أول لقاء لـ”الرباعية” بعد الانتخابات التركية.. أنقرة تشترط والنظام يصر على الانسحاب
عنب بلدي – حسام المحمود
انعقد، في 20 و21 من حزيران الماضي، الاجتماع الدولي بصيغة “أستانة” بشأن سوريا، في عاصمة كازاخستان، بالتزامن مع لقاء “الرباعية” حول سوريا، الذي جرى بشكل متزامن في المكان ذاته، على مستوى نواب وزراء الخارجية لكل من تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري.
ورغم الأهمية التي توليها الأطراف الأربعة لمسار التقارب التركي مع النظام، استطاع اجتماع “أستانة” سحب الأضواء من لقاء “الرباعية”، الذي لم يحقق أي اختراقات على مستوى التصريحات التي أنتجها، فما صدر عن النظام السوري على لسان نائب وزير الخارجية، أيمن سوسان، صبّ في سياق التصريحات التي يقدمها النظام على لسان مختلف مسؤوليه منذ بداية المسار.
وكان سوسان قال إن أي نتائج فعلية لمسار “أستانة” يجب أن تستند إلى السحب الفوري للقوات التركية من الأراضي السورية، معتبرًا هذه المطالبات “ثوابت وطنية”.
وأوضح أن التصريحات التركية المستمرة التي تؤكد بموجبها أنقرة التزامها بسيادة سوريا ووحدة أراضيها، تتنافى مع استمرار “احتلالها” للأراضي السورية، وتخالف القانون الدولي وأبسط مقومات العلاقات بين الدول، وفق تعبيره.
هذه التصريحات تبعها في نهاية المسار حديث عن اتفاق حول مواصلة اللقاءات على مستوى نواب وزراء الخارجية، مع إمكانية عقد لقاء على المستوى الوزاري إن دعت الحاجة، لكن دون صدور أي تصريحات توحي بتقارب ملموس في وجهات النظر بين طرفين يقفان على طرفي خصومة سياسية مستمرة منذ عام 2011، حين اختار النظام قمع الاحتجاجات المطالبة بتغيير سياسي، وفضّلت أنقرة الوقوف إلى جانب المعارضة، وفتحت الأبواب لاستقبال أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري على أراضيها.
في 26 من حزيران الماضي، نشرت صحيفة “يني شفق” التركية المقربة من الحكومة، ما قالت إنه أربعة شروط تركية لتطبيع العلاقات مع دمشق، تتجلى بالتوصل إلى تعديل دستوري، وانتخابات نزيهة في سوريا، وعودة مشرّفة وآمنة للاجئين السوريين، والتعاون في مسألة “مكافحة الإرهاب”، وتحديدًا فيما يتعلق بحزب “العمال الكردستاني” (ترى أنقرة أن “قوات سوريا الديمقراطية”، شمال شرقي سوريا، تشكّل امتداده في سوريا).
وبحسب الصحيفة، فإن الجانب السوري أبدى عدم ارتياح النظام لـ”وحدات حماية الشعب” (الكردية)، بسبب ما اعتبرها “سرقة النفط والحبوب”.
كما لفتت “يني شفق” إلى أن إنشاء مركز تنسيق عسكري رباعي مطروح على جدول الأعمال حتى تعود سوريا إلى طبيعتها بأسرع وقت ممكن، وتتلخص الفكرة بتعيين ممثل عن كل دولة لإدارة الآلية المزمع إنشاؤها، ومن المقرر أن تتضح هذه الآلية أكثر خلال الاجتماعات المقبلة.
في السياق نفسه، جرت الإشارة إلى أن تركيا تريد تقدمًا في العملية السياسية في سوريا بطريقة صحيحة، عبر صياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات عامة، بمشاركة جميع السوريين في العالم، وإقامة حكومة شرعية وفق هذه الانتخابات، بالإضافة إلى طمأنة العائدين إلى بلادهم.
ومن الصيغ المطروحة لعودة اللاجئين، الاحتفاظ بهم أولًا في مناطق “آمنة”، ثم يمكن العودة إلى المدن التي اعتادوا العيش فيها، وهي مسألة تتطلب وفق وجهة نظر أنقرة التزامًا مكتوبًا من قبل النظام، يتضمن هذه الصيغة لعودة اللاجئين.
طرح غير مفاجئ
تتقاطع المطالب أو الشروط التركية لتنشيط عملية التقارب التي تراوح في إطار اللقاءات وتأجيلها منذ كانون الأول 2022، مع تصريحات تركية سابقة، منها ما جاء على لسان وزير الخارجية التركي السابق، مولود جاويش أوغلو، في 3 من أيار الماضي، إذ ربط خلالها الانسحاب التركي من سوريا (أبرز مطالب النظام السوري) باستقرار مناطق وجود القوات التركية حاليًا، حتى لا تكون ممرًا للإرهاب، على اعتبار أن “التنظيمات الإرهابية” هي التي ستملأ الفجوة، وفق تصريحات أدلى بها خلال مقابلة مع قناة “NTV
” التركية.
وفي 28 من نيسان الماضي، قال جاويش أوغلو، إن بلاده لن تنسحب عسكريًا من سوريا حتى تحقيق الحل السياسي الذي طالبت به الأمم المتحدة سابقًا، في إشارة إلى القرار “2254”.
واعتبر خلال حديث لصحيفة “حرييت” التركية حينها، أن انسحاب القوات التركية من سوريا لن يكون ذا جدوى، خصوصًا مع الانتشار الكبير لـ”الإرهابيين” في الجغرافيا السورية.
ويأتي الحديث عن شروط تركية في لقاء هو الأول لـ”الرباعية” بعد الانتخابات التركية، في 28 من أيار الماضي، التي أعيد بموجبها انتخاب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رئيسًا لخمس سنوات مقبلة، وخروج مسألة التقارب من خانة الرهانات والتجاذبات السياسية، بما بخالف تطلعات رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي اعتبر، في آذار الماضي، أن “الزلزال الوحيد الذي يغير من السياسات التركية ويدفع باتجاه التقارب حاليًا، هو الانتخابات الرئاسية في تركيا”.
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن هذه المطالب التركية من النظام السوري لا تشكّل شروطًا بمقدار ما هي استراتيجية وضعتها تركيا بعد الانعطافة في العلاقة مع النظام السوري، وتتركز على ثلاثة أهداف أو مبادئ أساسية، هي التعاون في ملف مكافحة الإرهاب، وإعادة اللاجئين السوريين، ودفع العملية السياسية، وقد تكون المحدد الرئيس للسياسة التركية في سوريا للفترة المقبلة.
ويرى علوش أن هناك قناعة متزايدة في دمشق وموسكو وطهران أيضًا، بأن مسألة الانسحاب التركي لا يمكن أن تتحقق ما لم تكن هناك تسوية شاملة للعلاقات التركية مع النظام السوري، استنادًا إلى مسارات، منها ما يرتبط بالجانب الأمني والعسكري، ومنها ما يرتبط بالجانب السياسي.
وحديث النظام السوري عن الانسحاب التركي من سوريا ووضع جدول زمني لهذا الغرض، لا يتعدى محاولة تقوية موقفه على طاولة المفاوضات، ما يجعل الاستراتيجية أو المطالب التركية الحالية بوابة تمهيد للانسحاب التركي من سوريا، وفق علوش.
“يبدو أن هناك إقرارًا متزايدًا داخل اللجنة الرباعية بأن معالجة مسألة الوجود العسكري التركي في سوريا قد تكون كنتيجة للمفاوضات، لا كشرط مسبق لها”.
محمود علوش – باحث في العلاقات الدولية |
وحول “خارطة الطريق” التي جرى الاتفاق على وضعها باقتراح روسي، في 10 من أيار الماضي، خلال اللقاء الوزاري الرباعي، وطُرحت للمناقشة في لقاء نواب وزراء الخارجية، يرى علوش أن المسار معقّد بحكم الملفات المعقّدة التي تحكم هذا المسار، لكن هناك رغبة روسية بدفع هذا المسار، يرافقها استعداد تركي للمضي قدمًا فيه، مع استعداد النظام لمواصلة المفاوضات.
ورغم وجود عراقيل يمكن أن تواجه هذه المفاوضات، وهو ما يفسر من خلال التصعيد على الأرض، سواء من قبل النظام وروسيا ضد منطقة “خفض التصعيد الرابعة” (إدلب)، أو التصعيد التركي ضد مناطق “وحدات حماية الشعب” شمال شرقي سوريا، فإن المرحلة المقبلة ستكون لبناء تفاهمات ذات أبعاد متعددة بين أنقرة ودمشق، تمهد لمرحلة جديدة من العلاقات، بحسب علوش.
عمل شاق
في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” الروسية، قال كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، إن وفود تركيا وروسيا وإيران وسوريا، وافقت على مواصلة العمل على خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
وأضاف، “لم نكن نتوقع أن نتمكن من تحقيق تقدم كامل في اجتماع واحد فقط، ولكن من المهم أن يبدأ العمل، اتفقنا على مواصلة المفاوضات”.
وذكر المسؤول الإيراني أن الأطراف الأربعة تريد عقد لقاء آخر على مستوى نواب وزراء الخارجية، ولقاء وزاري “إذا تطلّب الأمر”.
واعتبر أن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق يعني ضمنًا مناقشة قضية اللاجئين وأمن الحدود، ووجود تركيا في سوريا.
وبحسب أصغر خاجي، فإن تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام ليس عملية بسيطة، ولها أبعاد متعددة في آن واحد.
تنسجم هذه التصريحات مع ما ذكره السفير الروسي في دمشق، ألكسندر يفيموف، في 12 من حزيران الماضي، حين أشار إلى صعوبة استعادة ما جرى تدميرة لمدة 12 عامًا، في أسابيع أو أشهر قليلة.
وقال في مقابلة مع صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، “ينتظرنا كثير من العمل الشاق في هذا الاتجاه، ويجب الاعتراف صراحة أن مواقف الطرفين لا تزال بعيدة عن بعضها”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :