تعا تفرج

لغة الآي آي

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

يمكن أن يُفهم مصطلح “لغة الآي آي” على أنه لغة التأتأة، أو لغة رجل فوجئ، وهو في الشارع، بإعلامي مزوّد بفريق تصوير، يسأله رأيه في القضية السورية، فيقول: أنا رأيي، آآ ي آي.. ولا يدري ما يقول، لأن القضية السورية أعيت كبار المحللين السياسيين العالميين، فماذا يقول وهو رجل فقير على باب الله؟

والحقيقة أن “لغة الآي آي” عنوانُ قصة للأديب يوسف إدريس، يتحدث فيها عن شخص مصاب بمرض خطير، يمضي الليل وهو يئن، قائلًا: آي آي.. وأنا أرى أن هذه اللغة قد أصبحت لغتنا نحن السوريين التعبانين، المشردين في أصقاع الأرض.. إنها ليست أنينًا، ولا تأتأة، ولا فأفأة، ولا برطمة، بل كل هذه اللغات مجتمعة، وما ساعد على نموها، وازدهارها، انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، إذ صار في مقدور جميع أنواع المبرطمين والمتأتئين أن يكتبوا أو يقولوا ما يشاؤون، وهم غير محتاجين لذكاء، أو تعقل، أو تدقيق فيما يقولون، بل يعملون على مبدأ “عبيلو وادّيلو”، فأنت تحكي عن ظاهرة التحرش المنتشرة في بلداننا بسبب الفصل الكتيم بين الجنسين، مثلًا، فيبادرك شخص يتحدث بلغة الـ”آي آي” (AI)، موضحًا أن ما عندنا بسيط، لا يشكّل ظاهرة تستحق الدراسة، ولكن التحرش الحقيقي موجود في أوروبا، والصين، واليابان، ومن كثرة ما يلح على فكرته، ينتابك دافع قوي لأن تقدم كل أنواع المساعدة، للأوربيين، والصينيين، واليابانيين، لكي يحموا نساءهم الشريفات، العفيفات، الطاهرات، من التحرش! وإذا أشدتَ بقرار أصدرته السعودية، قبل سنوات، سمحت فيه للسيدات بقيادة السيارة، يطلع لك واحد متأتئ، ويأتيك بكلام منقول عن شيخه، يزعم فيه أن أحدث الدراسات التي أنتجتها المختبرات العلمية (الغربية)، أثبتت أن طبيعة حوض المرأة، وتركيبة جسمها، يجعلانها تتضرر من قيادة السيارة، فتصاب بالعقم، وبالديسك، وداء النقرزان، فإذا قلت له إن الغربيين هم أنفسهم الذين اخترعوا السيارة، وسمحوا لنسائهم بقيادتها منذ البداية، يعاجلك بالقول إن الغربيين في طريقهم لمنع المرأة من قيادة السيارة، بعدما تبين لهم أن ركوب المرأة على الجمل، ضمن الهودج، أقل ضررًا من قيادتها السيارة!

للحقيقة والتاريخ، أقول إن المتحدثين بـ”لغة الآي آي” صرعونا بتحليلاتهم، فمع أن المجتمع الدولي أهمل القضية السورية منذ أن تأسلمت، تاركًا السوريين يكابدون مصيرهم بأنفسهم، ترى تأتوءًا يقول لك إن فلانًا (يذكر اسم شخصية حقيقية) قادم إلى سوريا رئيسًا بتوافق دولي، وآخر يقول لك إن لديه معلومات لا تخر الماء (كأنها معبأة في قادوس ملحوم بالقصدير)، بأن أمريكا وقسد ستتعاونان على محاربة إيران عسكريًا، لإخراجها من سوريا، وأن مناف طلاس قادم كبديل لبشار الأسد في غضون أسبوعين، وأن حلب ستنضم إلى تركيا، وتبقى تحت سلطتها خمس سنوات، ثم تُعاد إلى سوريا، وإسرائيل ستضرب طهران وأراضي إيرانية أخرى، ورياض حجاب سيكون رئيس وزارة عند مناف طلاس، ولا ينسى الشخصُ الذي يتأتئ لك بهذا السيل من المعلومات أن يهز رأسه، ويغمز بعينه، ويقول لك:

– أنا بحكي لك معلومات، مو تحليل سياسي!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة