تعا تفرج
الثورة ليست فكرة.. وهي تموت
خطيب بدلة
الثورة ليست فكرة، كما قال المرحوم رائد الفارس. وكثير من الأفكار إذا لم تكن نافعة تموت. أغلبية الشعب ليست على صواب. القائلون بأن إرادة الشعب لا تُقهر، إما مغفلون، وإما ماكرون يريدون إيهامنا بمصداقيتهم، لكي يسهل عليهم استغلالنا. لو كانت لدى شعبنا بوصلة لا تخطئ، كما يزعمون، لما رزح تحت كل هذه الأحمال من الجهل والتخلف على مدى قرون.
وصف الأخوان الرحباني الشعب اللبناني بأنه عنيد. غنت فيروز: لبنان الكرامة والشعب العنيد. المقصود هو المعنى الإيجابي للكلمة، أي أن لبنان عصي على القهر، والفتن، والمستعمرين. أنا أزعم أن شعبنا عنيد في رفضه الإصلاح، والتحضر. يمكنك أن تلاحظ ما يأتي: يرى المثقفون التنويريون، في مجتمعنا، أن شعبهم متخلف، ونائم في زاوية معتمة، وبعيدة عن طريق التحضر، فيخرجون بأفكار جديدة، لو تأمل الشعب بها مليًا، وتعامل معها بجدية، لاستفاد منها وصحح مساره، وحاول اللحاق بركب الحضارة. ولكن، هل كان الشعب يكتفي برفض تلك الأفكار، ويقول للتنويريين: ميرسي أوي احتفظوا بفلسفتكم لنفسكم؟ أبدًا، كان التنويري يواجَه بالرفض، والاستنكار، والسخط، ويهدَّد، ويحاصَر في منزله، وتبدأ الحملات تُشن عليه دونما توقف، ويصبح وأفراد أسرته في خطر، فإذا كان عنيدًا أكثر مما ينبغي، قُتل، وإذا خاف، ولان، لا يبقى أمامه سوى خيار واحد، وهو أن يتراجع عن أفكاره، ويعلن على الملأ أنه كان مخطئًا، ويلعن الشيطان الرجيم الذي وسوس له بتلك الأفكار الخاطئة التي تخالف الأفكار الصائبة التي يعتقد بها مجتمعه العظيم. هذا الكلام معروف للقاصي والداني، ولو أردنا الاستفاضة بالأمثلة لما اتسعت لنا مساحة هذا العمود الصحفي، ولكنني سأضرب لكم مثالًا فيه شيء من الطرافة، وهي أن الشيخ الأزهري الرائع علي عبد الرازق، بعد الحملات الجبارة التي قادها الإسلاميون المتشددون على كتابه “الإسلام وأصول الحكم”، عام 1924، الذي قال فيه إن الإسلام لا يوجد فيه نظام محدد للحكم، وبالتالي لا يمكن إقامة دولة خلافة، عاش منبوذًا، يمشي بجوار الحائط ويقول يا رب سترك، وقبل وفاته بستة أشهر، عام 1966، حاوره صحفي من “روز اليوسف”، وقال له: سنعمل على إعادة طباعة كتابك قريبًا. فرد عليه: إذا فعلتم ذلك سأرفع عليكم قضية!
الثورة السورية انتهت منذ زمن طويل. الرجال الذين يتصايحون على “لايفات التيك توك” اليوم، متحدثين عن الثورة، متهمين مَن يخالفهم الرأي بأنه معادٍ للثورة، مثيرون للشفقة. كلامهم كما يقول أهل الشام “رغي”، أو كما يقول أهل حلب “بوجقة”. الثورة، يا حبيبي ليست فكرة، ولا حتى زلزالًا مدمرًا، إنها مجموعة من الاعتبارات، والأهداف المحددة، والخطط السياسية التي يريد المجتمع تحقيقها، وعندما لا يستجيب الواقع لذلك، ينتفض الشعب، ويثور، ويزلزل كل ما يأتي أمامه، ليحقق تلك الأهداف، ويقيم النظام الذي ثار من أجله، والمفترض أن يكون أفضل مما كان عليه بكثير.
بصراحة تامة: ثورة تتسلح، وتتأسلم، وتمنع المرأة من المشاركة فيها، لا يمكن أن تنجح، وفي كثير من الأحيان، تتحول إلى حرب أهلية، وتؤدي إلى تقسيم البلاد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :