اليتامى في إدلب.. مسؤولية الأقارب المنهكين

camera iconأطفال من بينهم أيتام يلعبون في مخيم بقرية دير حسان بريف إدلب 12 من تشرين الثاني 2022 (هدى الكليب/ عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

إدلب – هدى الكليب

“لا شك أن ذراعَي الأم والأب هما أفضل ملجأ للأطفال، ولكنني أبذل قصارى جهدي في رعاية ابنَي أخي اليتيمَين”، تصف حنان الشردوب (41 عامًا) مسؤولية تحملها على عاتقها بعد مقتل شقيقها جراء قصف على مدينة معرة النعمان في 2018، وسفر زوجته إلى تركيا بعد ارتباطها ثانية.
قررت عمة الطفلَين احتضانهما بعدما صارا وحيدَين بلا معيل أو سند، وعُرضة للمؤثرات الخارجية السلبية، بحسب ما قالته حنان لعنب بلدي، وهما صغيران لم يتجاوز أكبرهما الست سنوات.

وتركت سنوات الصراع في سوريا العديد من الأطفال يتامى، بعضهم فقد أحد والديه وبعضهم فقد كليهما، ومع قلة دور رعاية الأيتام في محافظة إدلب شمالي سوريا، تحمل بعض العائلات مسؤولية احتضان الأطفال الذين فقدوا ذويهم وتجمعهم بهم صلة قرابة.

هذه العائلات رُزقت بأطفال أيضًا، وعليه جمعت بين أطفالها وأقاربهم اليتامى، وعملت على توفير بيئة أسرية لاحتوائهم ورعايتهم، فيما قد يؤثر على حياتهم الاجتماعية والنفسية بشكل سلبي.

تعويض لملجأ آمن

تعمل حنان مستخدَمة في إحدى المدارس الخاصة بمدينة الدانا، مقابل أجر شهري لا يتجاوز ألفي ليرة تركية في الشهر (100 دولار تقريبًا)، وهو مبلغ بالكاد يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية وتدبير أمور عائلتها المكوّنة من أربعة أبناء وزوج مريض بالسكري.

ورغم إمكانيات حنان المادية المتواضعة، تحاول منح الطفلَين اليتيمَين ما يمكنها من الأمان والحماية من أجل أن يشعرا ببيئة أسرية طبيعية، في الوقت الذي هم بأمس الحاجة إليها، بحسب تعبيرها.

حالة حنان ليست فريدة في شمال غربي سوريا، الذي يحتضن ما يزيد على أربعة ملايين نسمة، ففي مخيمات مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا، حيث الخيام المهترئة وندرة مقومات الحياة التي يعيشها النازحون، يؤوي جدان سبعينيان أحفادهما الثلاثة من ابنتهم بعد مقتلها وزوجها في قصف على قرية جبالا أواخر 2017.

الجد حسن الصواف قال لعنب بلدي، إنه بات المعيل الوحيد لأحفاده، إذ يعتني بهم مع جدتهم، ويحاولان تأمين احتياجاتهم بما يتوفر لهما من مساعدات.

ولا يستطيع حسن، الذي أعرب عن حزنه لذلك، تقديم كل ما يحتاج إليه الأطفال، مشيرًا إلى أنه لا يملك دخلًا ثابتًا، كما أنه فقد جميع أرزاقه في النزاع.

ورغم ذلك، لا يتوانى الجد وزوجته عن منح الحب والمشاعر الأبوية التي يحتاج إليها الطفل اليتيم، كي لا يشعر بفقد أهله أو بالنقص عن أقرانه الآخرين، على حد تعبيره.

وأوضح حسن أنه يعمل على بيع بعض السلال الإغاثية التي يحصل عليها بشكل شهري، في سبيل إكمال الأطفال تعليمهم وتوفير المستلزمات الدراسية لهم.

ورغم غياب الإحصائيات عن عدد الأيتام السوريين خلال سنوات الصراع، قدّرت منظمة “Yetim Vakfı” التركية غير الحكومية عدد الأيتام السوريين في محافظة إدلب وحدها بحوالي مليون و200 ألف يتيم، بحسب أحدث إحصائية صدرت عن المنظمة في أيار 2021.

غياب الحاضنة القانونية والمجتمعية

في حديث إلى عنب بلدي، قالت المرشدة النفسية والاجتماعية نهى الخطيب، إن “فكرة الاحتضان أفضل الحلول للحفاظ على مستقبل الأطفال اليتامى، لما تمنحه لهم من العيش في جو أسري يضمن لهم بيئة آمنة ومستقرة”.

وأضافت الخطيب أن تجربة فقد الأطفال لذويهم من أقسى التجارب التي يمرون بها، ويزيد الأمر سوءًا كلما كان الفاقد صغيرًا، ما يجعله يشعر بالضعف والوحدة وفقدان الأمان.

وشددت الخطيب على ضرورة إحداث مؤسسات متخصصة برعاية وتأهيل العائلات التي ترعى الطفل اليتيم، ومساعدة تلك الأسر في توفير احتياجاته، كالحاجات الغذائية والصحية والنفسية والتربوية والاجتماعية، وخاصة إذا كانت الأسرة المحتضنة له ذات إمكانيات مادية ضعيفة.

من جهته، نفى محامي الأحوال الشخصية عبد الرزاق الإسماعيل، أن تكون هناك جهات حكومية تتولى أمر متابعة الأطفال اليتامى الذين فقدوا أبويهم.

وأوضح أن احتضان الأطفال من وجهة نظر قانونية وشرعية تكون للأم بداية، وفي حال غياب الأم لوالدة الأم، ثم للأب، ثم لوالدة الأب.

وأشار المحامي إلى أن الأيتام المحتضَنين من قبل جمعيات خيرية أو من أقرباء أو غرباء، لا توجد أي جهة حكومية تتابعهم.

تدير حكومة “الإنقاذ” منطقة إدلب وأجزاء من أرياف حلب واللاذقية، وتعاني المنطقة اكتظاظًا سكانيًا، خلّفته حملات التهجير من مناطق أخرى في سوريا على مدار سنوات النزاع، وسط صعوبة في وصول الكثير من أقارب هؤلاء اليتامى إليهم، وتشديد على خطوط التماس بين الجهات العسكرية، وتقييد الزيارات من تركيا شمالًا.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة