"يمكن أن يتوقعوا وقتًا عصيبًا في المستقبل"

من حكايا القدامى.. توقعات لما ينتظر لاجئي رواندا الجدد

camera iconرجال من الذين تم إجلاؤهم من ليبيا إلى رواندا يحيون بعضهم البعض في مركز غاشورا للاجئين وطالبي اللجوء في منطقة بوجيسيرا في رواندا الجمعة 10 من حزيران 2022 (AP)

tag icon ع ع ع

“أدعو الله يوميًا أن أغادر هذا المكان”، بهذه الكلمات شكّل فيصل من إثيوبيا (20 عامًا)، تصورًا جزئيًا لما ستكون عليه دولة روندا، التي كانت تعتزم بريطانيا ترحيل اللاجئين الذين قدموا أراضيها، إلى الدولة الواقعة شرقي إفريقيا، الثلاثاء 14 من حزيران.

وسط احتجاجات وتحديات قانونية، انخفض عدد الأشخاص الذين كان من المقرر أن يُرحّلوا على متن طائرة من بريطانيا إلى رواندا، من حوالي 37 شخصًا في الرحلة الأولى إلى ثمانية أشخاص فقط، وفقًا لمنظمة “Care4Calais” الإنسانية.

لكن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أصدرت في اللحظة الأخيرة، أمرًا قضائيًا مؤقتًا في اللحظة الأخيرة بوقف ترحيل، أول دفعة من طالبي اللجوء.

وقبل وقت قصير من موعد مغادرة الطائرة، أُلغيت الرحلة بعد تشغيل محركات الطائرة وشوهد طاقم الطائرة على متنها.

ضباط شرطة يقفون بالقرب من طائرة ذكرت وسائل الإعلام البريطانية أنها أول من ينقل المهاجرين إلى رواندا في قاعدة وزارة الدفاع “بوسكومب داون” في ويلتشير- بريطانيا 14 من حزيران 2022 (رويترز)

كان فيصل، ضمن المجموعة الأولى من اللاجئين الذين أُعيد توطينهم بموجب اتفاق مع “الأمم المتحدة” عام 2019 من ليبيا إلى رواندا، وبموجب ترتيبات سابقة، أخبر بعض اللاجئين هناك، وكالة الأنباء “أسوشيتد برس” أن الوافدين الجدد يمكن أن يتوقعوا وقتًا عصيبًا في المستقبل”، بحسب ما ترجمت عنب بلدي.

لا يرى فيصل، الذي ذكر اسمه الأول فقط خوفًا من الانتقام، مكانًا آخر يذهب إليه مثل الكثيرين معه، الذين يعيشون في مركز عبور يسمى “غاشورا”، لإيواء اللاجئين الذين يعانون في ليبيا أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا.

الرجال الذين تم إجلاؤهم من ليبيا إلى رواندا يحضرون صلاة الجمعة في مركز غاشورا للاجئين وطالبي اللجوء في منطقة بوجيسيرا في رواندا الجمعة 10 من حزيران 2022 (AP)

لاجئو رواندا القدامى

من المتوقع وفقًا لـ”أسوشيتد برس”، أن يجد المهاجرون الذين سعوا إلى حياة أفضل في بريطانيا فرصًا أقل لتحقيق أحلامهم في رواندا، التي لا تزال من بين أقل البلدان نموًا رغم تركيزها على التحديث منذ الإبادة الجماعية في البلاد عام 1994، التي قُتل فيها 800 ألف شخص.

وجّه بيتر نيووني، وهو لاجئ من جنوب السودان، رسالة إلى حكومة المملكة المتحدة، قائلًا إن البشر هم بشر، لا يمكنك أن تقول لهم “اذهبوا وابقوا هنا أو اذهبوا وافعلوا هذا أو ذاك، لا، لأنهم إذا شعروا بتحسن في الملكة المتحدة، فإن هذا المكان هو الأفضل لهم”.

وأضاف، “ليس هناك ما أريد البقاء لأجله هنا، حتى أولئك الذين جاءوا مباشرة إلى رواندا هربًا من المتاعب في وطنهم يقولون إن البلد، رغم سلامته، ليس بالأمر السهل”.

لاجئ آخر من بوروندي المجاورة، كيلي نيموبونا، قال “عندما لا تكون موظفًا، لا يمكنك البقاء هنا.. لا يمكننا أن نأكل مرتين في اليوم، ليست هناك فرصة للحصول على عمل أو القيام بالبيع في الشارع”، لكنه وصف رواندا بأنها واحة نظام في المنطقة.

رشيد روتازيغوا، أحد الميكانيكيين في العاصمة، قال “انظر، الكثير من الناس عاطلون عن العمل هنا”، وأوضح أنه لم ير الكثير من الفرص حتى للأشخاص ذوي المهارات والتدريب، ومن وجهة نظر الروانديين، فإن الاقتصاد المحلي غير جاهز للتعامل مع القادمين من بريطانيا.

أحد أولئك الذين وجدوا موطئ قدم هو أوروبيل تسفاي (22 عامًا) من إثيوبيا، وهو سعيد لأنه وجد وظيفة بدوام جزئي في مخبز في العاصمة كيغالي، لكن أصدقاءه مصممون على الانتقال إلى كندا أو هولندا عن طريق برامج إعادة التوطين، لمعاناتهم من أمراض في الرأس وعدم قدرتهم على الاستقرار في رواندا.

وفقًا “للأمم المتحدة”، فقد أُعيد توطين مئات الأشخاص الذين أُرسلوا سابقًا إلى رواندا، بموجب الاتفاق مع “الأمم المتحدة” في دول ثالثة، وبموجب الاتفاق مع بريطانيا، يجب على أولئك الذين أُرسلوا إلى رواندا التقدم بطلب للحصول على اللجوء في رواندا.

سوق نخاسة عصري

في نيسان الماضي، أعلنت حكومة المحافظين بزعامة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، عن خطط لإرسال بعض المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا، حيث ستتم معالجة طلبات لجوئهم بالدولة الواقعة في شرق إفريقيا.

وتهدف استراتيجية الترحيل، بحسب جونسون، إلى تقويض شبكات تهريب الأشخاص، ووقف تدفق المهاجرين الذين يخاطرون بحياتهم من خلال عبور القناة الإنجليزية في قوارب صغيرة من أوروبا، بعد زيادة في مثل هذه الرحلات على مدار العامين الماضيين.

لكن جماعات حقوق الإنسان تقول إن هذه السياسة غير قانونية وغير إنسانية، ولن تؤدي إلا إلى تضخيم المخاطر على المهاجرين.

أرعبت الخطة، المعارضين السياسيين والجمعيات الخيرية وزعماء الكنيسة الذين قالوا إنها غير إنسانية، ووصفها المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأنها “كارثية”، ونددت بها قيادة الكنيسة الإنجليزية بأكملها ووصفتها بأنها “سياسة غير أخلاقية تُخزي بريطانيا”، وفقًا لشبكة “CNBC” الأمريكية.

أخبر الرئيس الرواندي، بول كاغامي، دبلوماسيين في العاصمة كيغالي، بعد توقيع الاتفاقية مع بريطانيا، أن بلاده والمملكة المتحدة ليسا منخرطين في “شراء وبيع الأشخاص”، ولكن بدلًا من ذلك يحاولون حل مشكلة الهجرة العالمية.

وقالت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، حينها إن “الوصول إلى نظام اللجوء في المملكة المتحدة يجب أن يعتمد على الحاجة وليس على القدرة على الدفع لمهربي البشر”.

وتوصلت بريطانيا إلى اتفاق مع رواندا بهذا الشأن، مقابل دفعة أولية قدرها 158 مليون دولار، لدفع تكاليف الإسكان ودمج طالبي اللجوء، وقالت السلطات الرواندية إن الاتفاقية ستستمر مبدئيًا لمدة خمس سنوات، وستدفع بريطانيا، مبالغ إضافية بناء على عدد الأشخاص المرحّلين إذا نجحوا في البقاء بالدولة.

نُزل.. إلى أجل غير مسمى

سيتم إيواء أولئك، الذين كان من المقرر لهم أن يصلوا أمس الثلاثاء، في ملاجئ حول العاصمة كيغالي، مع ميزات مثل الغرف الخاصة وأجهزة التلفزيون والمسبح.

أحد هذه الملاجئ، هو نُزل “Hope Hostel”، حيث يقوم حارس أمن بدوريات في الخارج، وتُظهر الساعات في الردهة الأوقات في لندن وباريس.

الجزء الخارجي من نُزل Hope Hostel في العاصمة كيغالي الجمعة 10 من حزيران 2022 (AP)

حارس أمن يقف في منطقة الاستقبال في Hope Hostel في العاصمة كيغالي الجمعة 10 من حزيران 2022 (AP)

قالت مديرة المركز باكينا إسماعيل، إن “غاشورا” ليس سجنًا، بل هو مركز للوافدين السابقين في منطقة ريفية خارج العاصمة، يوفر المزيد من المرافق المعيشية الأساسية المشتركة.

وأكدت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه ليس مخيمًا للاجئين، بل “آلية عبور طارئة”، وزعمت المفوضية أنها نقلت أكثر من نصف اللاجئين إلى السويد وكندا والنرويج وفرنسا وبلجيكا.

رجال تم إجلاؤهم من ليبيا إلى رواندا يمشون حاملين أطباق الطعام في مركز غاشورا للاجئين وطالبي اللجوء في منطقة بوجيسيرا في رواندا الجمعة 10 من حزيران 2022 (AP)

غموض تحت المجهر

تعتبر الحساسيات حول وصول أول طالبي لجوء من بريطانيا عالية، لدرجة أن المسؤولين الروانديين يمنعون وسائل الإعلام من إجراء مقابلات مع الوافدين الجدد.

ومنذ 2019، استقبلت البلاد التي يبلغ عدد سكانها 13 مليون نسمة، أكثر من 900 طالب لجوء أفريقي من ليبيا.

وأكدت الحكومة الروندية، أنها بالفعل، موطن لأكثر من 130 ألف لاجئ ومهاجر من دول مختلفة.

ينتقد البعض في رواندا احتمال استقبال المزيد من اللاجئين، إذ قال زعيم المعارضة فيكتوار إنجابير، إن على الحكومة بدلًا من ذلك التركيز على القضايا السياسية والاجتماعية الداخلية التي تدفع بعض الروانديين إلى أن يصبحوا لاجئين في أماكن أخرى.

ولسنوات، اتهمت جماعات حقوق الإنسان حكومة رواندا بقمع المعارضة المزعومة والسيطرة المشددة على العديد من جوانب الحياة، من سجن النقاد إلى إبعاد المشردين عن شوارع كيغالي، بينما تنفي الحكومة ذلك.

ومن المتوقع أن تكون مثل هذه التوترات تحت المجهر مباشرة هذا الشهر، عندما تستضيف رواندا قمة رؤساء حكومات “الكومنولث” (اتحاد سياسي يضم 54 دولة عضو كانت جميعها تقريبًا أقاليم سابقة للإمبراطورية البريطانية)، ستكون بريطانيا مركزية هناك لأنها لا تزال تواجه أسئلة حول اتفاقها مع رواندا.

رفض بريطاني وإفريقي

في آب 2021، عندما أعلنت الدنمارك خططها لإرسال طلبة اللجوء إلى رواندا، على غرار اتفاق المملكة المتحدة، رد الاتحاد الإفريقي بشكل هجومي، قائلًا إن “مثل هذه المحاولات لوقف الهجرة من إفريقيا إلى أوروبا تنم عن كراهية للأجانب وغير مقبولة على الإطلاق”.

ووفقًا لتقرير صادر عن الاتحاد الافريقي، فإن إفريقيا تتحمل بالفعل 85% من لاجئي العالم، “لفترات طويلة الأمد في بعض الأحيان”، بينما 15% فقط تستضيفهم الدول المتقدمة”.

على خلاف مشروع “الأمم المتحدة”، تشير تفاصيل مخطط المملكة المتحدة إلى أن طالبي اللجوء سيبقون في رواندا لفترة أطول “حتى يتمكنوا من إعادة الاستيطان وتحقيق الازدهار”، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية “BBC“.

لم تقدم الحكومة الرواندية أي توضيحات عن طاقتها الاستيعابية لاستضافة اللاجئين، لكن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، قال إن الصفقة تشمل إرسال “عشرات الآلاف في السنوات المقبلة”.

ملأ الجدل وسائل الإعلام البريطانية خلال عطلة نهاية الأسبوع، بعد أن ذكرت صحيفة “تايمز” اللندنية، أن شخصًا مجهول الهوية سمع وريث العرش البريطاني، الأمير تشارلز، يعبّر عن معارضته للسياسة “عدة مرات” في محادثات خاصة.

وكانت تعليقات تشارلز، التي وصف بها نهج الحكومة بالـ”مروع” إشكالية لأنه وريث العرش، ومن المفترض أن يظل الملك البريطاني فوق الصراع السياسي، وعلى العائلة المالكة أن تتجنب الإدلاء بأي تعليقات سياسية، بموجب الدستور البريطاني غير المكتوب.

أثارت التعليقات عاصفة نارية في الصحف البريطانية، إذ حذرت صحيفة “ديلي إكسبريس” أمير ويلز قائلة، “ابتعد عن السياسة يا تشارلز”، وقالت صحيفة “The Mail on Sunday”، “لن نتراجع عن رواندا يا تشارلز”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة