بيع النحاسيات وصيانتها.. موروث وباب رزق ينشط في إدلب

أواني نحاسية معروضة في محل تجاري بمدينة الدانا شمالي إدلب- تموز 2023 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

camera iconأواني نحاسية معروضة في محل تجاري بمدينة الدانا شمالي إدلب- تموز 2023 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

tag icon ع ع ع

تنشط في محافظة إدلب محال بيع وصيانة الأواني النحاسية، كمهنة متوارثة، حافظ عليها بعض العاملين وسط ظروف الحرب والنزوح، بينما عزف عنها آخرون للبحث عن مصدر آخر للرزق بسبب تراجع الاهتمام بها.

ورغم غلاء ثمنها لاقت رواجًا لدى سكان المنطقة، وزاد نشاطها، بعد موجات التهجير إلى مناطق شمال غربي سوريا، خصوصًا في المجتمعات العشائرية، التي تهتم بتجهيز المضافات التي تتوسطها المناقل والدلال والأدوات النحاسية.

وللمنتجات النحاسية السورية مكانة مرموقة في الحرف اليدوية التراثية، حيث برع بها الحرفيون منذ مئات السنين، والتي تقوم على تصنيع العديد من المنتجات، وهي مهنة تتوارثها الأجيال.

عبدو نجيب، من مدينة أرمناز غربي إدلب، قال إن هذه المهنة لا يعمل بها إلا من يحبها، فالأواني المصنوعة من النحاس تراث تُزين المكان الذي توجد فيه، وتختلف عن الأواني المصنوعة من الألمنيوم، فهو عمل يدوي يحتاج لحرفة وفن.

ويعمل عبدو بجميع أنواع الشرقيات المصنوعة من النحاس، من مناقل ودلال للقهوة العربية، والصواني والقدور والمزهريات، كما يعيد صيانة بعض الأواني من ترميم وتعديل كونها قديمة، لتكون جاهزة للاستخدام.

شبَه نجيب الأواني النحاسية بـ”الذهب” فهي مقاومة أكثر من غيرها وتبقى مدة طويلة دون تلف، ويمكن إعادة صيانتها وتلميعها لتعود كما لو أنها جديدة، كما أنها صحية أكثر من غيرها، للقهوة العربية وللطبخ في القدور وتقديمها في المناسف.

وأضاف أن أسعاره أرخص من السابق، إلا أن الإقبال على الشراء تراجع بسبب انخفاض قيمة العملة التركية مقابل الدولار، وأن الناس تفضل شراء الأواني الأرخص ثمنًا، بسبب تردي الوضع الاقتصادي في المنطقة.

“بيت جدي” التراثي

في وسط مدينة إدلب بالقرب من ساحة مركز “سيريتل”، يتنقل أحمد الراشد وهو مهجر من ريف دمشق إلى مدينة إدلب، بين دلال القهوة العربية والتحف المصنوعة من النحاس بمختلف أشكالها وألوانها، فقد جلب مقتنياته التراثية المصنوعة من النحاس إلى مدينة إدلب، ليستمر بمهنته التي ورثها من أبيه.

قال أحمد إنه لا يستطيع الاستغناء عن هذه المهنة، التي ورثها عن أجداده، فجميع المقتنيات الموجودة في محل “بيت جدي” هي تراثية وقيمة، وأغلبها مصنوع من النحاس، سواء الأصفر أو الأحمر أو الأبيض، من دلال وقدور وخناجر وسيوف ومصبات وأباريق وتحف ورسومات فنية قديمة.

وتتميز المدن السورية بوجود أسواق للنحاسين، كحال مدينة حماة، ففيها سوق عريق للنحاسيات ما زال قائمًا، ويقصدها السوريون من مختلف المحافظات لاقتناء أدوات نحاسية مصنوعة بحرفية ذات نقوش تراثية.

أواني نحاسية معروضة في محل تجاري بمدينة الدانا شمالي إدلب- تموز 2023 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

أواني نحاسية معروضة في محل تجاري بمدينة الدانا شمالي إدلب- تموز 2023 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

مهنة متوارثة

تنتشر مهنة تجارة النحاسيات في إدلب وغالبية مناطق شمال غربي سوريا، لكنها زادت ونشطت بسبب قدوم عدد من الحرفيين المهجرين إلى الشمال السوري، الذين يمتهنون تجارة الأواني النحاسية وصيانتها، ليعاودوا نشاطهم من جديد، ما أكسب الأسواق طابعًا مميزًا برفدها بهذه الأواني والتحف التراثية.

محمد الكردي، مهجر من حلب إلى إدلب، تنقَل بين دمشق وحلب وإدلب منذ الصغر، مرافقًا والده في تجارة الأواني النحاسية، ليحط الرحال بإدلب جالبًا معه أدوات صنع وتصليح الأواني النحاسية بمختلف أشكالها، فيصف مهنته بأنها “أبًا عن جد”، فهو ورثها عن والده وجده.

وقال محمد الكردي، الذي يملك أكثر من صالة عرض مقتنيات نحاسية في محافظة إدلب لعنب بلدي، “نحاول الحفاظ على هذه المهنة التي هجرها الكثيرون، لقلة الطلب عليها، وتتنوع أعمالنا في الأواني النحاسية فنحن نصنع ونصلح ونلمّع الأواني المستعملة، وليدنا معارض لبيع المنتجات المختلفة في أرمناز ومدينة إدلب والدانا”.

وأضاف الكردي أن أكثر المبيعات رواجًا في الوقت الحالي هي دلال القهوة العربية والأدوات المرتبطة بها، خصوصًا لدى المجتمعات العشائرية التي تهتم بتفاصيل المضافات، إضافة إلى الصواني النحاسية التي تقدم فيها المناسف العربية، فهناك مناسف نحاسية ينقش عليها اسم صاحبها.

يعشق محمد مهنته، التي ارتبط بها منذ صغره على حد وصفه، مشيرًا إلى أنها مرتبطة بالحياة الريفية البسيطة، التي تحمل قيم العزة والنخوة والكرم، فالجلوس في المجالس العربية وتقديم القهوة بالدلال له معنى خاص، يعيد الشخص لتاريخ الأجداد المرتبط بـ”الكرم وحسن الضيافة”.

أواني نحاسية معروضة في محل تجاري بمدينة الدانا شمالي إدلب- تموز 2023 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

أواني نحاسية معروضة في محل تجاري بمدينة الدانا شمالي إدلب- تموز 2023 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

إقبال ضعيف على الشراء

ألقى تردي الأوضاع الاقتصادية بكاهله على أغلب المجالات في الشمال السوري، وضعفت القوى الشرائية للمواطن، وبات يبحث عن تأمين متطلبات المعيشة بأقل التكاليف، رغم تدني جودتها.

قال محمد الكردي إن اقبال الناس ضعيف على شراء الأواني النحاسية، فهي من المكملات بالنسبة للناس، الذين يبحثون عن ضروريات المعيشة، من مأكل وملبس ومسكن.

وأضاف أن الناس توجهوا نحو شراء الأواني البلاستيكية أو المصنوعة من الألمنيوم و”الستالس”، فشراء الأواني النحاسية بات يعتمد على ميسوري الحال، لتزيين مكاتبهم ومضافاتهم، وإضفاء نوع من الجمالية لها.

أواني نحاسية معروضة في محل تجاري بمدينة الدانا شمالي إدلب- تموز 2023 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

أواني نحاسية معروضة في محل تجاري بمدينة الدانا شمالي إدلب- تموز 2023 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

صيانة وتبييض النحاسيات

ترافق مهنة بيع النحاسيات في المحال والمعارض التجارية، مهنة صيانتها، التي لا تقل أهمية عن بيعها، فالأواني النحاسية لا تتلف بسهولة ويمكن إعادة تجديدها عبر أدوات وعلى مراحل.

وعن مراحل وأدوات صيانة الأواني النحاسية قال الكردي، إن صيانتها تتم من تعديل ولحام وتلميع وتبييض ولها عدة طرق، وتستخدم فيها أداوت مثل “ملح الليمون وروح الملح وصابونة تنكيل” وغيرها، ما يعيد للمنتج بريقه ويظهر كأنه مصنوع من جديد.

ولفت الكردي إلى أن حرفة تبييض الأواني النحاسية، هي إحدى الحرف التقليدية التي حافظت على شكلها وأدواتها، على الرغم من التطور البسيط الذي طرأ عليها كدخول النار والمواد المنظفة كالأسيد وغيره.

وذكر أن مادة النحاس تتأكسد لكثرة الاستخدام فيقوم المبيّض بفركها وتلميعها وطلائها لتصبح جاهزة للاستخدام من جديد، فمراحل التبييض تتضمن جلي الأواني بمادة الأسيد ويرش عليها روح الملح ومادة الرمل ويتم فركها بالقطن، مع تعريضها للحرارة العالية مباشرة حتى تزول عنها جميع الأوساخ، لتصبح جاهزة للاستخدام من جديد.

ويعد النحاس من المعادن التي تنقل الحرارة، لذا لم يستغن عنه أصحاب المصالح كالحلويات والأجبان والمطاعم، وما زالوا يستعملون الأواني النحاسية، أما في البيوت والمضافات فلم تعد تُعرض إلا للزينة.

اقرأ أيضًا: القهوة العربية.. موروث لا يفارق السوريين حتى في خيام النزوح

أواني نحاسية معروضة في محل تجاري بمدينة الدانا شمالي إدلب- تموز 2023 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)

أواني نحاسية معروضة في محل تجاري بمدينة الدانا شمالي إدلب- تموز 2023 (عنب بلدي/ عبد الكريم الثلجي)




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة