فيلم “الاعتراف”.. أمة عربية واحدة

tag icon ع ع ع

نبيل محمد

بعد مضي سنوات على إنتاجه، حاز فيلم “الاعتراف” السوري، مطلع كانون الأول الحالي، جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان “سومر” السينمائي الدولي في العراق بدورته الأولى.

المهرجان الذي يندرج ضمن قائمة المهرجانات العربية، التي يمكن تقييمها بأنها مخصصة لعرض وتتويج أفلام عربية لم تجاوز بعروضها وشهرتها بيئات محلية ضيقة، وهي بلا شك المهرجانات التي تشكّل البيئة المناسبة للسينما السورية التي ينتجها القطاع العام، إذ تجد مكانًا للعرض والحصول على الجوائز، كي لا تبقى مجرد هدر للمال العام في إنتاج الدعاية السياسية غير القادرة على الإقناع.

ذاع صيت الفيلم في دوائر الإنتاج الثقافي والفني السوري المحلي، كأول مشاركة للفنان غسان مسعود في السينما السورية، حيث عُقدت لأجله الندوات والمؤتمرات الصحفية التي جمعت كوادره، ليعتز كل مشارك بإنتاجه بإسهامه بعمل يربط بين مرحلتين تاريخيتين سوريتين، ذلك الربط كان واحدًا من انشغالات النظام السوري الدؤوبة. المرحلة الأولى هي المعاصرة الحالية، والثانية هي مرحلة أحداث “الإخوان المسلمين” في ثمانينيات القرن الماضي.

لا يختلف الفيلم بنيويًا عن بقية أفلام مخرجه باسل الخطيب، المتكاثرة والمتوالدة من رحم بعضها خلال السنوات الأخيرة، من حيث انعدام وجود قصة مترابطة، والتمركز حول الحوارات الشعرية والمصيرية، التي تعتبر واحدة من كوارث السينما السورية تاريخيًا، كونها سينما اهتمت بجزء كبير من إنتاجاتها بمركزية المشهد الواحد، وقدرته على تحقيق فيلم متكامل.

يعيش بطل الفيلم الأساسي غسان مسعود مرحلتين، شابًا في الثمانينيات (كان من الصعب إظهار الفنان بشكل شاب وهي واحدة من إشكالات الفيلم الفنية الكثيرة)، وكهلًا في المرحلة الحالية. تربط بين المرحلتين قصة امرأة ظهرت في حياته فجأة سابقًا، ثم عادت وظهرت ابنتها في حياته حاليًا.

القصد من العودة إلى مرحلة الثمانينيات، هو طرح قضية “الإخوان المسلمين”، الذين يظهرون بشكل مطابق للرواية الرسمية كما هو متوقّع. مسلحون شاردون مغيبة عقولهم، يرتكبون أعمالًا إرهابية يندى لها الجبين، ويهددون سلامة الوطن وأمنه. هم ذاتهم أولئك الذين عاثوا خرابًا في البلاد بعد 2011، لا شيء مختلف في الشخصية الإرهابية بين الأمس واليوم، ولا فرق أيضًا في الشخصية الوطنية التي تقف في وجه المشاريع الظلامية أيضًا، وفق مقولة الفيلم.

ليس منتظرًا من فيلم مخرجه هو أعتى المدافعين عن النظام السوري بالأمس واليوم، بكل ما أوتي من سينما، وما أتاح له النظام من منح إنتاجية يبدو أن من السهل عليه الحصول عليها، أن يقدم إلا ما قدمه، لذا قد يبدو نقاش محتوى الفيلم أصلًا تكرارًا للمكرر، لكن من الواضح أن أدوات السينما تتساقط من يدي الخطيب واحدة تلو الأخرى، فيما يتفاقم الالتزام الحرفي بالخطاب الرسمي والشعارات الرنّانة، فبناء فيلم على علاته بافتقاد القصة المترابطة، واللغة السينمائية، باتت أصلًا خارج اعتباراته، ولم يعد مهمًا حتى أن يُصنّف الفيلم تحت خانة السينما.

الاعتراف بعيد عن أن يكون فيلمًا سينمائيًا، فتركيبة الصورة فيه مرتبكة بشكل واضح، والانتقال الزمني بين مرحلة وأخرى متكلّف وغير موفّق، والحرائق والنيران والدمار تظهر بأفشل تجلياتها الفنية، وهو ما يشير إلى فقر الكوادر والخبرات، وليس فقط إلى إهمال المخرج للمحتوى مقابل التركيز على الرسالة التي تفرضها الدولة بمؤسساتها التوجيهية والرقابية المختلفة.

من “مريم” إلى “الأم” إلى “الأب” إلى “سوريون” وصولًا إلى “الاعتراف”، لا شيء يقوله باسل الخطيب مستخدمًا رموزًا سينمائية، ولا شيء في أفلامه إلا خطابية سياسية مباشرة، تحاول أن تبدو على شكل رسائل رمزية فتفشل، بسبب فشل الأدوات السينمائية، ولن يكون مخالفًا للمنطق والطبيعة أن نجد فيلمًا من إخراج باسل الخطيب بعد فترة قريبة يحمل عنوان “أمة عربية واحدة”، حيث لن يكون لدى المخرج أي قدرة أصلًا حتى على انتقاء عنوان يحمل دلالة، ستبلغ المباشرة أشدّها، ويظهر المخرج حقيقيًا كما هو.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة