تعا تفرج

ذكريات عن حسيب كيالي

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

في أواخر الثمانينات، تعرفتُ على أستاذي، الكاتب الساخر حسيب كيالي، عبر المراسلة. كان يعيش في دبي، منذ 1981، وأنا في إدلب. استمرت المراسلة بيننا، حتى وفاته يوم 9 تموز 1993.

لم نلتق في الواقع، مع أنني كنت أتابع قصصه ومقالاته ومسرحياته قبل أن أكون كاتبًا، إنه صاحب عين استثنائية، قادرة على نقل تفاصيل البيئة الشعبية المحلية، بدقة ووضوح، وتلمُّس حرارتها، وأسرارها.. إنه كاتب من النوع الذي تغريك كتاباتُه بالنسج على منوالها، فإن حاولت أخفقتَ، لأنك لا تمتلك الموهبة، والمقدرة على إنشاد تلك البيئةَ بحب.

زاد إعجابي به أكثر، حينما دخلنا بالمراسلة، فكانت تلك السنوات الأربع، بالنسبة إلي، كافية لأن أطلع على طريقته في الحياة، وأسلوبه في الأدب عمومًا، وفي السخرية خصوصًا، فهو يولي الرسالة اهتمامًا خاصًا، يقول فيها ما لا يقوله في القصص والمقالات، حتى يخال مَن يقرأ رسالته أنها نص أدبي، نثري، متميز.

وحقيقة أني أردت، خلال تلك الفترة، أن تكون للأستاذ حسيب زاوية في إحدى الصحف السورية، ليتابعه الناس بعد انقطاع دام عقدًا من الزمن، فهم ينسون الكاتب المبتعد، مهما كانوا يحبونه. المهم. عرضت الفكرة على المسؤول الثقافي بصحيفة البعث، الأستاذ وليد مشوح، فرحب بها، وطلب مني تزويد مُخرج الصحيفة بصورة شخصية حديثة له.. وهنا دخلنا في أزمة، فهمت من خلالها أن الأستاذ حسيب لا يحب الذهاب إلى ستوديو التصوير. وبعد إلحاح مني، وهياط ومياط -كما يقول المعري في رسالة الغفران- أرسل إليَّ بضع صور، مقتلعة من وثائق رسمية قديمة، مثل دفتر العائلة، أو بيانات القيد، أو سجل “لا حكم عليه”، يوجد على طرفها العلوي الأيمن جزء من خاتم المديرية التي أصدرت الوثيقة، وصورة أخرى كانت له مع صديق، عالجها بالمقص، وثالثة جبهية يبدو فيها متجهمًا، حانقًا، مع أنه كاتب ساخر خفيف الظل، يحمل عدة ألقاب منها “تشيخوف سوريا”.. والأحلى من هذا كله أنني كنت أرى الصورة، وأقلبها على قفاها، فأنفلت بالضحك على الرغم مني، فقد كتب، رحمه الله، على كل واحدة من الصور كلمة واحدة، من قبيل: مطلوب. مكحكح. مصوفن! وقلت في نفسي إن الأستاذ حسيب، ورغم أنه وسيم، وأن تلك الصور التقطت قبل أن يتجاوز الستين؛ كان يميل إلى السخرية من نفسه، بالإشارة إلى أنه مكحكح، ومصوفن.. وهذا درس في التواضع، وفي فن السخرية الذي يلخصه المبدأ القائل: ابدأ بنفسك.

كتب حسيب القصة القصيرة، في الأربعينات، عندما كان كتابها يعدون على الأصابع، والمسرحية، والرواية، والمقالة، والشعر، وكان يستخدم الشعر، غالبًا، للضحك والدعابة، وحكاية الهجاء الذي كان يتبادله مع ابن عمه عبد الجبار ليست شهيرة وحسب، بل إن المختار أبو الياس خربوط كان يجمعها ويحتفظ بها، وأشهرها القصيدة التي تبدأ بقافية توحي لك كيف ستكون نهايتها:

زعموا بأنك قد كتبت قصيدة

كالتبر، بل كالعسجد الإبريزِ!

وحسيب ألف كتابًا قصصيًا مدهشًا عن المساجلات الشعرية والنثرية مع عبد الجبار أطلق عليه اسم “حكايات ابن العم”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة