ما المصادر الحيّة في العمل الصحفي

tag icon ع ع ع

علي عيد

تتعدد أنواع مصادر المعلومة للصحفي، بينها مصادر مفتوحة أو خاصة، ويبقى العنصر البشري، أو ما يسمى “المصادر الحيّة”، جزءًا أصيلًا في عمل الإعلام، والتحقق من صحة المعلومات وتأكيدها أو نفيها.

هناك مستويات مختلفة للمصادر الحية، بعضها يشبه الشاهد الملك، كأن تراجع وزيرًا مسؤولًا عن ملف اقتصادي أو اجتماعي في قضية يجري تناولها، وتهم الجمهور، وبعضها الآخر يأتي من أشخاص على علاقة بالقضية أو في محيطها، على أن تكون كل تلك المصادر جديرة وذات صلة.

لا يلغي المصدر الحيّ أهمية المصادر الأخرى، الوثائق والمستندات، أو المعاينة الشخصية للصحفي على الأرض، بل تتكامل هذه المصادر مع بعضها.

ولا يكتفي الصحفي بمصدر بشري واحد في قضية إشكالية، أو عمل استقصائي يتطلب أكثر من رأي، وأكثر من شاهد، كما يفترض الحصول على شهادات مختلفة، منها ما يؤكد الفرضية ومنها ما ينفيها.

وترتبط أهمية الشهود بقواعد مهنية وأخلاقية، منها التحقق من المعلومات، وضمان التوازن في المعالجة، وإفساح المجال لجميع الأطراف بتقديم معلومات، وكذلك يتعلق تقييم الشهود بمدى ارتباطهم وجدارتهم لتقديم الشهادة أو التعليق على الحدث.

وتتزايد أهمية المصادر الحية مع انتشار الذكاء الصناعي (Artificial Intelligence)، وسطوة وسائل التواصل الاجتماعي (Social media)، التي تهدد بتشكيل قناعات ورأي عام مزيف في قضايا مهمة، وباتت منصات، مثل “تيك توك” و”إنستجرام”، مؤثرًا أساسيًا في تحديد موقف الجمهور واتجاهاته السياسية، اعتمادًا على رأي بعض المؤثرين، أو الدعاية الكاذبة التي يبثها الذباب الإلكتروني (Electronic flies) عبر حساباته الوهمية.

وينسحب الأمر على قضايا اجتماعية أو تربوية، إذ تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات الفيديوهات لمؤثرين يدعون طلاب المدارس إلى ترك مقاعدهم الدراسية بزعم أن النجاح موجود في مكان آخر، وأنهم باتوا أثرياء بفضل نشاطهم في التجارة الإلكترونية.

مشروع “24 ساعة في قسم الكتابة”، الذي أعدّته المدرسة العليا للصحافة في مدينة ليل الفرنسية وقناة “فرنسا الدولية”، يصنف المصادر إلى أربعة أنواع هي:

– المؤسسية: وهي المصادر التي تتمتع بسلطة عامة، مثل الحكومة، والوزارات، والإدارات.

– الوسيطة: وهي التي تتمتع بالمشروعية الاجتماعية، منها الجمعيات، والمنظمات المهنية، والأحزاب السياسية، والنقابات والاتحادات المهنية.

– الشخصية: وهي المصادر الكتومة أو السرّية التي يحظى بها الصحفي في دوائر السلطة والأوساط المهنية.

– العرضية: وهي المصادر العفوية وإفادات شهود العيان التي تم الحصول عليها أو طلبها بالمصادفة أو الناتجة عن ظروف معيّنة، ويتم الاستعانة بها لمرة واحدة.

ويمكن إضافة تصنيف آخر للمصادر الحية لم يورده المشروع، وهو المصادر المتطوعة، وأقصد بها التي تزوّد، بشكل تطوعي متعمد، الصحفي والوسيلة الإعلامية بمعلومات في قضايا مهمة، وهذا النوع يتطلّب تدقيقًا كبيرًا لافتراض وجود مصلحة للمصدر، دون التخلي عن فرضية أن هناك متضررين على حق، أو غيورين على المصلحة العامة يرغبون بأن يتولى الإعلام مسؤوليته في قضايا لم يُكشف عنها.

في أثناء اختيار الصحفي لمصادره، أو فرضها عليه، يجب ألا يخضع لفرضية تلك المصادر، مهما علا شأنها، وأن يتحضر جيدًا كي لا يتم تمرير الكذب أو التضليل أو المبالغة عبره وعبر الوسيلة الإعلامية، بسبب عدم تحضيره جيدًا، وسوء تقديره لأهمية تلك المصادر، أو التقصير في مقاطعة المعلومات الواردة منها، واعتبار ما تقوله حقيقة مطلقة، عندما يتعلق الأمر بقضايا إشكالية متنازع عليها، أو ملفات فساد قد تكون لأطراف معيّنة مصالح للدفع بمعلومات غير مكتملة، أو تسهم في حرف مسار العمل الصحفي.

وفيما يخص جدارة المصادر الحية، يتساهل الصحفيون أو “المخبرون الإعلاميون”، أحيانًا، في تقييم مدى الصلة بين المصدر والموضوع، ويلاحَظ أن كثيرًا من القضايا يجري اللجوء فيها إلى شهود من خارج الاختصاص، أو ممن لا تضيف آراؤهم قيمة فعلية، أو يريدون توجيه القضية لمصلحتهم.

مثال على المصادر الحيّة التي ترغب بتوجيه الإعلام إلى مصلحتها، أن يبحث الصحفي في قضية إزالة إشغال الأرصفة من قبل الباعة غير المرخص لهم على أنها تسهم في قطع موارد دخلهم وإفقارهم، دون الرجوع إلى أصحاب الحق في الاستفادة من هذا الرصيف، وهم الناس من المارة، مثل سكان المنطقة، وطلاب المدارس، وكذلك دون الرجوع إلى الجهة الخدمية المسؤولة عن تنظيم هذا القطاع، أو المحافظة أو السلطة الحاكمة للاطلاع على سبب قيامها بإزالة إشغالات الرصيف، ومواجهتها لمعرفة الحلول التي قدمتها لهؤلاء المتضررين.

تشكّل المصادر الحيّة موردًا أساسيًا للعمل الصحفي، لكن سوء استخدام هذا المورد قد يتسبب بأثر عكسي، ويسهم في تضليل وإرباك الجمهور، ودفعه لتبني موقف غير سليم، كما أن سوء التعامل مع المصادر الحيّة قد يتسبب في إضعاف ثقة الجمهور بالوسيلة الإعلامية والصحفي، وفقدان ثقة المصادر ذاتها، ما يدفعها للانصراف عن التعاون في مناسبات أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة