الروابط بين النزعة العسكرية والذكورة السامة والعنف الجنسي

tag icon ع ع ع

لمى قنوت

ترتطم آذاننا يوميًا بتصريحات صناع قرار يُلمحون فيها أو يهددون باستخدام السلاح النووي، أو يؤيدون استخدامه، مستخدمين خلالها لغة صارمة، صلبة، “عقلانية”، خالية من المشاعر، غير مبالية بالنهج التدميري الذي يحدثه السلاح النووي على البشر والبيئة.

يدعو التحليل النسوي المتتبع للعسكرة وخطاباتها إلى التمعن في اللغة التي يستخدمها القادة وخبراء الدفاع، مثل: “القنابل النظيفة”، “الهدف النظيف”، “الأضرار الجانبية”، “الردع”، “سباق التسلح”، “حرب نووية محدودة”… وهي مفاهيم يصب تحليلها الجندري في فهم النزعة العسكرية وروابطها بالذكورة السامة، خلال الحرب والسلم، فمثلًا، شهدت أزمة الصواريخ الكوبية تحليلًا جندريًا، حين وصف المستشار الرئاسي الأمريكي السابق، ويليام بوندي، جهود الرئيس، جون ف. كينيدي، للإطاحة بالزعيم الكوبي، فيدل كاسترو، بأنها “منافسة في الرجولة”.

حللت كارول كوهن، وهي محاضرة في جامعة “ماساتشوستس”، كيف تُستخدم أيديولوجيا الجندر في خدمة العسكرة، وطبيعة التفكير النووي الصارم، ولغته التخصصية، التي أسمتها لغة “تكنو استراتيجية”، من أجل فهم الإطار النظري للاستراتيجية النووية الأمريكية، وكيف يتم تشريعها، وشرحها للمهتمين والمهتمات من قبل مدرسين، وصفتهم بـ”مثقفين دفاعيين متميزين”، أغلبيتهم رجال.

في دوائر أولئك “المثقفين” وأحيانًا في بعض الجامعات ومراكز الدراسات، يشرحون أسباب عدم الأمان في العيش دون السلاح النووي، ويصوغون ما يسمونه أنظمة “عقلانية” للتعامل مع المشكلات التي تسببها الأسلحة النووية، وكيف يمكن خوض حرب نووية في حالة فشل الردع. تدور تلك النقاشات والتحليلات دون أي شعور بالذنب والرعب والرادع الأخلاقي، ودون أن تتداعى إلى أذهانهم صور تبخر البشر بعد إلقاء قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناغازاكي عام 1945، وأمراض السرطانات التي أصيب بها الناجون من الأخطار والإشعاع المباشر، وفناء الأرواح مع مرور الوقت، ناهيك بالخسائر الطويلة الأجل والأثر البيئي الخطير.

تطلعنا كوهن على نموذج من الاستعارات والمصطلحات الملطفة والمجردة التي يطلقها المحللون العسكريون، فمثلًا، عندما يُجرد مصطلح “القنابل النظيفة”، وهي سلاح نووي يعتمد على الاندماج النووي بدل الانشطار، من التداعيات العاطفية، يكون خطابًا عن خطط قتل جماعي وأجساد مشوهة ومعاناة إنسانية. وفي اللغة النووية، يستخدم أولئك المحللون عبارة “هجمات معاكسة” بدلًا عن حرق المدن، ويشيرون إلى موت البشر، على أنه “ضرر جانبي”. أما عن رمزية الصور الإيحائية الجنسية، فقد استخدم الفرنسيون جزيرة موروروا في المحيط الهادئ لإجراء تجاربهم النووية، بحيث يخترق الرأس الحربي فوهات أرضية، وأطلقوا على كل فوهة في الأرض اسم امرأة. وعبر بروفيسور عن تفجير الهند للقنبلة النووية على أنها، أي الهند، “فقدت عذريتها”، أما عن رمزية إعطاء أسماء ذكور لقنابل ذرية، باعتبار أن نسل علماء الذرة يجب أن يكون صبيًا لا بنتًا، فقد أعطيت القنابل التي حولت هيروشيما وناغازاكي إلى رماد أسماء مثل “الصبي الصغير” و “الرجل السمين”.

تنعكس الروابط بين تنامي النزعة العسكرية والعنف الجنسي في الخطاب العام، فمثلًا، في شباط 2022، وخلال مؤتمر صحفي عقده الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اقتبس بوتين في معرض كلامه مقطعًا من أغنية “الجميلة نائمة في كفن” حين قال: “أعجبكِ أم لم يعجبكِ، يبقى ذلك واجبك، يا حلوتي” في إشارة إلى ضرورة التزام أوكرانيا في اتفاقية “مينسك” الموقعة عام 2015. أشار الفيلسوف سلافوي جيجك إلى المضمون الجنسي المعروف لتلك الأغنية، حين اعتبر بوتين أوكرانيا موضوعًا جنسيًا مرتبطًا بالاغتصاب ووطء الجثث، واسترجع جيجك كلام الأغنية: “الجميلة نائمة في كفن، حبوت وجامعتها. أعجبكِ أم لم يعجبكِ، نامي يا حلوتي”. التهديد بإخصاء الخصوم كان جزءًا من خطاب لبوتين، حين رد على أحد الصحفيين الغربيين بالقول: “إذا أردت أن تصبح متطرفًا إسلاميًا حقًا ومستعدًا للختان، فأنا أدعوك إلى موسكو. نحن دولة متعددة المذاهب. ولدينا متخصصون في هذا الأمر (الختان). سأوصيهم بأن يجروا لك العملية بحيث لا ينمو لك أي شيء بعدها”.

لا تقتصر النزعة العسكرية على السياسيين والعسكريين والمحللين فحسب، بل وافقت سياسيات مثل رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، تيريزا ماي، على سؤال افتراضي وجهه لها النائب جورج كيريفان، حول استعدادها شخصيًا للسماح بضربة نووية يمكن أن تقتل مئة ألف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء.

الجيش بوصفه مؤسسة مجندرة وذكورية صرفة، يُؤطَر فيه عمل المُجندات بحدود الأعمال الإدارية والرعائية، بحيث لا تُقلق قواعد الذكورة المهيمنة، لكن بعضهن ينخرطن بأعمال عنف وانتهاكات ممنهجة لينلن “استحقاق المكان والمكانة”، مثلما فعلت الجندية الأمريكية ليندي إنغلاند في سجن “أبو غريب” بالعراق، حيث شاركت، مع آخرين، في “انتهاكات إجرامية سادية وفضائحية ووحشية” ضد المحتجزين العراقيين.

تعمل التحيزات الجندرية على رفض حل النزاعات عبر الحوار والتفاوض، لأنها تمثل اللين والدبلوماسية، وهي افتراضات مجندرة جوهرية، بينما الحرب والعنف والعسكرة والخدمة العسكرية تمثل الصلابة والقوة والشجاعة والرجولة و”المواطنة”. يعمل تحليل البعد الجندري للنزاعات على تفكيك أوهام السعي وراء الذكورة ومن ضمنها السامة، التي تؤدي إلى رفض أساليب توسم ثقافيًا على أنها أنثوية، فتستمر النزاعات.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة