يرممونها كبدل إيجار مقدم

مستأجرو البيوت يتحولون إلى “متعهدي إكساء” بإدلب 

camera iconترميم مهجر مقيم في مدينة إدلب لبيت استأجره حديثًا- 9 حزيران 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

tag icon ع ع ع

إدلب – أنس الخولي

يترقب حاتم بفارغ الصبر عودة صاحبة المنزل الذي استأجره ويقيم فيه من تركيا لتوقيع عقد الإيجار، وضمان حقه بالمبالغ التي تكلفها بعملية الترميم، إذ اتفق مع مالكة المنزل على بدل إيجار زهيد لمدة عام واحد مقابل الإصلاحات التي أجراها.

ويخشى حاتم الشامي (33 عامًا)، المهجر من الغوطة الشرقية إلى مدينة إدلب مكان إقامته، من أن تخرجه صاحبة المنزل بهدف تأجيره بسعر أعلى، والدخول في دوامة التنقل باستمرار بين المنازل لعدم ربط الاتفاق بعقد إيجار قبل عملية الترميم.

وقال حاتم لعنب بلدي، إن متوسط الإيجارات في إدلب يرتفع باستمرار دون ضوابط أو رقابة، ما يرهق الشباب ذوي الدخل المحدود أو شبه المعدوم، إذ وصل بدل الإيجار حاليًا إلى 75 دولارًا بالنسبة للبيوت الجيدة، فيما تصل أجرة العامل إلى 75 ليرة تركية (أقل من أربعة دولارات).

ارتفاع أسعار البيوت أرغم الشباب على البحث عن بيوت بإيجار قليل ولو كانت غير قابلة للسكن بسبب حالتها السيئة، إذ يخطط المستأجر لتنفيذ بعض التحسينات البسيطة، كتركيب بعض الشبابيك وسد بعض الفتحات التي تؤدي إلى دخول الهواء.

وهذه الإصلاحات يتكفل بها المستأجر دون أي مساعدة من صاحب المنزل، الذي غالبًا ما ينظر إلى هذه التحسينات كـ”فرصة لرفع بدل الإيجار”، على حد تعبير الشاب المستأجر.

ويروي الشاب قصة استئجاره للمنزل، التي بدأت بعد الزلزال، حيث اضطر للخروج من منزله القديم بسبب التصدعات، والبحث عن منزل مناسب بإيجار قليل، إذ وجد منزلًا بتصميم معماري قديم في أحد الأحياء القديمة من مدينة إدلب.

وبحسب حاتم، فإن المنزل بحاجة إلى إصلاحات تتعلق بأنابيب المياه ووصلات الكهرباء، وفيه عدد من التصدعات، مقدّرًا بشكل مشترك مع صاحبة المنزل تكلفة الإصلاحات بمبلغ 200 دولار أمريكي.

ولعدم توفر الإمكانيات المادية لدى صاحبة المنزل، وحاجتها الماسة إلى بدل الإيجار لتدبير أمور حياتها، اتفقا على تنفيذه الإصلاحات على حسابه الشخصي مقابل دفع إيجار قدره 400 ليرة تركية لمدة عام، وهو ما يعتبر مبلغًا “زهيد جدًا” مقارنة مع الإيجارات في المدينة، على حد قول المستأجر.

وبعد أن تجاوزت تكلفة الإصلاح 235 دولارًا، نصح أحد المحامين المستأجر بتنظيم عقد إيجار مع صاحبة المنزل، وتثبيت الاتفاق الذي جرى بينهما في العقد وبشهادة شاهدَين لضمان حقه وعدم المخاطرة بفرضية إخراجه من المنزل.

خياران أحلاهما مر

عمر عثمان (37 عامًا) مواطن مهجر يقيم في مدينة إدلب عانى المشكلة ذاتها، وقال لعنب بلدي، “قبل أربعة أشهر أخطرني صاحب المنزل الذي كنت مستأجره بضرورة الخروج من المنزل بعد انتهاء عقد الإيجار، لتبدأ رحلة البحث عن بيت آخر”.

وبعد عناء، وجد عمر منزلًا متواضعًا مؤلفًا من ثلاث غرف، لكن دون شبابيك داخلية بين الغرف أو حنفيات مياه، والحمام دون باب، ومع هذا طلب صاحب المنزل 60 دولارًا كبدل للإيجار.

وأوضح صاحب البيت أنه ليس مستعدًا للترميم، ولن يخفض بدل الإيجار مقابل أي شيء يضيفه المستأجر في المنزل، قائلًا إن المستأجر يستطيع فك ما أضاف من أبواب وحنفيات وشبابيك وأخذها حين انتهاء العقد، على حد قول عمر.

وبين أن يقيم عمر في منزل متواضع ببدل إيجار مقبول، وأن يجري إصلاحات وترميمات على حسابه الشخصي، وبين البحث عن بيت أفضل ببدل مرتفع لا يقوى على دفعه، قبل عمر الخيار الأول على الرغم من علمه أنه سيخسر التكاليف التي سيدفعها في المنزل، واحتمال ارتفاع الإيجار بعد عام حين نهاية العقد.

من جانبه، وصف المهجر مروان العبد الله حالته وحالة نظرائه بقوله، “بتنا نشعر أننا متعهدو إكساء أو ورشات تنظيف، نضطر إلى الانتقال لمنزل آخر كل ستة أشهر، ويكون بحاجة أيضًا إلى بعض الإصلاحات، وطبعًا جميعها على حساب المستأجر”.

وطالب عدد من المستأجرين ممن قابلتهم عنب بلدي الجهات المسؤولة بوضع ضوابط للإيجارات، والنظر في أعمال الترميم والإصلاحات التي يتكلف بها المستأجرون.

بعد ترميم مهجر مقيم في مدينة إدلب لبيت استأجره منذ عدة أشهر- 9 حزيران 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

أصحاب المنازل يشتكون أيضًا

يرى أصحاب المنازل أن بعض المستأجرين يخربون البيت بسبب عدم العناية اللازمة به، ما يؤدي إلى حدوث أضرار كبيرة في المنزل، تكلفهم مبالغ طائلة تزيد على مجموع المبالغ التي أخذوها من المستأجرين طوال فترة الإيجار.

سعيد برهوم (55 عامًا) صاحب منزل في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، “عام 2018 سافرت إلى تركيا لتنفيذ بعض الأعمال، ولم أكن راغبًا بتأجير منزلي، لكن بعد إلحاح من قبل أحد الأصدقاء لتأجير المنزل لأحد معارفه قبلت”.

وبعد أربع سنوات قضاها المستأجر مقيمًا في المنزل، حيث تدرج بدل الإيجار خلالها بدءًا من 15 دولارًا حتى وصل في العام الأخير إلى 50 دولارًا، وحين عاد سعيد من تركيا عام 2022، طالب المستأجر بالخروج.

وكانت حالة المنزل بعد خروج المستأجر “يُرثى لها”، بحسب وصف سعيد، الذي قال إن أبناء المستأجر الصغار كتبوا على الجدران، كما أن المغسلة كانت مكسورة، وخطوط الصرف الصحي شبه مسدودة، وبعض لمبات الإنارة غير صالحة، لتبلغ تكلفة إصلاح الأعطال 2500 دولار وفق صاحب البيت.

بدوره، قال متعهد البناء وضاح الأحمد، إنه يملك بناية مؤلفة من أربعة طوابق في مدينة إدلب، ويؤجرها لبعض المستأجرين، الذين “لا يشعرون بقيمة المنزل، ويهملون العناية به، ما يؤدي إلى حدوث أضرار بالغة ومكلفة للغاية”، كما اعترف بوجود بعض المستأجرين الذين يعتنون بالمنزل كما لو كانوا يملكونه.

ويرى وضاح أن أصحاب المنازل عليهم العناية بمنازلهم أولًا، وتنفيذ الإصلاحات اللازمة قبل إدخال المستأجر، ليشعر بضرورة العناية بالمنزل، ثم عليهم وضع شروط تضمن حقهم في حال عدم العناية به، إلى جانب مبلغ تأمين يُدفع قبل التأجير ويعود للمستأجر حال خروجه.

من يتحمل تبعات الترميم

المحامي محمد السلامة المقيم في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إن الأصل أن العقد شريعة المتعاقدين، والأمر خاضع برمته للاتفاق المثبت في عقد الإيجار، فأعمال الترميم قبل عملية التأجير يتم الاتفاق عليها في أثناء التفاوض، ويجب تثبيتها في عقد الإيجار والالتزام بها من كلا الجانبين.

وأوضح المحامي أن أعمال الإصلاح اللاحقة بعد خروج المستأجر تخضع لقاعدة “من سبب ضررًا للغير وجب عليه التعويض”، فالمستأجر يجب أن يعتني بالمنزل عناية الرجل المعتاد في منزله وعليه الاهتمام به، وتسليم المنزل بالحالة التي تسلّمها، مستندًا إلى المبدأ النبوي “لا ضرر ولا ضرار”.

توجد حالات خاصة في الظروف الطارئة، حيث تحدث أضرار يتعذر معها انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة، كتهدم الدرج المؤدي إلى المنزل، وفي حال رفض صاحب المنزل الإصلاح، يحق للمستأجر الطلب من قاضي الأمور المستعجلة تنفيذ هذه الإصلاحات على نفقة المستأجر إلى حين البت في الدعوى المدنية حول نفقات الترميم، أو الخروج من المنزل والمطالبة بالمبالغ التي دفعها دون الانتفاع بالمنزل.

المستشار الإداري لرئاسة مجلس الوزراء في حكومة “الإنقاذ”، فواز هلال، قال لعنب بلدي، إن العقد شريعة المتعاقدين، فبعد أن يتم توثيق عقود الإيجار لدى الكاتب العدل يصبح للعقد “قوة قانونية”، ولا يمكن فسخه أو الإخلال به إلا بمخالفة الشروط المتفق عليها والواردة في العقد أو باتفاق الطرفين.

وأضاف هلال أن العقد محدد بمدة وقيمة وشروط أخرى يتفق عليها بين المؤجر والمستأجر، ولا تملك الجهة العامة عادة سلب إرادة الأطراف بالتعاقد أو الفسخ، وإنما تكون جهة ضامنة لحسن التنفيذ.

وعن عمليات الترميم، قال المستشار، إن الميزان في هذا الموضوع هو العقد الموقع بين الأطراف، فإن كان يُقصد بالترميم الإصلاحات دون الجملة الإنشائية (أعمدة أو جدران استنادية) فلا يُلزم بها أحد، لأنها عبارة عن صيانات لا تؤثر على سلامة البناء.

وإن كان يُقصد بالترميم التدعيم الإنشائي للبناء، والذي يؤثر على السلامة، فلا يُلزم طرف على حساب طرف، إنما يُترك الأمر للاتفاق بين الأطراف، على حد قول المستشار لعنب بلدي.

وفي حال امتنع المؤجر عن تدعيم البناء، وهو ما يشكّل خطرًا على المستأجر، يصار إلى توجيه المستأجر لرفع دعوى على المؤجر لحل الخلاف بما يتوافق مع شروط التعاقد، وبما يضمن تدعيم البناء وإزالة المخاطر، وحينها تُحول إلى وزارة الإدارة المحلية ومؤسساتها لاستكمال الإجراءات الهندسية اللازمة، بحسب فواز هلال.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة