بطولة.. خيبة أمل.. ثم إعادة بناء
ما أهمية الدعم النفسي للناجين من الكوارث
د. أكرم خولاني
قد يتعرض الناس في حياتهم لأنواع متعددة من الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والأعاصير الشديدة، كما هو الحال في الزلزال الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا قبل أسبوع، ومن المتفق عليه أن من شأن هذه الكوارث أن تؤثر على سلوك المتعرضين لها ونفسياتهم، وقد تخلق ردات فعل شديدة عند بعضهم على الصعيدين السلوكي والنفسي، وهذا يجعلهم بحاجة للمساندة والدعم النفسي.
كيف تؤثر الكارثة على سلوك ونفسية الأشخاص
عادة ما تمر الكارثة بعدة مراحل، ويختلف سلوك الناس في كل مرحلة، وهي:
· مرحلة ما قبل الكارثة: قد تكون سريعة أو بطيئة، ويصاحبها تحذير وتنبيه كاف وتحضير لها.
· مرحلة البطولة (لحظة حدوث الكارثة وبعدها): في هذه المرحلة يكون العديد من الناس أقوياء ومركزين ويستخدمون قواهم لإنقاذ أنفسهم والآخرين، ويحدث شعور قوي بين الناس بالمشاركة والتعاون، ويصبحون كأنهم عائلة واحدة، وينشغل الناس بالعمل على المساعدة أكثر من انشغالهم بالأسباب.
· مرحلة شهر العسل: قد تستغرق هذه المرحلة عدة أسابيع، ويحدث فيها التحام في المجتمع، ويلتقي الناس ببعضهم البعض ويدعمون بعضهم ويرتاحون لكونهم أحياء وآمنين، ويجدون مكانا للإيواء لحين العودة لبيوتهم، ويحدث تأمين للغذاء والماء، ولكن قد تكون توقعات الناس من الحكومات والمنظمات والمؤسسات الأهلية عالية وغير واقعية، ما قد يحدث شعورًا بالتقصير وإحباطًا أو غضبًا تجاهها.
· مرحلة التحرر من الوهم (خيبة الأمل): تحدث هذه المرحلة عندما يجلس الناس في مراكز الإيواء أكثر من شهر، ويشعرون أن أملهم في العودة للحياة الطبيعية لم يتحقق وقد تقوم منظمات الإغاثة بالمغادرة، وهنا يصابون بخيبة الأمل، وتسمى هذه المرحلة بالكارثة الثانية، وقد تستغرق من شهر إلى عامين.
· مرحلة إعادة البناء: تدوم لسنوات عديدة بعد الكارثة، ويحدث فيها بعض التكيف من الناس.
ولكن تشيع في هذه الحالات إصابة الأشخاص باضطرابات نفسية وسلوكية تتميز بتغير في التفكير والمزاج والعواطف والسلوك، كالشعور بالخوف والقلق والفزع وعدم معرفة كيفية التصرف الصحيح في مثل تلك المواقف، أو الإصابة بالاكتئاب، وهي حالات مرضية تحتاج للعلاج عن طريق الدعم والمساندة النفسية.
ما أعراض حدوث مشكلة نفسية عند الشخص بعد الكارثة
عند الأطفال الصغار قبل سن المدرسة:
· الخوف الشديد والهلع؛ والذي يتظاهر بالخوف من الآخرين والبكاء عند اقتراب أحد الغرباء منه، والصراخ إذا ابتعد أحد أقاربه عنه، وحدوث اضطرابات النوم كالفزع الليلي أو زيادة عدد ساعات النوم عن المعتاد.
· تكرار رموز وألعاب ترمز للكارثة التي حدثت.
· الارتدادات لممارسات سلوكية سابقة كان قد أقلع الطفل عنها بحكم النمو؛ كمص الإصبع، والتبول أو التبرز اللاإرادي.
· الحركة المستمرة غير الهادفة.
· الشرود أو السرحان وكأن الطفل ينظر إلى شيء ما.
عند الأطفال بسن المدرسة:
· الاسترجاع البصري للأحداث؛ والمقصود به أن يعيد الطفل الأحداث التي تعرض لها في شكل صور يحدث عن تفاصيلها أو يعبر عنها في صورة رسوم أو ألعاب يحددها هو.
· نسيان أو خلل في ترتيب الأحداث؛ يكرر الطفل رواية ما حدث، ولكن دون ترتيب دقيق، كما أنه ينقص جزءًا من الأحداث، وهي محاولة منه غير واعية للتخلص من بعض المشاهد أو الأفكار أو الأحداث التي لا يحتملها.
· زيادة الخوف والتوتر؛ وفيه يبدو الطفل وكأنه في حالة توقع لحدوث مكروه، فهو يتوقع دائمًا أنه سوف يتعرض لخطر كالذي مر به، فيحدث له نوع من الحركات اللاإرادية، كما يخشى النوم بمفرده حتى لو كان قد سبق أن تدرب عليه ومارسه، وينسحب الخوف على أي نشاط يمكن أن يفعله بمفرده، وقد يصل الأمر في حالة الخوف الشديد إلى عدم قدرته على دخول الحمام بمفرده أو حتى التحرك لعدة خطوات بعيدًا عن أسرته، ويربط ما بين حدوث الكارثة وما كا يفعله وقتها؛ بمعنى أنه إذا كان الزلزال قد حدث في أثناء تناول الطعام مع الأسرة، ففي كل مرة يبدأ بتناول الطعام يؤكد أن الزلزال ربما يحدث الآن، أو يعبر عن ذلك في صورة قلق يظهر من خلال ملامح وجهه أو رعشة يديه أو حتى في مشكلات البلع أو رفض تناول الطعام.
· تراجع في السلوك؛ ويعني الارتداد لممارسات كان الطفل قد تخلص منها، كالخوف الشديد من الظلام، والالتصاق بالوالدين أو من يمثلهم فيربط حركته بحركتهم ولا يستطيع نهائيا الانفصال عنهم، ومص الأصابع، وفقدان التحكم بالتبول والتبرز.
· انخفاض القدرة على التركيز وبعض القدرات المتعلقة بالتحصيل الدراسي؛ فنجد الطفل لا يستطيع التركيز أو الانتباه لشيء معين لبضع دقائق، ويظهر ذلك في تواصله مع المحيطين به، فأثناء الحديث في موضوع يدخل على موضوع آخر، أو يتظاهر أنه ينصت للحديث معه، ولكن عند سؤاله يظهر أنه كان مهتما بأمر آخر، فيشرد فيه بذهنه.
· زيادة الغضب، والعنف السلوكي واللفظي، وربما تظهر سلوكيات غير مقبولة سواء موجهة للآخرين أو موجهة لنفسه خاصة لدى المراهقين؛ فنجد الطفل يدخل في ثورات غضب لأتفه الأسباب أو حتى دون سبب، أو يكسر ما يقع تحت يده من أشياء أو يقذفها، ويضرب أقرانه من الأطفال أو بعض أفراد أسرته، وسب الأشخاص أو الأشياء، والذي يعبر من خلاله عن حالة السخط التي تعم شخصيته، ويظهر العنف نحو الذات في صورة تعمد إصابتها فيؤذي نفسه.
· الإحباط؛ ويظهر في صورة عدم رغبة في المشاركة أو غياب الاندماج مع الآخرين والتعبير عن عدم جدوى أو فائدة أي تصرف يفعله له الآخرون.
· رفض الحدث وإنكاره؛ وفي الحقيقة تعد هذه العلامة من المؤشرات المهمة على مدى الضرر الذي يستشعره الطفل، فهو لا يحتمل مجرد تصديق أن هذا الحدث قد تم بالفعل فينكر ذلك تماما ولا يصدقه، وهذا الطفل تحديدًا يحتاج لمضاعفة المجهود معه حتى الوصول به إلى مجرد الاعتراف بأن الموقف حدث بالفعل.
عند اليافعين والبالغين:
· عدم قدرة الشخص على القيام بالوظائف والمهام اليومية الاعتيادية المطلوبة منه والتي كان يؤديها قبل الحدث.
· وجود مشاعر غير طبيعية أو غير اعتيادية.
· وجود سلوكيات غير اعتيادية أو خطرة أو ذات مخاطرة عالية.
· وجود أفكار سلبية أو غير طبيعية بشأن حياة الفرد وحياة الآخرين.
ما العوامل التي تزيد من احتمال الإصابة بالاضطرابات النفسية عند حدوث الكوارث الطبيعية
التاريخ المرضي للشخص: وجود قصة إصابة حالية أو سابقة أو تاريخ عائلي لأحد الأمراض النفسية كالقلق والاكتئاب.
التغيرات الاجتماعية: كالنزوح إلى مناطق سكنية أخرى، أو انفصال العائلات عن بعضها، أو فقدان مصادر الدخل، أو التغيرات في القيم والأخلاق والعادات.
المجموعات البشرية التي لا تتلقى الدعم الاجتماعي الكافي: مثل الأرامل والأيتام وكبار السن وأصحاب الإعاقات النفسية والجسدية.
ما المقصود بالدعم النفسي
المقصود بالدعم النفسي في الكوارث والأزمات هو المساندة المعنوية التي تتمثل في مشاركة المصاب في أوجاعه، ومرافقته في رحلة المعاناة، والتخفيف عنه بشتى الطرق؛ من إظهار التعاطف، وتهوين المصيبة، والبحث عن طرق تجاوز الكارثة بأقل خسائر ممكنة، وغيره.
ويعتبر الدعم النفسي في الكوارث من أهم أوجه المساعدة التي يحتاج إليها من يمر بأزمات قوية وأحداث قاسية، سواء على الصعيد الجماعي أو الفردي، لتجاوز المحنة والتعافي من آثارها السلبية.
لماذا الدعم النفسي
تتمثل أهداف الدعم النفسي في الكوارث في مساعدة الأشخاص على تجاوزها بأقل درجة من الآثار السلبية النفسية، وتتلخص بالنقاط التالية:
· تخفيف الضغوط النفسية والعصبية المصاحبة للكارثة.
· تخفيف الألم النفسي والجسدي.
· الحد من ردود الفعل النفسية الانفعالية الحادة التي تزيد من الضرر.
· الحد من الآثار النفسية التي تقود إلى الاضطرابات والأمراض النفسية على المدى القريب أو البعيد.
· المساعدة على التكيف وتعلم أساليب فعالة في إدارة الأزمة.
من المؤهلين لتقديم الدعم النفسي للناجين من الكوارث
عادة ما يقوم بمهمة تقديم الدعم النفسي أخصائي نفسي مدرب، حتى يتمكن من التعامل مع ضغوط الأشخاص بطريقة حرفية ومهنية سليمة، ويشاركه غالبا أخصائي اجتماعي.
ولكن يمكن أن يقدمه الرفاق، أو المقربين، أو الأصدقاء، أو غيرهم ممن يجيدون التأثير على الآخرين، وذلك بعد تدريبهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :