مزايا وعيوب.. هل الاستثمار بالبنوك “التشاركية” التركية مجدٍ للسوريين

محل صرافة عملات تركية وأجنبية في شارع فوزي باشا بمدينة اسطنبول- 27 من أيار 2022 (عنب بلدي/يوسف حمص)

camera iconمحل صرافة عملات تركية وأجنبية في شارع فوزي باشا بمدينة اسطنبول- 27 من أيار 2022 (عنب بلدي/يوسف حمص)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ضياء عاصي

مع وصول التضخم في تركيا إلى 85.51% على أساس سنوي، وانخفاض قيمة الليرة التركية، يلجأ العديد من السوريين، للبحث عن ملاذات آمنة أو استثمارية، إما للحفاظ على رأس المال الذي ادّخروه، وإما لزيادة المدخول عبر طرق استثمارية.

وبحسب ما رصدته عنب بلدي على مجموعات الخدمات والاستشارات للسوريين في “فيس بوك”، كثر السؤال عن الطرق الأنسب لاستثمار الأموال، مع الإشارة إلى اعتبار هذه الاستثمارات “حلالًا” أم لا. قوبلت هذه الأسئلة بمجموعة نصائح بينها جواب متكرر، هو استثمارها بالبنوك “التشاركية” التي تعمل وفق مبادئ الصيرفة الإسلامية الخالية من الفوائد، والتي تعطي ربحًا على رأس المال بآجال استحقاق.

تناقش عنب بلدي مع خبراء استثمار بالأسواق المالية واقتصاديين، مدى فاعلية طرق الاستثمار التي تقدمها هذه البنوك، وما إذا كانت مجدية في ظل الأزمات الاقتصادية.

ما نظام المشاركة المصرفية

المشاركة المصرفية هي نظام مصرفي يستخدم الأموال التي تُجمع من المدّخرين على أساس شراكة رأس المال العامل أو بالوكالة، بالتجارة والصناعة والتأجير، في نطاق مبادئ التمويل من دون فوائد، ويشارك النظام الأرباح والخسائر الناتجة مع المدّخرين.

الغرض الرئيس من إنشاء البنوك التشاركية، هو تمكين المدّخرين الذين يرغبون في الابتعاد عن دخل الفوائد من استخدام أموالهم بأمان وإدخالها في الاقتصاد.

تمارس البنوك التشاركية جميع أنشطتها المصرفية وفقًا لمبادئ الصيرفة الخالية من الفوائد، والمستمدة من الشريعة الإسلامية، إذ تعد الأرباح التي يُحصل عليها من هذه التجارة حلالًا، بحسب بنك “Finans Katılım“.

تقتصر معاملات هذه البنوك على ثلاث خدمات مالية في ثلاثة مجالات استراتيجية، هي جمع الأموال والتمويل والخدمات المصرفية.

ولا تُجري أي معاملات مصرفية في الأمور التي تعتبر ضارة بالمجتمع، مثل المشروبات الكحولية وألعاب الحظ والأسلحة ومنتجات التبغ.

تعمل البنوك التشاركية وفق آليات تضمن امتثالها للمبادئ المصرفية الخالية من الفوائد، إذ توجد في كل بنك مشارك “لجان استشارية”، للموافقة على منتجات وعمليات البنوك.

تُجري هذه اللجان الفحوصات اللازمة قبل طرح منتجات البنوك في السوق، وتعد القرارات المتخذة ملزمة لجميع البنوك التشاركية، وفقًا لهيئة التنظيم والرقابة المصرفية (BRSA).

حسابات المشاركة والصناديق الاستثمارية

يمكن للمدّخر أن يستفيد من خدمات “جمع المال”، عبر فتح حساب تشاركي في أحد البنوك التشاركية، الذي يدخل ضمن صناديق لا تضمن أي عوائد محددة مسبقًا، أو سداد رأس المال الأساسي.

تُفتح الحسابات التشاركية في إطار المرابحة (شراكة الجهد، رأس المال)، ويقوم البنك بتشغيل رأس المال الممنوح له في النطاق الشرعي، ويشترك في الأرباح المحصلة، وفقًا لمعدل تقاسم الأرباح المحدد في البداية.

وتوفر البنوك التشاركية أيضًا صناديق استثمارية، تُدار من قبل طاقم من الخبراء والمتخصصين لتوجيه المدّخرات، بالاعتماد على حصص الشراكة والذهب، والمعادن النفيسة الأخرى، والأموال غير المعتمدة على الفوائد، وفقًا لبنك “Ziraat Katılım“.

وسام عبد ربه، خريج اقتصاد يمتلك خبرة عملية بالاستثمار في الأسواق المالية، رجّح الاستثمار بالصناديق الاستثمارية لمن ليست لديه معرفة كافية بالقطاعات الأمثل لاستثمار أمواله.

تتيح هذه الصناديق اختيار مجال محدد للاستثمار به، مثل قطاع العقارات والمعادن النفيسة والأسهم، أو توزيع الأموال على عدة صناديق، بحسب ما قاله وسام لعنب بلدي.

ولفت إلى أن الاستثمار في ظل التضخم الحالي، يعد ميزة إضافية من شأنها أن تجعل الصناديق الاستثمارية التركية مركزًا جاذبًا للمال لما تقدمه الدولة من تسهيلات للشركات.

وأشار وسام إلى أن المتضرر من هذا التضخم هم الأفراد العاديون، مؤكدًا أن سياسة الدولة التركية بحماية الودائع من فروقات الصرف الأجنبية تحمي رأس المال من التأثر بفقد قيمة العملة الوطنية.

وتقدم الحسابات التشاركية نسبة ربح تتراوح بين 10 و18% على رأس المال سنويًا مع وجود آجال استحقاق من شهر إلى عام أو أكثر، ويمكن حساب نسبة الربح من خلال هذا الرابط.

كيف تعمل البنوك التشاركية

تقدم البنوك التشاركية مجموعة واسعة من الخدمات لعملائها من خلال تخصيص الأموال (التمويل) وجمعها والاستثمار بها، ومن هذه الخدمات التمويلية:

“المرابحة” (التداول المالي): هي شراء سلعة نقدًا وبيعها على أساس مؤجل بهامش ربح يؤدى بدفعة واحدة أو بعدة دفعات متفق عليها، ثم توزع الأرباح الناتجة عن هذا النموذج بين مالكي الصناديق.

“المشاركة” (الربح والخسارة): هي اتفاقية شراكة بين شخصين أو أكثر ويشارك كل طرف من خلال وضع رأس المال نقدًا أو قيمة نقدية، أو مساهمة أحد الأطراف برأس المال بينما يسهم الآخر بالعمل.

في هذه الشراكة، تُقسم الأرباح بين الأطراف وفقًا لمعدلات تقاسم الأرباح المتفق عليها مبدئيًا، بينما الخسارة النقدية تخص مالك رأس المال فقط، كفقدان صاحب الجهد لعمله.

“المضاربة” (شراكة رأس المال والجهد): هي اتفاقية شراكة يضع فيها أحد الطرفين رأس المال والطرف الآخر يستثمرها في نشاط اقتصادي متوافق مع مبادئ الشريعة لفترة محددة مسبقًا، ويمكن للبنك أن يكون طرفًا في مثل هذه الشراكات بصورة صاحب الجهد أو صاحب رأس المال.

“استثناء” (عقد الأشغال): هو عقد لتصنيع عمل بجودة محددة مسبقًا مقابل رسوم معيّنة، أي بيع سلعة غير قياسية وغير موجودة بالفعل وسيتم إنتاجها في المستقبل.

يمكن للمصارف التشاركية تمويل الأعمال التي ستنتج من خلال اتفاقية الاستثناء، بشرط أن تكون مسؤولة عن التصنيع في حالة عدم التصنيع من قبل المتعهد.

استثمار مجدٍ؟

أستاذ الاقتصاد والمالية الدولية في جامعة “غازي عينتاب” التركية، الدكتور السوري عبد المنعم الحلبي، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن البنوك التشاركية التي تدّعي اعتمادها على ما يسمى بالصيرفة الإسلامية، هي خيار استثماري ترتبط أرباحه بالأوضاع الاقتصادية التي تشهدها الدولة.

ولا يجد الدكتور عبد المنعم فارقًا كبيرًا بين شكل الاستثمار المتّبع ضمن الحسابات التشاركية أو الصناديق الاستثمارية، طالما يحتفظان بالتنوع الاستثماري، ما يخفض المخاطر في حال كانت الأوضاع الاقتصادية مستقرة.

يتضمن كل استثمار يستهدف الربحية مخاطر متناسبة، إلا أن هذه البنوك ذات ملاءة مالية كبيرة وغير معرضة للمخاطر العالية، مثل الإفلاس أو العسرة المالية بمستوياتها المتنوعة، بحسب ما قاله الدكتور.

وأشار إلى أن المخاطر الأخرى، ومن أبرزها فروقات الصرف، هي مخاطر طبيعية، توفر البنوك التشاركية آليات موازية للحماية منها.

ولفت الدكتور عبد المنعم إلى ثغرة واقعية قلما يتنبه إليها المستثمرون، وهي أن التعويض عن فروق العملات الأجنبية يحصل وفق السعر الرسمي للدولار الذي يعلنه البنك المركزي التركي، وليس مقابل القيمة الحقيقية للدولار عند بدء الاستثمار، لذلك، “لا يعد هذا التعويض متضمنًا لقيمة الدولار”.

وحول إقبال الشبان ذوي رؤوس الأموال الصغيرة أو المتناهية الصغر على إيداع أموالهم في مثل هذه الحسابات، اعتبر الدكتور عبد المنعم أن هذا الاستثمار هو للحفاظ على القيمة الاسمية لرأس المال، مشيرًا إلى أنه غير مجدٍ على المدى القريب، لعدم احتوائه على قيمة مضافة حقيقية.

ويرى الدكتور أن من الأفضل للشبان في مقتبل العمر، الاعتماد على الذات بمحاولة تطبيق أفكار استثمارية بسيطة، ودخول معترك الأعمال عبر شركات صغيرة تجمع كل منها فريق عمل.

الربح وتوزيعه

يعد تعريف الربح من أهم الفروق التشغيلية للبنوك “التشاركية” والبنوك “التقليدية”، فبينما يُعرّف “التشاركي” الربح الناتج عن البيع النقدي أو البيع الآجل للسلعة على أنه “ربح”، يُعرّف “التقليدي” الربح من البيع الآجل للأموال على أنه “فائدة”.

تجمع البنوك التقليدية الأموال من مدّخريها مقابل سعر الفائدة المحدد في البداية، بالمقابل، لا تلتزم البنوك التشاركية بدخل ثابت لأصحاب الأموال، ولا تقدم أي ضمان للمبلغ الأساسي المستَثمر.

توفر البنوك التشاركية الأموال من خلال حسابات المشاركة والحسابات الجارية، من أجل تقديم الدعم المالي لعملائها المحتاجين للتمويل، وتشتري السلع أو الخدمات أو الحقوق المطلوبة نقدًا وتبيعها لعملائها على أقساط.

تُحدد حصة الأرباح التي ستوزع على حسابات المشاركة وفقًا لمستوى الربح الناتج عن استخدام الأموال المحصلة من قبل البنك.

تعد الأرباح قريبة من البنوك التقليدية الربوية، ويرجع ذلك إلى أن البنوك التشاركية والبنوك التقليدية تعمل في نفس ظروف السوق.

وتعتمد البنوك التشاركية على الربح الذي تحصل عليه من الدعم التمويلي الذي تقدمه كواحد من أهم مصادر الدخل، بينما تعد الفائدة المكتسبة من القروض التي تقدمها البنوك التقليدية من أهم مصادر دخلها.

وتُحدد معدلات الربح والفائدة من قبل السوق بناء على العرض والطلب، وحقيقة أن المعاملات السوقية قريبة من بعضها، تجعل توزيع الأرباح والفوائد الموزعة على المدّخرين متقاربة.

في الخدمات المصرفية التشاركية، يُنظر إلى الاختلاف في طرق جمع الأموال واستخدامها، مثل أن تكون تجارة حلالًا أم فائدة محرمة وفق الشريعة الإسلامية، وليس إلى معدلات الفائدة والأرباح.

ماذا عن الخسائر؟

غالبًا توزع هذه البنوك الأرباح دون الخسائر، وذلك لأن البنوك تجري تحليلات مالية للعميل قبل وبعد الدعم التمويلي، للحصول على الضمانات اللازمة وإجراء عمليات المتابعة والتحصيل.

ولأجل تحقيق خسارة في أنشطة البنك التجارية، يجب بيع البضائع التي اشتراها “مقدمًا” بسعر أقل من التكلفة، أو عدم المقدرة على تحصيل سعر السلع.

ونظرًا إلى أن معدل الدعم المالي غير القابل للتحصيل لا يتجاوز 3% من إجمالي حجم التمويل، فلن تكون هناك خسارة، ولكن بحال ارتفاع هذا المعدل إلى 10% أو أعلى في أوقات الأزمات الاقتصادية العميقة، قد ينخفض معدل الربح الذي سيوزع.

تسهم البنوك التشاركية، التي يتزايد عددها في العالم، في التنمية من خلال تمويل الاستثمارات المختلفة بالأموال التي تجمعها.

ويوجد في تركيا ستة بنوك تشاركية تقدم خدمات مصرفية دون فوائد لعملائها هي:

Finans Katılım” “،”Vakıf katılım” ،”Albaraka Türk Katılım” ،Türkiye” Emlak Kaltılım” ،”Kuveyt Türk Katalım” ، “”Ziraat Katılım، وفقًا لجمعية البنوك التشاركية التركية (TKBB).




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة