الكمأة.. مصدر رزق لسكان “الركبان” خارج حدود المخيم
عنب بلدي – خاص
يلجأ سكان مخيم “الركبان” على الحدود السورية- الأردنية إلى جمع فطر الكمأة خارج حدود المخيم، ويقطعون مسافات طويلة في رحلة البحث عنها، إذ تشكّل مصدر رزق وفرصة عمل موسمية لكثيرين.
لا تخلو من المخاطر ولا تدر كثيرًا من المال على الأهالي مقارنة بالتجار، لكنها فرصة يستغلها السكان وسط ظروف اقتصادية صعبة، جراء إغلاق متكرر للطرق المؤدية إلى المخيم من قبل قوات النظام السوري، التي تمنع دخول المواد الغذائية والأدوية، إضافة إلى إغلاق الحدود من قبل الأردن.
مصدر رزق
اعتاد سكان بمخيم “الركبان” الذهاب في رحلة يومية من الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من المساء بحثًا عن فطر الكمأة، الذي يباع قسم منه في المخيم، في حين يصدّر الفائض إلى مناطق سيطرة النظام.
الناشط المقيم في مخيم “الركبان” عمر الحمصي، قال لعنب بلدي، إن بعض السكان يستقلون دراجاتهم النارية، وبعضهم الآخر يستأجرون سيارة ويخرجون للبحث عن الكمأة، ويقطعون مسافات تتجاوز عشرات الكيلومترات.
ويقدّر العائد المالي للشخص الذي يجمع الكمأة بعد حسم تكاليف رحلته بين 30 ألفًا و75 ألف ليرة سورية، ويعتمد الأمر على الحظ في إيجاد فطر الكمأة ونوعه وحجمه.
ويتوفر في تلك الأراضي نوعان للكمأة، الأبيض (الزبيدي)، والأحمر القابل للتخزين فترة أطول، ويرتفع السعر كلما زاد وزنه، ويعتبر الأبيض الأغلى سعرًا.
الناشط الإعلامي محمود شهاب المقيم في المخيم، قال لعنب بلدي، إن لجني الكمأة تكاليف متمثلة بثمن المحروقات، إذ يصل سعر ليتر البنزين إلى 20 ألف ليرة سورية، وليتر المازوت إلى عشرة آلاف ليرة سورية.
وأوضح شهاب أن البطالة، وخاصة بين فئة الشباب، تدفعهم للمخاطرة للبحث عن الكمأة، بالنظر إلى عوائدها، لكن ليس بالحد الكافي لإعالة الأسر الموجودة في المخيم، لافتًا إلى أن جمع الفطر عمل موسمي، تتم الاستفادة منه في فترة محددة، ولو كانت هناك فرص عمل أخرى لما لجأ السكان للبحث عن الكمأة.
للتجار النصيب الأكبر
تتراوح أسعار الكمأة في المخيم حسب النوع، وتبدأ من 15 ألفًا إلى 20 ألف ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، وتتراوح أسعار الأحجام المتوسطة من الفطر بين 35 ألفًا و50 ألف ليرة سورية للكيلو، وهي أنواع منخفضة الجودة.
وتباع الكميات التي يجمعها السكان في المخيم للتجار الذين بدورهم “يُهربون” الكميات الفائضة وذات النوعية الفاخرة إلى مناطق سيطرة النظام، وقد يصل سعر الكيلو في تلك الأسواق إلى 140 ألف ليرة سورية، وفق الناشط عمر الحمصي.
الناشط الإعلامي المقيم في المخيم حمود العبد الله، قال لعنب بلدي، إن الفائدة تعود للتجار، وهم من يتحكم بتسعير الكمأة، ويشرفون على عملية تهريبها إلى مناطق سيطرة النظام.
ويعتبر حجم فطر الكمأة الموجود في المنطقة التي تسمى “55 كيلومترًا” صغير الحجم، الأمر الذي يقلل من المردود المالي، على عكس أحجام وأنواع الكمأة في البادية.
منطقة آمنة نسبيًا
يعتبر العمل في جمع الكمأة من الأنشطة الموسمية المحفوفة بالمخاطر، وألحقت خسائر بالأرواح عبر السنوات الماضية بعمليات قتل أو جراء انفجار الألغام، إذ قُتل، في شباط الماضي، ما يقارب 75 شخصًا من جامعي الكمأة في البادية السورية، في ظروف غامضة.
واتُهم بتنفيذ الهجوم تنظيم “الدولة الإسلامية” وقوات إيرانية نشطة في المنطقة.
وتعتبر منطقة “55 كيلومترًا” آمنة نسبيًا، إذ تخلو من قوات النظام وحلفائها المدعومة إيرانيًا، ومن عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، بحسب الناشط حمود العبد الله.
وتشهد المنطقة تسيير دوريات بشكل مستمر للتحالف الدولي، الذي عمل مع “جيش سوريا الحرة” المدعوم أمريكيًا على تنظيفها من الألغام، ويمنع الاقتراب من المناطق التي توجد فيها ألغام.
ولم تسجل المنطقة أي عمليات خطف أو قتل لجامعي الكمأة في المنطقة سوى حادثة واحدة عام 2018، إذ اعتقل حرس الحدود العراقي عددًا من أبناء المخيم لمدة 15 يومًا، ثم نقلوهم إلى منطقة الفلوجة ومنحوهم حق اللجوء.
وأصدرت منظمة الأمم المتحدة تقريرًا، في تموز 2019، قالت فيه إن مخلفات الحرب والألغام في سوريا تهدد حياة عشرة ملايين سوري.
مخيم معزول يواجه الكوارث
أنشئ مخيم “الركبان” عام 2014، وكان نقطة عبور للمهجرين من مناطق حمص والرقة ودير الزور باتجاه الأردن.
ضم المخيم قبل عام 2018 حوالي 70 ألف نسمة، إلا أن أغلبية سكانه خرجوا باتجاه مناطق النظام السوري، ولم يبقَ فيه سوى ثمانية آلاف نسمة، بحسب ناشطين مطّلعين على الوضع الإداري فيه.
وتشدد قوات النظام حصارها على المخيم، وتتحكم بإدخال المواد الغذائية، في حين تغيب المساعدات الإنسانية عن “الركبان” منذ ثلاث سنوات.
وتلاحق سكان المخيم كوارث وأزمات متتالية، أبرزها النقص الحاد في مياه الشرب، وقلة فرص العمل، والتشديد على دخول المساعدات والمواد، أبرزها الطحين، ما دفع السكان إلى جمع فتات الخبز المخصص للأعلاف، واستخدامه طعامًا بعد نقعه بالماء، مع الكشك أو الحمّص.
وتعتمد فئة من الأهالي في المخيم على الأعمال اليدوية والحرف لتأمين قوت يومها، كبناء البيوت الطينية التي يسعى الأهالي للاستعاضة بها عن الخيمة.
وفي آذار 2020، أغلق الأردن الحدود مع المخيم بما فيها النقطة الطبية، وأرجعت الحكومة الأردنية سبب الإغلاق لإجراءات الحد من انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، ولم تعد فتحه بعد السيطرة على الوباء.
وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، قال حينها، إن “(الركبان) ليس مسؤولية الأردن، إمكانية تلبية احتياجاته من داخل سوريا متاحة، أولويتنا صحة مواطنينا، نحن نحارب (كورونا) ولن نخاطر بالسماح بدخول أي شخص من المخيم”.
شارك في إعداد هذا التقرير مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :