غير مكتملة تقنيًا.. تعاملات بنكية إجبارية في الجامعات السورية

camera iconالبنك العقاري في مدينة درعا- 1 من نيسان 2023( عنب بلدي/سارة الأحمد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – براءة خطاب

في 9 من تموز الماضي، أصدرت حكومة النظام السوري قرارًا يقضي باستيفاء الرسوم الدراسية لطلاب التعليم العالي للجامعات العامة والخاصة، وأقساط تسجيل الطلاب لدى المؤسسات التربوية الخاصة، من خلال الحسابات المصرفية حصرًا، اعتبارًا من العام الدراسي المقبل.

وألزم القرار استيفاء جميع الرسوم الدراسية لطلاب التعليم العالي للجامعات العامة والخاصة من خلال الحساب المصرفي الخاص بالطالب، وفرض على جميع المؤسسات التربوية الخاصة (مدارس، معاهد، مخابر، وغيرها) فتح حساب مصرفي عائد للمؤسسة لدى أحد المصارف العاملة.

ويثير القرار التساؤلات حول سبب إلزام هذه المؤسسات باستخدام الدفع الإلكتروني في ظل بيئة مصرفية متهالكة، وانتقادات متكررة تواجهها لناحية عدم وجود الكهرباء والإنترنت بصورة قادرة على تغطية الخدمات بأفضل جودة.

خدمة غير مكتملة تقنيًا

تستمر الحكومة بالترويج لخطة “التحول الرقمي” التي تتحدث عنها بين الحين والآخر، مع عدم وجود أي تغيير فعلي على أرض الواقع، وسط تزاحم الأزمات المعيشية التي يعانيها المقيمون في مناطق سيطرتها.

وتبرر توجهها لفرض التعاملات المالية الإلكترونية بـ”تسهيل معاملات المواطنين”. بالمقابل يعترض المواطنون ضمن مناطق سيطرتها على هذا النوع من القرارات باعتبارها تعرقل معاملاتهم، نتيجة عدم توفر البنى التحتية اللازمة لتطبيق القرارات.

ولا يستفيد المواطنون السوريون من الخدمات الحكومية الإلكترونية، وما زالوا يعتمدون على الطوابير كوسيلة تلقائية لتنظيم حصولهم على الخدمات، ومنها سحب الأموال من الصرافات الآلية، أو الدفع عبر حساباتهم في مؤسسات حكومية.

أحمد المصري، مهندس مدني، يملك حسابًا بنكيًا حصل عليه بعد عديد من المعاملات “المعقدة”، قال لعنب بلدي، إن من الصعب تطبيق هذا القرار مع غياب البنية التحتية والبرمجية في سوريا، معتبرًا أن مثل هذا القرار يحتاج إلى الكهرباء والإنترنت وتنظيم عالي المستوى على مختلف الأصعدة، الأمور التي لا تتوفر في سوريا، وفق تعبيره.

الطالب جورج بشارة اشتكى لعنب بلدي من عمليات الدفع الإلكتروني عمومًا، وهو طالب في التعليم الموازي بجامعة “دمشق”، موضحًا أنه يدفع كل عام في البنك العقاري، وفي آخر مرة انتظر ثلاث ساعات أمام البنك ليخبروه لاحقًا مع عشرات الطلاب المنتظرين أن الشبكة غير متوفرة، وعليهم القدوم في اليوم التالي لتسديد الدفع.

بيئة متهالكة

تعد ثقافة التعاملات البنكية في سوريا “شبه غائبة”، بسبب القوانين التي تفرضها حكومة النظام، كسقف سحب يومي محدد من جهة، وتدهور قيمة الليرة من جهة أخرى، ما يعني خسارة قيمة المال في حال الاحتفاظ به في البنوك مع استمرار انخفاض قيمة الليرة.

كما تعتبر بعض التعاملات الإلكترونية في هذا السياق غير متاحة، نتيجة لغياب البنية التحتية والبرمجية، وسط مشكلات شبه يومية يعانيها المقيمون في سوريا تتعلق بضعف وصول الكهرباء والإنترنت.

وباعتراف حكومي، تحدث مدير بالقطاع المصرفي لصحيفة “الوطن” المحلية (لم تسمِّه)، في نيسان 2022، عن تراجع خدمة الصرافات في مناطق حكومة النظام، ملخصًا أسباب ذلك بعدة مشكلات، لم تفلح الحكومة بإيجاد حلول جذرية لها حتى الآن.

ومن بين المشكلات كان التقنين الكهربائي، الذي تسبب في خروج كثير من الصرافات عن العمل، ما دفع بعض المصارف لإعادة توزيع صرافاتها وتجميعها في مناطق محددة، فعلى سبيل المثال، وضع “المصرف العقاري” 33 صرافًا في صالة المصرف بمقر الإدارة في ساحة المحافظة بدمشق.

كما تحدث المدير بالقطاع المصرفي عن انخفاض عدد الصرافات مقارنة بالخدمة المطلوبة، إذ لا يتجاوز عدد ما يعمل منها في كل من “التجاري السوري” و”العقاري” 500 صراف بشكل فعلي، في حين تبلغ الحاجة نحو خمسة آلاف صراف.

واقترح المدير أن يكون الحل بربط كل الصرافات المتاحة لدى المصارف (العامة والخاصة) مع بعضها، عبر “محولة وطنية للربط”، بما يسمح لحامل البطاقة باستخدام أي صراف آلي قريب منه أو متاح له استخدامه، وأن يتم تأمين عدد كافٍ من الصرافات الآلية الجديدة، وضمان تغذيتها بالتيار الكهربائي، وخاصة في المناطق الحيوية والمكتظة، بالإضافة إلى تدريب مزيد من العاملين في القطاع المصرفي على التعامل مع الصرافات وكيفية تشغيلها وتغذيتها.

ونقلت الصحيفة عن “متابعين للعمل المصرفي” قولهم، إنه ليست هناك رغبة جدية لدى الحكومة بحل ملف الصرافات الآلية، وكل ما يتم اتخاذه في الموضوع من باب “الترقيع وترحيل الأزمات” ريثما يتحقق “حلم” الدفع الإلكتروني.

إجراء نقدي للمواكبة

الدكتور السوري في الاقتصاد عماد الدين المصبح، قال لعنب بلدي، إن قرار تحويل المعاملات عن طريق البنوك إجراء إداري نقدي.

وأضاف المصبح أن هناك فوائد من خلال إجراء هذه المعاملات، كتحسين كفاءة العملية الإدارية في الجامعة (أقسام التسجيل في الجامعات والكليات)، إذ يختصر الوقت والجهد بالنسبة للموظفين في هذه الأقسام، ويسرع من عمليات التسجيل، ويحسن من مستوى الأمان ويقلل من حوادث السرقة والفساد.

ويرى المصبح أن القرار من شأنه تعزيز الشفافية ومراقبة حركة الأموال والحد من التهرب الضريبي بالنسبة للجامعات الخاصة، معتبرًا أنه إجراء سليم تسعى له الحكومة في محاولة لمواكبة التطورات العالمية في هذا الشأن ومن ناحية نقدية أيضًا.

وتابع أنه طالما أن المبالغ التي سيدفعها الطالب كميتها كبيرة جدًا فإن تعميم التجربة سوف يعني إمكانية تقليل تكاليف طباعة النقود المعرضة أكثر للتلف نتيجة الانتقالات المتكررة بين الأيدي.

وأشار المصبح إلى سوء وضع الواقع المصرفي في سوريا، معتبرًا أن أغلب السوريين ليست لديهم حسابات بنكية، ومن لديه حساب بنكي بالتأكيد ليس لديه الدخل الكافي لإيداع أمواله فيه، وسط مستويات الدخل التي لا تتجاوز في المتوسط 15 دولارًا أمريكيًا شهريًا.

يتكون القطاع المالي والمصرفي في سوريا من المصارف العاملة ومصارف التمويل الأصغر ومؤسسات الصرافة، وجميعها تخضع لرقابة مصرف سوريا المركزي.

وتوجد ستة مصارف عامة، أبرزها “التجاري” و”العقاري” و”الصناعي” و”الزراعي التعاوني”، إلى جانب 11 مصرفًا خاصًا تقليديًا، وثلاثة مصارف إسلامية خاصة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة