الطاقة البديلة ومستقبل سوريا
السوريون خارج الشبكة.. هل يتحول الاضطرار إلى اختيار؟
حنين النقري – عنب بلدي
بين التحسّر على الماضي والألم لما يجري في الحاضر، لن يكون التفكير بالمستقبل وتكاليفه ترفًا، أمام ما نراه من دمار كامل للبنى التحتية والفوقية في معظم المدن السورية، ومع معرفتنا السابقة بما دفعته شعوب أخرى من أثمان لإعادة إعمارها.
وتبرز اليوم، في المناطق المحررة غالبًا، نماذج لصناعة الحياة من الموت، والتغلب على الظروف المعيشية السيئة بأساليب “ذكية”.
ولئن بدا للبعض أنها حلول مؤقتة ستنتهي الحاجة إليها بانتهاء الحرب، ربما تكون الحاجة الفعلية للعمل بها ستبدأ مع نهاية الحرب، والحديث هنا عن وسائل توليد الطاقة والخدمات الأساسية التي برع فيها السوريون كحلول بديلة لتوليد طاقة مستدامة، وهو أمر يتوافق مع حركات عالمية يتزايد عدد المؤيدين لها باستمرار للتخلي عن الشبكة (off the grid)، وتوليد الطاقة اللازمة لكل منزل بتكاليف أقل وأمان بيئيّ أكبر.
خسائر قطاع الطاقة الكهربائية
يعد قطاع الطاقة الكهربائية من أكثر القطاعات تضررًا في سوريا بسبب الحرب، ويعطي تصريح وزير الكهرباء في حكومة النظام، عماد خميس، منتصف العام الماضي، صورة عنه، إذ قدّر قيمة الخسائر المباشرة في قطاع الكهرباء بـ 215 مليار ليرة سورية، والأضرار غير المباشرة 800 مليار ليرة.
بينما أشار معاونه نضال قرموشة عن خطط “لتعافي” الشبكة الكهربائية بتكلفة 81 مليار دولار من عام 2016 إلى 2030، وهو ثمن الوقود اللازم لتوليد الطاقة التقليدية والمتجددة، بالإضافة لـ 20 مليار دولار لتنفيذ الاستثمارات.
بعيدًا عن خميس وقرموشة والمخططات طويلة الأمد، وبعيدًا عن ميزانيات الدول التي تحتاجها، ثمة العديد من التجارب الناجحة والبسيطة على صعيد الطاقة البديلة في المناطق المحررة، والتي ستكون أفضل بمردود أكبر بالتأكيد، لو أتيحت لها ظروف طبيعية ومعدات كاملة، بحسب مشغليها.
بطارية.. شاحن.. “انفيرتر” وطاقة شمسية
العم أبو سليمان من الغوطة الشرقية (58 عامًا)، صاحب ورشة كهربائيات، ليس لديه جديد يضيفه، فهو يستخدم أدوات باتت شائعة لدى معظم السوريين: البطارية والشاحن و”الانفيرتر” وخلايا الطاقة الشمسية، لكن الجديد أنها موجودة لديه منذ ما يزيد عن عشرة أعوام، يشرح أبو سليمان “من خلال عملي في ورشة كهربائيات كان لدي دومًا حب التجريب والابتكار، ومن يدخل إلى منزلي كان يشعر بذلك على الفور”.
لدى “أبو سليمان” منظومة ألواح شمسية منذ سنوات، يعتمدها لتوليد طاقة كهربائية وشحن بطاريات السيارات الكثيرة لديه، وعن السبب في لجوئه لذلك يقول “كان منزلي أشبه بمزرعة، لديّ حقل أمام بيتي، وبئر أعتمد على مياهه، وطاقة شمسية تمدني متى شئت بالكهرباء، وحطب أخزنه للتدفئة، مولدة وكميات كبيرة من الوقود، كنت أستطيع الاستقلال بمنزلي عن الشبكة كليًا عندما أرغب بذلك”.
خرج أبو سليمان من الغوطة منذ ثلاثة أعوام بعد أن دمّر منزله بشكل كامل، لكنه يأمل العودة إليه وبناءه على النمط ذاته من جديد، “أعتقد أن التجهيزات التي كنتُ أهيئ منزلي بها من أكثر ما نحتاجه اليوم حتى في الأماكن الخاضعة لسيطرة النظام، كما ترين الأيام متقلبة ولا يمكن الاطمئنان لاستقرارها، ولا بد من اتخاذ الاحتياطات التي تكفل للإنسان استمراريته عند انقطاع الخدمات، بالإضافة للتوفير الذي يحصّله من يعتمد الطاقة الشمسية”.
هذا ويذكر معهد ليفانت للدراسات أن سوريا تعتبر من أنسب بلدان العالم لمشاريع الطاقة البديلة، وتتميز بسطوع شمسي شبه دائم على مدار العام بمعدل 300 يوم سنويًا، بمردود 2300 كيلو واط في الساعة في الكيلومتر المربع الواحد، فيما يعدّ مستوى الأشعة الشمسية في سوريا في المرتبة الثانية بين الدول العربية.
الرياح.. الكنز المهدور
أثبتت دراسات نشرها معهد ليفانت أن مدينة حمص مصنفة في المرتبة السادسة عالميًا لاستمرارية الرياح الدائمة فيها، وعلى الرغم من هذه الميزة، والعديد من المزايا الأخرى للمناخ في سوريا، لا نجد استفادة منها لخفض تكاليف توليد الكهرباء المتزايدة والتي تعتبر من أعلى المعدلات عالميًا.
سامي القرجي (27 عامًا) خريج إدارة أعمال من جامعة حلب، هو من الشباب السوريين الذين دفعهم سوء الظروف إلى التفكير خارج الصندوق، ومن هنا كانت فكرته باستغلال طاقة الرياح في توليد الكهرباء بإمكانيات بسيطة ومعدات منزلية.
من “موتور” غسالة قديمة، وأنابيب بلاستيكية، وجهد وعمل في وقت الفراغ صنع سامي مروحة لتوليد الكهرباء لمنزله في كفرنبل، وفي حديث إلى عنب بلدي يقول إن الرابط بينه وبين توليد الكهرباء هو قلقه على مصالح الناس وتفكيره المستمر بهم، ويضيف “الحاجات هي من تولد الأفكار لنبتكر ما يتدارك احتياجاتنا كي نرتقي بالعيش، وافتقادنا للكهرباء في منطقتنا ولّد ببالي الفكرة للمساعدة في تحسين الواقع”.
لم تكن الصعوبات التي واجهت سامي من قبيل توفير مواد بناء للمروحة بقدر ما كانت في إقناع أصحاب المهن الذين احتاجهم لمساعدته، ويوضح “كان عليّ أن أقنعهم بنجاح الفكرة، فأنا بالنهاية بحاجة لمخرطة وحداد لبناء هيكل المروحة، بالإضافة إلى ذلك واجهتني صعوبة في إيجاد الدينمو الذي ستحركه المروحة ليقوم بتوليد الكهرباء فعملت على تعديل دينمو ليتلاءم مع ما أريد”.
مروحة بـ 35 دولارًا
بتكلفة 35 دولارًا وبمواد بسيطة استطاع سامي بناء نموذج يمدّ منزله بكهرباء مجانية، تكفي لتشغيل تلفاز صغير وجهاز الإنترنت وإنارة دائمة، ويضيف “سعر المروحة الجاهزة بالسوق يتجاوز 1100 دولار، وهو السبب الذي دفعني لمشاركة مخططها مع ما يزيد عن 50 شخصًا لتنفيذها من جديد، وأعتقد أن أصعب ما قد يواجههم هو إيجاد الدينمو المناسب”.
يجري سامي حاليًا تجارب للاستفادة من طاقة الجاذبية، إذ يرى أنها أكثر استدامة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية الخاضعتين لتقلبات المناخ، ويضيف أن هناك العديد من النماذج الأخرى لتوليد الطاقة الكهربائية من بدائل في محيطه “فمثلًا هناك أشخاص يولدون الكهرباء من استخلاص الهيدروجين من الماء، أو توليدها من غاز الميثان من فضلات الحيوانات والقمامة، لكن هذه التجارب خطرة جدًا وبحاجة لظروف آمنة، بالأمس احترق شاب أثناء تجربة لتخزين غاز الميثان في برميل”.
يرى سامي أن الطاقة البديلة حاجة “ملحة” لسوريا ما بعد الحرب، خاصة مع الأفكار الكثيرة التي تولدت نتيجة للظروف الصعبة، ويضيف “يجب أن يكون هناك مكان يجمع الأفكار المرتبطة بهذا الخصوص، ويتيح للشباب المهتمين بالطاقة البديلة تبادل الخبرة والتجارب لنصل إلى حلول مثلى”.
سامي وأبو سليمان، وغيرهما كثر، نماذج بدأت بشكل فردي إلا أنها أخذت تلاقي انتشارًا متزايدًا مع تلبيتها لحاجات الناس وفق الظروف المتاحة لهم، فهل ستكون هذه الابتكارات تمهيدًا لمستقبل أكثر صلة مع الطاقة المستدامة؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :