أمريكا “تدير”.. “الإدارة الذاتية” تملأ خزائنها من جيوب التجار

camera iconمحل للصرافة في السوق المركزي بمدينة القامشلي- 8 من آب 2023 (عنب بلدي/ ريتا أحمد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

في 13 من آب الماضي، أعلنت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا عن تمديدها المهلة القانونية للحصول على ترخيص افتتاح محال الصرافة وحوالات الأموال في جميع مناطق نفوذها.

وبعدها بأيام، أصدرت قانونًا جديدًا يهدف إلى تنظيم تجارة المعادن الثمينة وتصنيعها، تضمّن إجراءات الترخيص ومزاولة المهن المتعلقة بهذه التجارة في المنطقة التي تسيطر عليها.

رسوم بآلاف الدولارات

عقب إلزامها شركات ومكاتب الصرافة بالترخيص، أعلنت “الإدارة” رسوم الترخيص وبعض شروطه، دون تحديد إلى ماذا استندت بوضع هذه الأرقام، إذ اشترطت أن يبلغ الحد الأدنى لرأس مال شركات الصرافة العاملة في المنطقة 500 ألف دولار أمريكي، و50 ألف دولار أمريكي لرأس مال مكاتب الصرافة، بضمانة مالية قدرها 75 ألف دولار أمريكي لشركات الصرافة، و7500 دولار للمكاتب، مشيرة إلى أن هذه الرسوم سترتفع في حال وجود فروع أخرى في المنطقة سواء للشركات أو للمكاتب.

وتضمّن القرار تحديد رسوم الترخيص للمركز الرئيس لشركة الصرافة بـ3000 دولار أمريكي، ولكل فرع تابع لها بـ300 دولار أمريكي، فيما تبلغ رسوم تجديد الترخيص السنوي 1000 دولار أمريكي للفرع الرئيس، و300 دولار لكل فرع.

فيما حددت رسوم ترخيص مكاتب الصرافة بـ500 دولار أمريكي عن المركز الرئيس، و100 دولار عن كل فرع تابع لها، بينما تصل رسوم التجديد السنوي إلى 300 دولار للمكتب الرئيس، يضاف إليها 100 دولار عن كل فرع تابع له.

وفي سياق متصل، لم تصدر رسوم الترخيص التي ستفرض على تجار “المعادن الثمينة” والتي يقصد بها البلاتين والذهب والفضة والبلاديوم، حتى ساعة تحرير هذا التقرير، على أن يصدر “مكتب النقد والمدفوعات المركزي” تعليمات لاحقًا تحدد شروط ومتطلبات الترخيص، مع الإشارة إلى أن تجديد الترخيص سيجري سنويًا.

للكسب أكثر

صاحب شركة للصرافة، يعمل في القامشلي شمال شرقي سوريا، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن توجه “الإدارة الذاتية” مؤخرًا لفرض رسوم على مهن الصرافة والذهب، يندرج تحت باب تحصيل أكبر قدر من الأرباح والضرائب من قطاع الصرافة الذي يعتبر القطاع الأكثر ربحًا في أسواق الجزيرة، معتبرًا أن الرسوم الأخيرة هي “مخففة”، لأن الرسوم التي طُرحت أول مرة تقارب المليون دولار أمريكي لقاء ترخيص فرع الشركة الرئيس.

فيما يتمثل السبب الثاني بتنظيم عمل شركات الحوالات، وربطها بمكتب “النقد” لمراقبة حجم الأموال الداخلة والخارجة منها، وبالتالي فرض ضرائب تتناسب مع حجم عملها، فضلًا عن مراقبة عمليات التحويل الكبرى، وفق صاحب الشركة.

إبراهيم، صاحب شركة للصرافة في القامشلي (طلب عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية) قال لعنب بلدي، إن “الإدارة” ترغب بالاستفادة من حجم الأموال المتداولة في هذه القطاعات، إذ يجري تداول ملايين الدولارات يوميًا، يأتي قسم كبير منها على شكل حوالات خارجية.

واعتبر إبراهيم أن الجو الاقتصادي في المنطقة متقلب، والقرارات تخضع لإرادة ومزاج أشخاص متنفذين يريدون احتكار مهنة الصرافة لمصلحة شركات كبيرة على حساب محال صغيرة يعيش أصحابها من هذه المهن.

وشكّك إبراهيم بقدرة “الإدارة” على ضبط سوق الحوالات والصرافة، لأن هذه المهنة منتشرة بشكل كبير في المنطقة، عبر أصحاب محال بيع المواد الغذائية (الدكاكين الصغيرة) وغيرها.

أمريكا “تدير”

سنان حتاحت، الباحث الأول في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” والباحث المشارك في مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا” بمعهد الجامعة الأوروبية، قال إن القرارات الأخيرة ليست المحاولة الأولى من قبل “الإدارة الذاتية” للسيطرة على سوق الحوالات وبيع الذهب، معتبرًا أن الهدف من كل هذه المحاولات يتمثل بالتحكم بسعر الصرف، ما يعطيها إمكانية بشكل أفضل للتحكم بأسعار المنتجات المرتبطة بشبكات التجارة والاحتكار لدى تجار عاملين مع “الإدارة”.

من ناحية أخرى، تمكّن هذه القرارات “الإدارة” من الاستفادة من عمولات التحويل ورسوم الترخيص، وسط اعتماد المقيمين في سوريا بكل المناطق بشكل كبير على الحوالات المالية، وفق حتاحت.

وأشار حتاحت إلى استخدام بعض من أهالي المنطقة نظام الحوالات في ظل غياب الأنظمة البنكية من أجل عديد من المعاملات المالية، كتمويل شراء الأراضي، ما يشير إلى وجود كتلة كبيرة من الأموال يجري تحويلها بشكل يومي، وبالتالي فإن التحكم بمصادرها يعود على “الإدارة” بفائدة اقتصادية كبيرة، فضلًا عن الجانب الأمني للموضوع بمعرفة المستفيد من الحوالات، وما يحمله ذلك من تبعات على الضرائب.

وتشهد المنطقة منذ نحو عام محاولات مدعومة من أمريكا الموجودة هناك، نحو تأسيس نوع من أنواع المركزية للإدارة المالية في المنطقة، كنوع من أنواع الشروط للتمويل الاقتصادي لـ”الإدارة”، وفق الباحث.

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، يتفق أيضًا على أن القرارات الصادرة مؤخرًا هي استكمال لمجموعة قوانين أخرى سابقة تصب بذات السياق.

وفسر شعار لعنب بلدي ذلك بمحاولة “الإدارة الذاتية” بضغط من أمريكا التوجه نحو عمل مؤسساتي أكثر من كونها “ميليشيا” تسيطر على المنطقة، وبالتالي تتجه نحو التنظيم والعمل على سجلات عقارية أو سجلات للشركات ونظام ضريبي واضح.

واعتبر الباحث أن الغرض الأساسي وراء هذا التوجه تنظيمي، وقد يحمل آثارًا جيدة، إلا أن المؤسسات الخاصة التي ستضطر لدفع هذه الرسوم والضرائب برأيه، يجب أن تبحث عن مكاسب أيضًا، وأن تكون مستفيدة أكثر من ذلك، كأن يتاح لها عبر ذلك الوصول إلى سجل اقتصادي مشترك، أو أن تخلق هذه البيئة أجواء أفضل لوجود غرفة مهنية تجارية أو اقتصادية تساعدهم في آلية عملهم.

الرسوم والضرائب مورد أساسي

يصعب تعقّب كيفية تحصيل وإنفاق إيرادات الميزانية الخاصة بـ”الإدارة الذاتية”، إلا أن الموارد الأساسية لها تأتي من مبيعات النفط، والضرائب والرسوم على الدخل، والرسوم على المواد والبضائع المستوردة، بحسب دراسة أجراها الباحث الاقتصادي سنان حتاحت، نُشرت ضمن برنامج “مسارات الشرق الأوسط” في كانون الثاني 2020.

وأوضحت الدراسة أن “هيئة المالية” هي المؤسسة المركزية في “الإدارة الذاتية” المسؤولة عن إدارة مالية المنطقة، علمًا أن للمجالس المحلية أيضًا الحق في جباية الضرائب وفرضها، وجمع الإيرادات التي تفرض على معظم المهن والحرف، بما في ذلك المؤسسات الصغيرة مثل الباعة المتجولين، والمحال التجارية، والنقل العام.

تبرر “الإدارة الذاتية” هذه التدابير على أنها تهدف إلى تمويل الخدمات العامة، ولكن ثمة اعتقاد عام بأن نوعية تقديم الخدمات لا تتناسب مع كمية الضرائب المُحصَّلة.

وتقع الضرائب التي تجبيها “الإدارة الذاتية” والمجالس المحلية في فئتين رئيستين، أولاهما الرسوم على تسجيل الشركات، أو مزاولة مهنة، أو رخص البناء، أو الخدمات التي تقدمها الإدارات على المستوى المحلي، ومستوى “الكانتون” (التقسم الإداري للمنطقة)، والثانية ضريبة الدخل على الرواتب.

أشارت الدراسة إلى أن التقارير الواردة من داخل “الإدارة الذاتية” تتضارب حول كمية الرسوم التي تفرضها المؤسسات التابعة لها، ما يثير الشكوك حول طابعها التعسفي، أو العجز عن تطبيق المعايير نفسها على المنتجات أو القطاعات الجغرافية كافة، وعلى الرغم من وضوح الضريبة، تكاد آليات المراقبة تكون غير موجودة، في ظل غياب نظام مصرفي أو مالي موحد يمكن السلطات المالية من تتبع معاملات المواطنين المالية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة