tag icon ع ع ع

خالد الجرعتلي | حسن إبراهيم

تعتزم “الإدارة الذاتية”، المظلة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إطلاق محاكمات لعناصر من تنظيم “الدولة الإسلامية” في سجونها شمال شرقي سوريا، بعد مرور سنوات على وجودهم وتعنّت دولهم في إعادتهم، دون مستقبل واضح لمصيرهم.

واختارت “قسد” مدينة عين العرب/كوباني لإقامة المحاكم فيها، ودعت بشكل متكرر، منذ منتصف حزيران الماضي، وسائل الإعلام والمنظمات الدولية لحضور هذه المحاكمات.

وبالنظر إلى جملة من التفاصيل المتعلقة بإمكانية إقامة هذه المحاكم، يرى باحثون ومختصون في الشأن القانوني، أن “قسد” لا تملك القدرة على إجراء هذه المحاكمات، في حين يعتقد آخرون أن الإمكانيات تتيح إقامتها، لكنهم يشككون في جدّيتها.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف إمكانية إقامة هذه المحاكمات، ومصير المحكومين، ومواقف الدول من الحكم على مواطنيها في بلد ثالث من قبل سلطة أمر واقع غير معترف بها كدولة قادرة على إدارة مؤسسات.

لماذا الآن.. وهل تستثمر “قسد” في الملف؟

قررت “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا البدء بتقديم السجناء الأجانب لديها من مقاتلي تنظيم “الدولة” إلى محاكمات وصفتها بـ”العلنية والعادلة والشفافة”، وفق بيان أصدرته في 10 من حزيران الماضي.

وقالت “الإدارة الذاتية“، إنها قررت البدء بمحاكمتهم بما يتوافق مع القوانين الدولية والمحلية الخاصة بـ”الإرهاب”، وبما يحفظ حقوق المدعين من الضحايا وأفراد أسرهم، مضيفة أن المحاكمة لا تعني عدول “الإدارة” عن رأيها في ضرورة إنشاء محكمة دولية أو ذات طابع دولي خاص بملف “إرهابيي” التنظيم.

ودعت “الإدارة” التحالف الدولي لـ”محاربة الإرهاب”، والأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية الدولية المعنية، والمنظمات المحلية، إلى “الانخراط بشكل إيجابي وتقديم الدعم خلال جميع مراحل المحاكمات”.

ملف محاكمات عناصر تنظيم “الدولة” في مناطق نفوذ “قسد” لا يعتبر جديدًا، إنما يطفو على السطح بين الحين والآخر، تحركه “الإدارة الذاتية”، مع تكرار حالات العصيان التي ينفذها السجناء، الأمر الذي تراه سلطات المنطقة خطرًا أمنيًا يهددها، بحسب ما يراه باحثون وخبراء.

ويُستخدم الحديث عن سجناء التنظيم تارة للاحتجاج على قصف يطال المنطقة، وتارة أخرى للمطالبة برفع الدعم المقدم لـ”قسد” من قبل التحالف الدولي.

الدكتور المتخصص في القانون الدولي وسام الدين العكلة، يرى أن “الإدارة الذاتية” تهدف من خلال إعلانها الأحدث في هذا الصدد، إلى ابتزاز دول التحالف الدولي سياسيًا وماليًا، خاصة أن الإعلان جاء بالتزامن مع الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة التنظيم في جدة بالمملكة العربية السعودية.

ورصد التحالف الدولي خلال الاجتماع نفسه مبلغ 601 مليون دولار أمريكي لدعم التحالف وشركائه.

العكلة قال لعنب بلدي، إن إعلان دول التحالف عن إطلاق حملة تعهد مالي من أجل الاستقرار لجمع الأموال للمناطق المحررة من التنظيم في العراق وسوريا، تهدف “قسد” من ورائه إلى ابتزاز الدول بملف محاكمات العناصر الأجانب.

وأضاف، “لو كانت لدى (قسد) نية حقيقية لمحاكمة السجناء في مناطق نفوذها لفعلت ذلك منذ سنوات كما فعلت مع عناصر آخرين يحملون الجنسية السورية”.

من جهته، قال الباحث الكردي ومدير شبكة “جيواستراتيجي”، إبراهيم كابان، لعنب بلدي، إن من حق “الإدارة الذاتية” محاكمة عناصر التنظيم لديها، خصوصًا مع الأخطار الأمنية التي يشكّلونها على المنطقة.

وذكّر كابان بأحداث سجن “غويران” بمدينة الحسكة مطلع عام 2022، عندما تمرد عناصر التنظيم بمؤازرة من عناصر آخرين قدموا من خارج السجن، ما استدعى بدء عمليات عسكرية استمرت في المنطقة لعدة أيام وخلّفت مئات القتلى والجرحى.

سجن في الحسكة حيث يحتجز آلاف الرجال المتهمين بالانتماء والقتال مع تنظيم “الدولة الإسلامية”- 2019 (نيويورك تايمز)

 

“إن إعلان دول التحالف عن إطلاق حملة تعهد مالي من أجل الاستقرار لجمع الأموال للمناطق المحررة من التنظيم في العراق وسوريا، تهدف (قسد) من ورائه إلى ابتزاز الدول بملف محاكمات العناصر الأجانب”.

وسام الدين العكلة – دكتور متخصص في القانون الدولي

“الجهاديون”.. مصدر قلق أمني

في 19 من كانون الثاني 2022، شهدت شوارع حي غويران بمدينة الحسكة مواجهات عسكرية بين خلايا لتنظيم “الدولة” تسللوا إلى محيط سجن “غويران” الذي يعتبر أحد أكبر السجون التي تضم عناصر وقياديين في التنظيم، ممن اعتقلتهم قوات التحالف الدولي في سوريا خلال عملياتها العسكرية بين عامي 2017 و2022.

وتطورت هذه المواجهات مع تمكّن العشرات من السجناء من تجاوز أسوار السجن والانضمام إلى الخلايا التي تمركزت في الأحياء المحيطة بالمنطقة، مثل حيي الزهور والمقابر، إذ استخدمت خلايا التنظيم مع بداية المواجهات سيارة مفخخة فجّرتها على البوابة الرئيسة للسجن.

عُرفت هذه الأحداث التي انتهت بعد أسبوعين من المواجهات كأعنف تمرد أطلقه التنظيم في شمال شرقي سوريا لإطلاق سراح عناصره وقيادييه، وخلّف مئات القتلى من عناصر التنظيم و”قسد”.

الباحث إبراهيم كابان قال لعنب بلدي، إن وجود هؤلاء العناصر يشكّل “إرهاقًا أمنيًا حقيقيًا” في المنطقة التي تديرها “الإدارة الذاتية”، وهو ما انعكس في أحداث سجن “غويران” بمدينة الحسكة 2022.

وأضاف أن سكان المناطق التي تحوي هذه السجون يعتبرون أنهم يجلسون على “قنبلة موقوتة” قد تنفجر في أي لحظة، وهو ما يعكس مخاوف السكان فعلًا.

وتأتي مخاوف السكان انطلاقًا من تجاربهم السابقة مع عناصر التنظيم، كما حصل في مدينة عين العرب/كوباني سابقًا، عندما دخل عناصر التنظيم إلى المدينة وارتكبوا فيها مجزرة قُتل فيها مئات المدنيين، بحسب كابان.

ومن هذا المنطلق، ترى “الإدارة الذاتية” نفسها مضطرة لإيجاد حل لمشكلة انتشار المقاتلين بسجون المنطقة في ظل مستقبل مبهم، إذ لا أحد يدري إلى متى سيستمر هذا الوجود.

هل “الإدارة الذاتية” مؤهلة؟

المحاكمات التي تخطط “الإدارة الذاتية” لإقامتها لا تحمل صبغة قانونية، إذ لا تملك الأخيرة جسمًا قضائيًا جاهزًا يستطيع الفصل بمثل هذه القضايا، بحسب ما قاله مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، لعنب بلدي.

وأضاف العبد الله أن التقاعس الدولي الرافض لفكرة إنشاء محكمة ذات طابع دولي، أو رعاية دولية لمحكمة محلية ضمن سلطة “الإدارة الذاتية”، يجعل من الصعب تطبيق المحاكمات التي تتحدث “الإدارة” عن إطلاقها.

المحاكمة من حق المتهمين

يرى محمد العبد الله أن المشكلة الأهم هي ليست فقط محاكمة هؤلاء العناصر، فإطلاق المحاكمات أمر “محق” ومن حقوق المتهمين، لكن، “ماذا سيحدث بعد تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم، ففي حال تبرئة أحدهم مثلًا، أو في حال الحكم عليه بالسجن لسنوات وإخلاء سبيله بعد انتهاء مدة حكمه، ماذا سيحصل بعدها، ما مصيرهم فعلًا كأجانب ترفض دولهم إعادتهم”.

وبالنسبة للمقاتلين السابقين في تنظيم “الدولة” من السوريين، يمكن أن يكون الوضع أفضل، لكن للأجانب وضعًا خاصًا، ووضع العراقيين أسوأ، كون تسليمهم للعراق يعني أحكام إعدام بحقهم باعتبار أن الحكومة العراقية أصدرت مجموعة من أحكام الإعدام بحق مجموعة من المتهمين بالانتماء للتنظيم تحت محاكمات “صورية”.

العبد الله يرى أن إجراء المحاكمات من جانب “الإدارة الذاتية” أمر معقد وصعب، وربما يمكن اعتباره وسيلة للضغط السياسي على الدول، إما لاسترداد بعض مواطنيها، وإما لدعم “قسد”، وإما لتأمين تمويل متعلق بالتكنولوجيا الأمنية مثلًا.

مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، لا يرى إمكانية حدوث مثل هذه المحاكمات، إذ لا تملك “الإدارة الذاتية” القدرة على إجراء هذا النوع من المحاكم على الصعيد القانوني.

وقال الأحمد خلال حديث إلى عنب بلدي، إن محاكمة عناصر انضموا للتنظيم فعلًا ليس بالأمر السهل، إذ يحتاج إلى تحقيقات طويلة، ويمكن تطبيقه فعلًا في حال تلقت “الإدارة” دعمًا من دول أوروبية أو منظمات دولية.

وبحسب ما نشرته وكالة “هاوار” المقربة من “الإدارة الذاتية”، نقلًا عن مصادر في “الإدارة”، فإن المحاكمات ستبدأ خلال فترة قريبة، وستجري خلالها محاكمة آلاف “الإرهابيين” المنحدرين من 60 دولة حول العالم، وتعمل “الإدارة” على إعداد لوائح بأسمائهم، والاتهامات الموجهة لهم.

أشخاص يشتبه في انتمائهم لتنظيم “الدولة الإسلامية” في سجن في الحسكة شمال شرقي سوريا- كانون الثاني 2020 (Goran Tomasevic/Reuters)

“سيلعب اتحاد المحامين في المنطقة دورًا مهمًا في هذه المحاكمات، من خلال توكيل محامٍ لكل أسرة وفقًا للمتطلبات العملية دون أي تكاليف مادية، كما سيتمكن ذوو الشهداء الموجودون خارج المنطقة من المشاركة في المحاكمات من خلال المحامين”.

وكالة “هاوار”

لا اعتراف بـ”الإدارة”

القانوني السوري محمد العبد الله قال، إن أحد أسباب عدم قدرة “الإدارة الذاتية” على إقامة هذا النوع من المحاكمات يكمن بمشكلة الاعتراف بها، إذ لا تتمتع بذات الصفة التي يتمتع بها إقليم كردستان العراق على سبيل المثال، المعترف به رسميًا في الدستور العراقي من قبل الحكومة المركزية.

ونظرًا إلى عدم وجود هذا الاعتراف في الإطار المحلي، لا يمكن اعتبار الأحكام الصادرة عن “الإدارة الذاتية” بالضرورة مقبولة بدمشق عند النظام، ونحن نتحدث هنا عن الدولة نفسها قانونًا.

وبالنظر إلى وضع المحاكمات في الظرف الراهن، فإن تطبيقها سيشكّل “سوابق قضائية”، إذ يمكن رؤية شخص محكوم بمكان لكنه بريء بمكان آخر، أو متوفى بمكان لكنه مسجل أنه على قيد الحياة بمكان آخر، بحسب العبد الله.

لذلك، بشكل عام هناك خطر دائم بعيدًا عن ملف عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، من أن تكون هناك سلطتان قضائيتان متوازيتان أو أكثر.

القانوني وسام الدين العكلة، يرى من جانبه أن القانون الدولي ينص على أن تكون الدول ذات السيادة المعترف بها، هي التي تتمتع بسلطة إنشاء المحاكم وإقامة العدل داخل أراضيها.

وفي حالة محاكمة العناصر الأجانب المحتجزين لدى “قسد”، فإن الاختصاص القضائي ينعقد لمحاكم الدولة التي يحمل الشخص جنسيتها، أو للمحاكم التابعة للنظام السوري باعتبارها الدولة التي وقع الجرم على أراضيها.

مع ذلك، يعتقد العكلة أن الدول لا تكترث بمحاكمة حملة جنسيتها من قبل جهة غير معترف بها، ولو أرادت محاكمتهم فعلًا لعملت على استعادتهم إلى أراضيها.

إمكانية متاحة.. المشكلة في التطبيق

الباحث الكردي إبراهيم كابان يرى أن إمكانية إقامة هذا النوع من المحاكمات في المنطقة متاح، خصوصًا أن “الإدارة الذاتية” تدير منطقة واسعة تعتبر أكبر من دولة بحجم لبنان فعليًا، وبالتالي فإن لـ”الإدارة” القدرة على إجراء المحاكمات، خصوصًا مع الدعم الذي تتلقاه من جهات دولية عديدة على رأسها الولايات المتحدة.

ويرى كابان أن من حق “الإدارة” أن تبحث عن حل للمشكلة التي تعود جذورها لسنوات في المنطقة، طالما أن هناك صمتًا دوليًا، وعدم رغبة بإجلاء الدول رعاياها من المنطقة.

القانوني بسام الأحمد، يرى أن تطبيق هذه المحاكم ممكن في حال تلقت “الإدارة الذاتية” دعمًا من قبل التحالف الدولي الذي يضم أكثر من 70 دولة حول العالم.

وأشار إلى أن الحديث عن إمكانية تطبيق هذه المحاكمات يجب أن يسبقه سؤال هل هذه المحاكمات حقيقية فعلًا، إذ لا نتكلم هنا عن “محاكمات شكلية” كتلك التي تحدث بمختلف مناطق السيطرة في سوريا، إنما نتحدث عن “محاكمة عادلة”.

سجن في الحسكة حيث يحتجز آلاف الرجال المتهمين بالانتماء والقتال مع تنظيم “الدولة الإسلامية”- 2019 (نيويورك تايمز)

مواقف دولية

يقبع آلاف الأسرى من مقاتلي التنظيم “الدولة” في سجون “قسد” منذ أن سيطرت على مساحات من شرق الفرات، حيث كان التنظيم ينتشر قبل عام 2017.

وخصصت “الإدارة الذاتية” منذ ذلك الحين مخيمات لعوائل الأسرى أصحاب الجنسيات المختلفة، وسجونًا لعناصر التنظيم السابقين.

ومع تكرار الحديث عن ملف سجناء التنظيم في سوريا، لم يتشكّل لدى الدول التي ينحدر منها بعض هؤلاء المقاتلين أي دافع لإعادة مواطنيها من سوريا، ومحاكمتهم على أراضيها، أو بموجب قوانينها المحلية، باستثناء حالات إجراء خجولة نفذتها بعض الدول خلال السنوات الماضية.

 

لأوروبا محاذيرها

مع مرور سنوات على الحديث عن هذا الملف، تستمر معظم الدول الأوروبية برفض استعادة رعاياها من سوريا، بينما احتفظت دول أخرى بمبادرات فردية بين الحين والآخر لاستعادة بعض الأفراد من سوريا.

تتصدّر فرنسا قائمة الدول الأوروبية الأكثر تصديرًا للمقاتلين الأجانب، بحسب “المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب“، إذ انضم أغلبهم إلى تنظيم “الدولة”، ويقدّر عددهم بـ1200 شخص، معظمهم قاتلوا في سوريا.

واتخذت الحكومة الفرنسية كثيرًا من الإجراءات والتدابير “لأجل عودتهم”، لكن المخاوف الأمنية دفعت السلطات الفرنسية إلى الإصرار على رفض النظر في “إعادة جماعية للإرهابيين الفرنسيين وعائلاتهم المحتجزين في سوريا”.

أما بريطانيا فعاد إليها نحو 400 من أصل حوالي 900 “جهادي” يحملون جنسيتها.

وترى لندن في نهاية المطاف، أن المقاتلين الأجانب في تنظيم “الدولة الإسلامية” يجب أن يخضعوا للمحاكمة في المكان الذي ارتكبوا فيه جريمتهم، بحسب تقرير أعدته وكالة “فرانس 24” الفرنسية.

القانوني محمد العبد الله يرى أن المحاذير الأمنية دافع كبير بالنسبة لأوروبا لعدم استرداد مقاتليها في سوريا، إذ جاء رفض الولايات المتحدة استرجاع رعاياها من سوريا تشجيعًا للدول الأوروبية على القيام بالمثل.

وأضاف أن هناك دولًا جرّدت بعض رعاياها الموجودين في سوريا من جنسياتهم، لكن بمرحلة ما اضطرت إلى استرداد آخرين نتيجة الضغط داخليًا من قبل القضاء الوطني، كهولندا مثلًا التي صدر فيها حكم ضد الحكومة الهولندية قضى بوجوب استرداد الأطفال والسيدات من المواطنين الهولنديين العالقين بسوريا وتم تنفيذ ذلك.

العبد الله قال أيضًا إن التقاعس والتردد باسترداد المقاتلين الذكور بشكل رئيس، يأتي بسبب عدم وجود أي أحكام إعدام ضمن الاتحاد الأوروبي الذي لا يملك رغبة في إعدامهم أساسًا.

وبالنظر إلى الإطار القانوني لمحاكمة هؤلاء الأفراد، فإن إخلاء سبيلهم بعد أن يقضوا فترة حكمهم، يشكّل هاجسًا لأوروبا، ويطرح سؤالًا: هل سيعودون للتجنيد والقتال بمكان آخر كأفغانستان أو سوريا أو غيرهما.

الدكتور في القانون الدولي وسام الدين العكلة، قال لعنب بلدي، إن هناك عدة أسباب تفسر عدم مطالبة الدول الأوروبية برعاياها المحتجزين في سوريا، بعضها يتضمن الصعوبات القانونية والسياسية المرتبطة بإعادة المواطنين الضالعين في أعمال “إرهابية”، والقلق بشأن التهديد الأمني.

وأضاف أن عدم وجود توافق دولي على معالجة هذه القضية يلعب دورًا بالموقف الغائب لهذه الدول، وقد يضيف عدم توفر الأدلة أو المعلومات المؤكدة حول انتماء هؤلاء الأفراد للتنظيم سببًا لعدم رغبة دولهم بمحاكمتهم، لما يحمل الأمر من صعوبة إثبات كون هذا الفرد انضم لتنظيم “إرهابي” أو شارك بـ”جرائم حرب”.

ويرى العكلة أنه في حال استعادة المقاتلين، لا توجد جريمة لمحاكمتهم من أجلها، إذ لا يوجد دليل يدينهم في دولهم سوى ذهابهم إلى “منطقة نزاع”، وبالتالي سيقرر القضاء الإفراج عنهم، وهو ما قد تعتبره هذه الدول مصدر تهديد لأمنها.

أمريكا.. موقف غير واضح

في إجابة عن أسئلة وجهتها عنب بلدي لوزارة الخارجية الأمريكية، قالت متحدثة باسم الوزارة، إن الولايات المتحدة لا تزال تركّز على إعادة المقاتلين “الإرهابيين” الأجانب المحتجزين إلى دولهم أو بلدانهم الأصلية، لإعادة تأهيلهم ودمجهم ومحاكمتهم على جرائمهم، بحسب القضاء.

وأضافت أن العودة إلى الوطن تعتبر الحل الوحيد الطويل الأمد والدائم للتحديات الأمنية التي تفرضها مراكز الاحتجاز في شمال شرقي سوريا.

المتحدثة باسم الوزارة أكدت لعنب بلدي أن واشنطن تواصل تشجيع الدول على إعادة مقاتليها “الإرهابيين” المحتجزين في سوريا إلى أوطانهم.

وفضّلت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية عدم التعليق على المحاكمات التي أطلقتها “قسد” في المنطقة، متجاهلة الأسئلة المتعلقة بهذا الشأن.

من جانبها، أعادت الولايات المتحدة 39 مواطنًا على الأقل من سوريا والعراق، بينهم 15 بالغًا و24 طفلًا، منذ عام 2016.

ومن بين البالغين، اتُّهم 11 على الأقل بارتكاب جرائم، وقال مسؤولون أمريكيون لموقع “صوت أمريكا“، المموّل من قبل الحكومة الأمريكية، إن بعض البالغين لم يتم توجيه تهم إليهم، لأنهم كانوا قاصرين عندما جلبتهم عائلاتهم للانضمام إلى “الجماعة الإرهابية” في سوريا.

سجن في الحسكة حيث يحتجز آلاف الرجال المتهمين بالانتماء والقتال مع تنظيم “الدولة الإسلامية”- 2019 (نيويورك تايمز)

“إن الولايات المتحدة لا تزال تركّز على إعادة المقاتلين الإرهابيين الأجانب المحتجزين إلى دولهم أو بلدانهم الأصلية، لإعادة تأهيلهم ودمجهم ومحاكمتهم على جرائمهم، بحسب القضاء”.

الخارجية الأمريكية

سيناريوهات لمصير السجناء

وسط تعقيدات المشهد السوري على الصعيد السياسي والعسكري، وعدم وجود بوادر حل لإنهاء ملف المتهمين القابعين في سجون “قسد”، وتكرار مطالب “الإدارة الذاتية” بإعادة هؤلاء الأشخاص إلى بلدانهم، وعودة المخاوف من هروبهم في كل مرة تلوّح بها تركيا بعمل عسكري ضد “قسد”، يجري الحديث عن مصيرهم ومستقبلهم، وسط حالة التمنع تلك.

الباحث بالشأن السوري في مركز “Century International” آرون لوند، يرى أن هؤلاء السجناء إما ستتم إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، إذا لم يكونوا سوريين، وإما سيحاكَمون في مكان وجودهم الحالي.

وقال لوند لعنب بلدي، إنه يمكن للسلطات المحلية أن تفعل ذلك، أو قد يكون هناك نوع من المحاكمة الدولية، لكن يبدو أن الفكرة الأخيرة بعيدة المنال.

ويتوقع لوند في حال تُرك السجناء بالسجن دون أي حل لسنوات طويلة، أن يهرب بعضهم في النهاية أو يُطلَق سراحهم.

ويمكن أن تقع المنطقة التي تضم السجون تحت سيطرة بعض القوى الأخرى على الأرجح، إما النظام السوري وإما تركيا وإما مزيج من كليهما، وفق الباحث.

“إن الحكم الإقليمي الذاتي لـ(قسد) شمال شرقي سوريا هش ويعتمد على الحماية الأمريكية والروسية إلى حد ما، وإذا تم سحب هذه الحماية، فمن المرجح أن يتحرك النظام السوري، وقد تهاجم تركيا عبر الحدود أيضًا”.

آرون لوند – باحث بالشأن السوري في مركز “Century International”

هل تقبل الدول محاكمة مواطنيها؟

مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، قال، إنه لا يمكن نظريًا للدول عدم اتخاذ موقف من محاكمة مواطنيها على يد جهة لا تعتبر دولة، إذ يتطلب الأمر اتخاذ موقف من المحاكمات.

وفعليًا سبق أن اعترضت هذه الدول على محاكمات مواطنيها من أطراف حكومية، كالتي حدثت بإشراف الحكومة العراقية المركزية التي حكمت على بعض المقاتلين الأجانب من المقاتلين السابقين بالتنظيم، وأصدرت بحقهم أحكامًا بالإعدام.

وانتقدت الخارجية الفرنسية المحاكمات، حينها، معتبرة أنها كانت “موجزة وفورية وتفتقر لمعايير العدالة”، وحثت السلطات العراقية على عدم إعدام هؤلاء وإعادة النظر بالمحاكمات.

رد العراق كان “سيئًا جدًا” بالنسبة للفرنسيين حينها، بحسب العبد الله، إذ طالبهم باستعادة مواطنيهم الذين يرفضون محاكمتهم في العراق، وتطبيق الأحكام الفرنسية عليهم.

وأضاف العبد الله أن هذا المثال كان بين دولة أوروبية والحكومة العراقية، وما يحصل اليوم شمال شرقي سوريا، أن الجهة المسؤولة عن المحاكمات ليست حكومة معترفًا بها.

مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، يرى أن مشكلة الغرب مع محاكمة رعاياه من المنتسبين لتنظيم “الدولة” في العراق، هي أحكام الإعدام التي تصدر بحقهم هناك، وليست فكرة محاكمتهم.

“وفقًا للقانون الدولي، فإن الدول (ذات السيادة) المعترف بها فقط هي التي تتمتع بسلطة إنشاء المحاكم وإقامة العدل داخل أراضيها، وفي حالة محاكمة العناصر الأجانب المحتجزين لدى (قسد)، فإن الاختصاص القضائي ينعقد لمحاكم الدولة التي يحمل الشخص جنسيتها أو للمحاكم السورية باعتبارها الدولة التي وقع الجرم على أراضيها”.

وسام الدين العكلة – دكتور في القانون الدولي

المحاكم في حالات النزاع

الدكتور في القانون الدولي وسام الدين العكلة، أوضح لعنب بلدي أن إقامة محاكمات خلال النزاعات من قبل أي جهة سواء كانت “قسد” أو غيرها، يجب أن تتضمن مجموعة شروط، هي الحياد والاستقلالية، وأن يتم تشكيل المحكمة بشكل منتظم، بمعنى أن تتوفر فيها شروط موجودة ضمن الدولة، وأن تتشكل على طريقة محاكم القضاء السوري، خاصة في الحديث عن الحالة السورية التي تعتبر نزاعًا غير دولي، إنما نزاع داخل دولة واحدة.

ومن شروط هذه المحاكم وجود قضاة من خريجي كلية الحقوق، ولا يصح جلب شيوخ أو أشخاص ليسوا أصحاب جدارة واستحقاق، إذ يجب أن يكون القضاة قد خدموا سابقًا وطبقوا القانون الموجود قبل حالة النزاع، أي تطبيق القانون السوري الذي كان نافذًا، ويصح تطبيق قانون آخر، بشرط ألا يكون أشد على الأشخاص من النافذ سابقًا.

ولفت العكلة إلى ضرورة أن تطبّق هذه المحاكم الضمانات القانونية، من حق الطعن بالقرارات وحق الدفاع، وحق الشخص بتوكيل محامٍ، وحق الاطلاع على الأدلة، وحق سماع الشهود.

مقالات متعلقة