العامة في المدينة، وتظهر قذارتها بمجرد العبور قرب الباب.

وأضافت، “لست مؤهلة لتقييم تعقيم الأجهزة والأدوات، لكنّ الصدأ على الأجهزة والأدوات الطبية، كفيل بإظهار حجم السوء وغياب العناية حتى بالأدوات الي تلامس أجساد الأطفال، ويمكن أن تنقل مئات الأمراض”.

“المزعج أن كادر المستشفى لا يبالي حتى بالتقاط الصور التي تفضح إهمالهم، ما يوضح بشكل لا يمكن تجاهله أن عواقب نشر الصور لا تعنيهم أبدًا”، وفق ما قالته سلام.

مستشفى “مع وقف التنفيذ”

ورغم أهمية المستشفى على الصعيد الخدمي، تبقى متابعة مستوى الخدمات المتدنية فيه على وسائل الإعلام المحلية محدودة، وفي 2 من كانون الثاني الماضي، صرّح المدير العام للمستشفى، رستم مكية، أن المستشفى يعاني نقصًا شديدًا في أعداد الأطباء والأدوية العلاجية، وتعطل الأجهزة الأساسية، وفق ما نقلته صحيفة “تشرين” الحكومية.

كما يعاني المستشفى من نقص كبير بمعظم المواد الطبية الخاصة بالإسعاف وأمراض القلب، ما يؤخر إجراء العمليات الجراحية، وفق مكية.

وأضاف مكية أن الكادر الطبي في المستشفى لا يستطيع إجراء معظم الفحوصات الشعاعية، بسبب تعطل الأجهزة الأساسية المتآكلة والبالية، كجهاز الرنين المغناطيسي، وجهاز الطبقي المحوري، وأجهزة الإيكو، وجهاز الأشعة التنظيرية.

ويشهد المستشفى نقصًا بالفنيين المخبريين، وعدم إمكانية إجراء معظم التحاليل المخبرية، جرّاء تقادم الأجهزة ونقص المواد التشغيلية، والمحاليل الكيماوية الأساسية لعمل المخبر، بحسب ما قاله مكية.

وأرجع مكية النقص بالكادر الطبي إلى الاستقالات المتكررة، ونقص الإيفاد، ووفاة العديد من الأطباء المهمين متأثرين بإصابتهم بـ”كورونا”.

ويعاني القطاع الطبي في مناطق سيطرة النظام من أزمات عديدة، أبرزها هجرة الأطباء وندرة بعض الاختصاصات وسوء المرافق الطبية والصحية، إلى جانب أعطال متكررة بالعديد من الأجهزة الطبية والأدوية، تزامنًا مع ارتفاع تكلفة العلاج في المستشفيات الخاصة، ما يجعل دخول المستشفيات “رفاهية” بالنسبة للكثيرين.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة