لأسباب مادية ومعنوية

أطباء سوريون يهاجرون.. ألمانيا وجهة مفضلة

طبيب سوري في مشفى المواساة في دمشق 2021 (AFP)

camera iconطبيب سوري في مشفى المواساة بدمشق 2021 (AFP)

tag icon ع ع ع

يشهد القطاع الطبي في مناطق سيطرة النظام السوري هجرة متزايدة للأطباء إلى دول مختلفة، على رأسها ألمانيا، لأسباب مادية ومعنوية.

لم يخف النظام السوري استياءه علنًا من هجرة الأطباء عدة مرات، رغم اعترافه في المقابل بالأجور الزهيدة التي يتقاضاها العاملون في القطاع الطبي.

أثار وزير التربية والتعليم في حكومة النظام السوري، دارم طباع، في لقاء على قناة “التربوية السورية” في آب 2022، الجدل، عندما تساءل “أيهما أفضل، دراسة الطب لـ12 عامًا ثم الهجرة إلى ألمانيا ومعالجة الألمان، أم الدراسة لعامين ودخول سوق العمل والحصول على مليوني ليرة؟”.

وتتكرر أحاديث وسائل الإعلام الحكومية، أو المقربة من النظام السوري، حول هجرة الأطباء السوريين بمختلف التخصصات، باستثناء الجراحات التجميلية.

وفي 23 من أيار الماضي، قالت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، إن الكادر الطبي خسر 30% من أطباء التخدير، جزء من هذه النسبة بسبب السفر، و70% من الأطباء في أعمار قريبة للتقاعد.

واشار تقرير ثان نشرته الصحيفة نفسها، في 21 من حزيران الحالي، إلى نقص الأطباء في محافظة السويداء، جنوبي سوريا.

أسباب مادية ومعنوية للهجرة

اسماعيل، اسم مستعار لطبيب مقيم في دمشق (34 عامًا)، قال لعنب بلدي، إن “الأطباء المقيمين”، يتوجهون حصرًا إلى الدول الأوروبية، وتحديدًا إلى ألمانيا لعدة أسباب، بينها غياب المردود المادي الجيد وساعات العمل الطويلة، وأن “هناك فارق كبير بين الحصول على 11 دولارًا تقريبًا، وثلاثة آلاف يورو”، وفق اسماعيل.

هذا المرتب المتدني لا يكفي ثمن المواصلات بين مكاني الإقامة والعمل، وفنجان قهوة واحد أثناء المناوبة، أضاف اسماعيل، مشيرًا إلى ساعات العمل الطويلة التي تصل إلى 36 ساعة أثناء المناوبات.

وتنقسم دراسة الطب البشري في سوريا إلى مرحلتين، تتضمن الأولى الدراسة الجامعية التي قد تمتد لست سنوات (وفق الاختصاص)، بينها سنة تحضيرية أولى ثم خمس سنوات دراسية.

أما المرحلة الثانية هي مرحلة الاختصاص، فتحتاج للفترة نفسها وتتبع أيضًا للتخصص، بحسب “الهيئة السورية للاختصاصات الطبية“.

وأشار موقع “Global Economy“، المختص بدراسة الآفاق الاقتصادية للبلاد، في 2022، إلى تصدر سوريا الدول العربية في هجرة الكفاءات إلى الخارج.

ولا تختلف أسباب طبيبة العيون سارة، عن أسباب اسماعيل حول رغبتها بالهجرة من سوريا إلى ألمانيا.

سارة (29 عامًا)، وهو اسم مستعار للطبيبة المنحدرة من مدينة اللاذقية على الساحل السوري، قالت لعنب بلدي، إنها تريد مردودًا ماديًا يوازي عملها، واصفة واقع المشافي الحكومية بـ”السيء”.

ويقوم عمل الكثير من المشافي الحكومية في مناطق النظام السوري حاليًا على “الأطباء المقيمين” أو طلاب الدراسات، وبرواتب زهيدة للغاية لا تتجاوز 10 دولارات، عدا عن الأثر المعنوي، وفق سارة.

“عشرات الحالات التي شعرت خلالها بالعجز أمام المرضى لغياب التجهيزات الطبية اللازمة، نتعامل مع التشخيص بناء على معرفتنا ودراستنا وتشخيصنا الذاتي لا الفحوصات الضرورية”، أضافت سارة لعنب بلدي.

وتابعت إنها تبذل ضعف الجهد المطلوب منها عبر ربط الأعراض ببعضها للوصول إلى التشخيص الصحيح، وتخفيف التحاليل والصور المرتفعة الثمن، والمطلوبة من المرضى.

كما إن صعوبة افتتاح عيادات خاصة أو مراكز تحاليل مخبرية، تجعل السفر خيارًا أكثر ترجيحًا بالنسبة لاسماعيل، الذي أشار إلى أن اختصاصات التجميل ربما تكون الوحيدة التي لا يضطر أطباؤها للسفر.

تشير سارة، إلى أن الغرض من السفر يحدد وجهة الطبيب، ففي حال كان الهدف هو فقط جمع المال والعودة إلى سوريا وافتتاح عيادة خاصة، فيتوجه عادة إلى إحدى دول الخليج العربي أو أربيل في العراق أو الصومال.

لماذا ألمانيا؟

أعلن المكتب الفيدرالي الألماني للإحصاء في 2022، عن حصول 19 ألفًا و100 سوري على الجنسية الألمانية، بعد استيفائهم للشروط اللغوية والمدنية، بحسب ما نقلت وكالة “رويترز“.

تعد ألمانيا أحد أكثر البلاد التي لجأ إليها السوريون خلال السنوات الأخيرة، بعد أن قررت المستشارة الألمانية فتح الباب أمام طالبي اللجوء السوريين في 2015.

دخل السوريون في ألمانيا إلى القطاع الطبي بين 57 ألف طبيب أجنبي يعملون في البلاد.

ونشرت مجلة “Ärzteblatt” الرسمية الطبية، تقريرًا جاء فيه، إن الأطباء السوريين احتلوا المرتبة الأولى في عدد الأطباء الأجانب في ألمانيا في 2022.

وجاء في التقرير، “تأتي نسبة كبيرة من زملائنا الأطباء من دول أخرى”، متضمنًا إحصائية تظهر وجود خمسة آلاف و339 طبيبًا سوريًا.

إحدى أبرز الأسباب التي تجعل ألمانيا وجهة مفضلة للأطباء السوريين من داخل سوريا، هو وضوح الخطوات المطلوبة للوصول إليها، بحسب اسماعيل.

وتابع، أنه وبرغم المدة الزمنية الطويلة، إلا أن الخطوات والمعايير الواضحة تجعل الأمر أكثر سهولة.

وقدم كل من اسماعيل وسارة طلبات سفرهما إلى السفارة الألمانية، وطلب منهما تجاوز امتحانات اللغة (مستوى ثالث على الأقل)، وتصديق الشهادة الجامعية وبيان العلامات، وورقة لا حكم عليه.

كما يطلب من المتقدمين، وفق اسماعيل، الحصول على ورقة تؤهله للتقدم إلى امتحانات تعديل الشهادة، وعقد إيجار منزل وفحص للغة، ومبلغ الكفالة الذي يتراوح بين 12 إلى 16 ألف يورو.

وقالت سارة، إن السفر إلى ألمانيا أصبح “أسلوب حياة” لعشرات الأطباء في اللاذقية، والذين بدؤوا بالفعل تعلم اللغة الألمانية، وهم يتبادلون الخبرات فيما بينهم والمعلومات والأسئلة الشائعة.

وعادة ما يقدم الأطباء السوريون فحص اللغة في لبنان أو الأردن، لغياب أي جهة معترف عليها في سوريا.

وسبق أن صنّف نظام التقرير السنوي للاندماج والهجرة الألماني، الأطباء السوريين “كأقوى مجموعة طبية بين حاملي الجنسية الأجنبية”.

حسب ما جاء في التقرير، فإن واحدًا من كل ستة موظفين (16.5%) في مهنة الصحة والرعاية من أصول مهاجرة، ويتوقع الخبراء أن هذه النسبة ستزداد في مجتمع متقدم في السن، وتُظهر البيانات أن الأطباء يملؤون أيضًا الثغرات التي يفتقد فيها الألمان، فهم يفضلون العمل في العيادات وفي المدن الصغيرة وفي الريف، ضمن الولايات الفيدرالية الشرقية الخمس.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة