tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

منذ السيطرة على آخر معاقل تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2019، عاشت مناطق “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) استقرارًا نسبيًا، إذ حال الدعم والوجود الأمريكي فيها دون اشتعال خطوط الجبهات على نطاق واسع، بينما تراجع القصف الجوي، باستثناء ضربات محددة تستهدف قياديين في “قسد” أو تنظيم “الدولة”، على خلاف مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال غربي سوريا.

ورغم تراجع الأوضاع الاقتصادية، لم تصل إلى مستوى الأزمة الاقتصادية التي عصفت بمناطق سيطرة النظام السوري، رغم الاحتجاجات المتفرقة لتحسين الوضع الخدمي والمعيشي.

صورة الاستقرار النسبي هذه تخفي وراءها بحرًا من القلاقل والفوضى العقائدية والسياسية، التي تتفجر بين حين وآخر، تحاول “قسد” بعدها احتواء الأزمات وإدارتها بتوجيه أو دعم أمريكي.

لكن أزمة التمثيل العربي وتدخل قادة حزب “العمال الكردستاني” في إدارة مفاصل مناطق لا تمتلك فيها “قسد” حاضنة شعبية تفاقمت أخيرًا في دير الزور، ووصلت إلى صدام مباشر مع مجموعات عشائرية وجدت نفسها فجأة محاصرة دون قادة الصف الأول لـ”مجلس دير الزور العسكري”، الذين اعتقلوا أو حوصروا من قبل “قسد”.

وأعطت الدعوات العشائرية للتضامن مع “مجلس دير الزور” ومواجهة “قسد” صبغة قومية لهذا الصدام، رغم أن “المجلس” جزء من “قسد” التي تضم مكوّنات أخرى من قوميات متعددة، ويدير قياديون كرد مفاصل القرار فيها.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع باحثين ومحللين متخصصين مآلات المواجهات العسكرية بين “قسد” والعشائر، وهل هي مواجهة عقائدية أم اقتتال داخلي، واحتمالات تطورها أو احتوائها، وتأثيرها على المنطقة مستقبلًا.

أبعد من “مجلس دير الزور العسكري”

منذ لحظة الخلاف الأولى التي بدأت باعتقال “قسد” قائد “مجلس دير الزور العسكري” التابع لها، أحمد الخبيل (الملقب بـ”أبو خولة”)، حاولت “قسد” تصوير المشكلة على أنها مجرد حملة أمنية جديدة تنفذها في المنطقة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

كان لعشائر دير الزور موقف مخالف، إذ تحالفت عشائر من المنطقة مع مقاتلي “المجلس العسكري” ضد “قسد”، وبدأت اشتباكات عسكرية وُصفت بـ”العنيفة” في بعض قرى وبلدات دير الزور خرجت عن سيطرة “قسد” بالكامل، ثم عاودت القوات احتواء التوتر فيها.

ووصل عمق التضافر العشائري إلى محافظات الحسكة والرقة وحلب، إذ أعلنت بعض العشائر والقبائل عن وقوفها إلى جانب “المجلس”، ليس نصرة لقائده أحمد الخبيل، وإنما معاداة لـ”قسد”.

المنسق العام للمجلس الأعلى للعشائر السورية ومن شيوخ قبيلة “الجبور”، الشيخ مضر الأسعد، قال لعنب بلدي، إن العشائر العربية المنتشرة جنوبي الحسكة، وتحديدًا في منطقة الشدادي، بدأت بالتحرك ضد “قسد” دعمًا لعشائر دير الزور، ومنها قبيلة “الجبور”، وعشائر “البكارة” و”المشاهدة” و”الجواعنة” و“الزبيد”، وعشائر أخرى.

وأضاف الأسعد أن قبائل وعشائر المنطقة لا تزال تنتظر تحركًا أكبر، يستهدف عسكريًا الحواجز التابعة لـ”قسد” في المنطقة، وقطع الطرقات الواصلة بين الحسكة ودير الزور، بعدف منع وصول الإمدادات العسكرية إلى المنطقة التي تدور فيها المعارك.

العشرات من أبناء القبائل العربية المنضمين لـ”قسد” انشقوا عنها منذ اليوم الثاني للمواجهات، بحسب الأسعد، تلبية للمطالب العشائرية.

وأرجع أسباب الانشقاق إلى أن أبناء المنطقة هم فعليًا مجندون “قسرًا” لدى “قسد”، مستندًا إلى أمثلة آخرها حملة اعتقالات واسعة طالت أفرادًا من قبيلة “الجبور” في مدينة الشدادي شرقي الحسكة، لملاحقة المتخلفين عن الخدمة العسكرية منهم.

ورغم أن “مجلس دير الزور العسكري” جزء من “قسد” ويحمل أفكارها فيما يتعلق بفصائل المعارضة وقوات النظام السوري، هبّت فصائل من “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا، لديها امتدادات بالمنطقة الشرقية، لمؤازرة عشائر دير الزور، عبر فتح جبهة قتال ضد “قسد” بمدينة منبج شرقي حلب.

وشهدت مدينة منبج توترًا أمنيًا على خلفية اشتباكات ومعارك بين مقاتلين من أبناء العشائر وبين “قسد”، رافقها تعرض محيط قرى لغارات قيل إنها روسية.

كما صدرت دعوات من شيخ قبيلة “البكارة” المقرب من إيران والنظام السوري، نواف البشير، مطالبًا بالانشقاق عن “قسد” والمساندة في قتالها.

ودعا مشايخ ووجهاء عشائر موجودون في مناطق سيطرة “قسد” إلى الانتفاض في وجهها، من بينهم شيخ قبيلة “العكيدات“، إبراهيم جدعان الهفل، الذي طالب جميع العشائر العربية بالوقوف وقفة “رجل واحد”، وقال إن هذا الحراك عشائري بالمعنى المطلق وليس كما تدعي “قسد” بأنها خلايا إرهابية.

وطالب الهفل التحالف الدولي باسم العشائر في دير الزور عامة وقبيلة “العكيدات” خاصة، بتشكيل مجلس قيادة عسكرية من أعيان عشائر دير الزور الثقات والعسكر ذوي القدرات.

يحشد مقاتلون عشائريون في ريف حلب للتوجه إلى شرق الفرات ومؤازرة مسلحين محليين ضد “قوات سوريا الديمقراطية” – 1 من أيلول 2023 (NurPhoto)

لقائد (مجلس دير الزور العسكري)، أحمد الخبيل، انتهاكات عديدة، إذ يستحق محاكمة من قبل عشائر المنطقة، لكن ليس على يد (قسد) المدارة من قبل حزب (العمال الكردستاني)، والتي ارتكبت بدورها انتهاكات جسيمة ضد أبناء المنطقة من العشائر العربية.

الشيخ مضر الأسعد – المنسق العام للمجلس الأعلى للعشائر السورية

لماذا عُزل الخبيل؟

بعد مرور ثلاثة أيام على المواجهات المسلحة، في 30 من آب الماضي، أعلنت “قسد” عن عزل قائد “مجلس دير الزور العسكري”، أحمد الخبيل، عبر بيان رسمي.

وبحسب البيان، فإن قرار عزل الخبيل جاء بعد “شكاوى قدمها الأهالي، وسكان دير الزور بحقه”، دون الإشارة إلى قياديي الصف الأول في “المجلس العسكري” المحتجزين لدى “قسد” في الحسكة.

وأرجع الإعلان الرسمي عزل الخبيل إلى ارتكابه “عديدًا من الجرائم والتجاوزات المتعلقة بالتواصل والتنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة”.

الباحث السوري مهند الكاطع، الذي ينحدر من محافظة الحسكة، قال لعنب بلدي، إن أسباب الخلاف تعود إلى ظهور الخبيل قبل عدة أسابيع متحديًا “قسد” ومهددًا بالتصعيد العسكري ضدها، وهو ما لم تصمت عنه الأخيرة، رغم التوصل إلى تسوية حينها.

تهديدات الخبيل بالتصعيد في دير الزور دفعت “قسد” لاستدراجه واعتقاله مع قياديين آخرين في “المجلس”، ما أدى إلى تفجر الأوضاع على يد مناصري الخبيل في دير الزور، حيث استُخدمت “العصبية العرقية والقبلية للتحشيد ضد (قسد)”.

وجاء قرار العزل بعد أيام على اعتقال الخبيل في الحسكة، عقب دعوته برفقة قياديين آخرين في “المجلس العسكري” لحضور اجتماع بقاعدة “الوزير” العسكرية بالحسكة، بحسب ما قاله جلال الخبيل، شقيق “أبو خولة” في تسجيل مصور تداوله ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

الباحث في مركز “عمران للدراسات” سامر الأحمد المتخصص في شؤون شمال شرقي سوريا، نشر عبر حسابه الشخصي في موقع “إكس” (تويتر سابقًا)، سلسلة من التغريدات قال فيها، إن خطوة “قسد” تعد تصعيدًا خطيرًا في المنطقة، يرمي إلى إضعاف المد العشائري الذي بدأ يتجسد في عدة تطورات مؤخرًا.

وأضاف الباحث أن التصعيد “اختبار حقيقي لقوة العشائر ورد فعلها تجاه سلطات الأمر الواقع، وقد يشكل فرصة جديدة لانتزاع حقوق أهل المنطقة من (قسد) التي أرهقتهم بالتضييق الاقتصادي والأمني منذ عدة سنوات”.

ويرى الأحمد أن “قسد” تحاول القضاء على قوة ونفوذ “مجلس دير الزور العسكري” بالطريقة “الغادرة” نفسها التي قضت فيها على “لواء ثوار الرقة”، وبنفس أسلوب “تحرير الشام” في ابتلاع فصائل المعارضة شمال غربي سوريا.

وحول إمكانية نجاح خطة “قسد” في تطويق “المجلس” قال الأحمد، إنها متعلقة بـ”رد فعل عشائر المنطقة التي تشكل الحاضنة الشعبية للمجلس وقيادته”.

مقاتلون من قوات النظام السوري في مدينة البوكمال شرقي دير الزور- 21 من تشرين الثاني 2017 (سانا)

خلاف عقائدي أم داخلي؟

لم توضح “قسد” رسميًا عملياتها ضد “مجلس الدير الزور” أو المجموعات العشائرية المناصرة له، والتزمت بروايتها الرسمية بأن العمليات ضد مجموعات تتبع لتنظيم “الدولة الإسلامية” أو خلايا أرسلها النظام السوري.

في محاولتها لدعم روايتها حول الأحداث، قابلت “وكالة هاوار” المقربة من “قسد” عناصر وقياديين للحديث عن مجريات الأحداث في دير الزور، دون الإشارة إلى أن المعارك تدور بين “المجلس” نفسه وقواتها.

وتحدث عناصر وقياديو “المجلس” عن جهود النظام للتدخل في المنطقة، ومكافحة “قسد” لها، مشيرين إلى البيان الذي أطلقه المعارض السابق، وقائد ما يُعرف بـ”أسود العشائر”، نواف البشر، المدعوم من إيران غرب الفرات.

وكان البشير حاول حشد أبناء قبيلته “البكارة” المنقسمين بين ضفتي الفرات المسيطر عليهما من قبل النظام غربًا و”قسد” شرقًا، عبر تسجيل مصور نشرته حسابات إخبارية محلية.

الخلاف تطور من منظور أبناء القبائل، بعد دعوات لوجهائها للوقوف ضد “قسد”، إلى خلاف عربي- كردي، وهو ما دفع بفصائل ذات طبيعة قبلية ضمن “الجيش الوطني” (في ريف حلب) للوقوف إلى جانب “مجلس دير الزور العسكري” رغم أنه مكوّن أساسي في “قسد”، التي تناصب “الوطني” العداء.

الباحث السوري مهند الكاطع، قال لعنب بلدي، إنه يجب أولًا النظر إلى “مجلس دير الزور” على أنه أحد التشكيلات التي أنشأتها “قسد” في دير الزور، إذ استمد أحمد الخبيل نفوذه وقوته داخل هذا التشكيل وفي العموم من خلال دعم “قسد” اللامحدود له ليكون “الشخصية النافذة الأبرز والأقوى بالمنطقة”، بهدف تنفيذ مخططات الفصيل الأم فيها.

ما يحصل شرقي سوريا اليوم هو اقتتال داخلي ضمن تشكيلات (قسد) نفسها، وليس صراعًا بين مكوّنات كردية وعربية، خصوصًا أن معظم مقاتلي (قسد) الذين زُج بهم لمواجهة (المجلس العسكري) من العرب أيضًا.

مهند الكاطع – باحث سوري

مدير “شبكة جيواستراتيجي للدراسات”، الباحث إبراهيم كابان، قال لعنب بلدي، إن “البروباغندا” التي نشرتها وسائل إعلام تتبع لجهات عديدة على مدار أيام التصعيد أسهمت في تحويل المشكلة في المنطقة إلى خلاف عقائدي.

وأضاف أن هذه “البروباغندا” ليست جديدة، لكنها ترافقت اليوم مع تصعيد في المنطقة، إذ لطالما استهدفت شرق الفرات لإحداث خلاف قومي أو ديني.

ويرى كابان أن جهات عديدة تحاول استغلال الأحداث شرق الفرات، ويمكن ملاحظة ذلك عند مراقبة وسائل الإعلام المقربة من النظام، أو تركيا، أو بعض وسائل إعلام المعارضة السورية، وحتى الإعلام التركي.

تطور رواية “قسد”

خلال اللحظات الأولى لاعتقال “أبو خولة”، أعلنت “قسد” عن إطلاق حملة أمنية حملت اسم “تعزيز الأمن”، وشملت مناطق شرق الفرات بالكامل، دون الإشارة إلى علاقة “مجلس دير الزور” فيها.

ومع خروج قضية اعتقال قائد “مجلس دير الزور العسكري” عن السيطرة، وتسرب خبر اعتقاله عبر أشقائه، تحولت الأحداث إلى رد فعل عنيف في دير الزور، ما طوّر رواية “قسد” عن الأحداث إلى أنها حملة تستهدف تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وبينما كانت تنتشر التسجيلات المصورة، وبيانات تضامن العشائر مع بلدة العزبة شمالي دير الزور بسبب حصارها من قبل “قسد”، كانت الأخيرة تتحدث عن أن حملتها الأمنية نفسها تطورت لتشمل “خارجين عن القانون، وتجار مخدرات، وخلايا من تنظيم (الدولة)، وبإشراف من التحالف الدولي”.

وفي مساء 31 من آب الماضي، تطورت الرواية مجددًا، إذ حمّلت “قسد” مسؤولية الأحداث في المنطقة للنظام السوري، وجاء في بيان رسمي نشرته عبر موقعها الرسمي، أن قواتها “تتخذ إجراءات إضافية لملاحقة مجموعات مسلحة تسللت إلى قرى في الريف الشرقي لدير الزور من الضفة الغربية لنهر الفرات، وبدأت بالتحشيد للهجوم على قواتنا في قرى الريف الشرقي”، مشيرة إلى أن النظام هو من أرسلها.

الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، قال لعنب بلدي، إن عدة أسباب يمكن أن تقف خلف تغطية “قسد” لحقيقة مجريات الأحداث في المنطقة، ففي الحالات المشابهة السابقة استخدمت غطاء العمليات الأمنية لمحاربة أو ملاحقة خلايا تنظيم “الدولة” لتحقيق أهداف أو مصالح أمنية خاصة بها، أحدثها في المظاهرات التي خرجت بمحافظة الرقة قبل نحو شهرين، إذ أعلنت بشكل مفاجئ عن حملة أمنية لملاحقة خلايا التنظيم في الرقة، واعتقلت خلالها منظمي الحراك وعددًا كبيرًا من المشاركين فيه.

شواخ أضاف أن سببًا ثانيًا قد يقف خلف تحفظ “قسد”، إذ تحاول الأخيرة قدر الإمكان “عدم قطع خطوط العودة مع (مجلس دير الزور العسكري)”، فهي غير متيقنة من قدرتها على حسم الموقف باستخدام القوة خلال هذه العملية.

ونظرًا إلى مجريات الأحداث، قد تضطر إلى إعادة هيكلة جزئية لـ”المجلس العسكري”، عبر إعادة بعض القياديين دون محاسبة، لضبط المنطقة بعد التصعيد فيها، بحسب شواخ.

وأضاف أن إعلان “قسد” عن أن عمليتها تستهدف “مجلس دير الزور العسكري” قد يحرجها لاحقًا.

جندي أمريكي إلى جانب مدنيين من أبناء المنطقة الشرقية في سوريا- 23 كانون الأول 2022 (سينتكوم)

أُسس “مجلس دير الزور العسكري” عام 201‪6 من أبناء العشائر العربية (العكيدات، البكارة، الجبور، المشاهدة، بو شعبان)، وكانت البداية على شكل مجموعات صغيرة في مدينة الشدادي، بدأت بالتوسع في مناطق شمال شرقي سوريا من خلال استقطاب أبناء المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” ومعظمهم من عناصر “الجيش الحر” السابقين، ومن المعارضين للتنظيم.

وانضم لـ”قسد” لاحقًا في معاركها العسكرية ضد التنظيم الذي كان يتركز ثقله العسكري بدير الزور، ومع دحر التنظيم من المنطقة تمركز “مجلس دير الزور” في المحافظة التي ينحدر مقاتلوه منها.

أين التحالف الدولي

في 31 من آب الماضي، وبعد خمسة أيام على المواجهات، دعا التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى التهدئة ووضع نهاية للاشتباكات بين حلفائها في دير الزور، والتركيز على محاربة تنظيم “الدولة”.

وقال التحالف في بيان، إن قوة المهام المشتركة في “غرفة عمليات العزم الصلب” تراقب الأحداث في شمال شرقي سوريا عن كثب، بينما لا يزال تركيز العمل مع “قسد” على “ضمان محاربة التنظيم”.

وأوضح التحالف في بيانه أن “العنف في شمال شرقي سوريا لا بد أن يتوقف”، مضيفًا أن هذا “الإلهاء” عن قتال الخلايا النائمة لتنظيم “الدولة” يثير مخاوف عودة نشاطه.

ويقتصر دور قوات التحالف، وفق البيان، على تقديم “المشورة والمساعدة والتمكين للقوات الشريكة”، من أجل هزيمة تنظيم “الدولة”.

وتنصّل البيان من أي دور للتحالف في المعارك الدائرة بالمنطقة، بينما قالت “قسد” بداية الأحداث، إن عمليتها الأمنية التي تشنها في المنطقة تجري بتنسيق مع “التحالف الدولي”.

ولم تجب “غرفة عمليات العزم الصلب” عن أسئلة طرحتها عنب بلدي منذ اليوم الأول للمواجهات حول دور التحالف الدولي في الأحداث المتفاعلة بالمنطقة.

الباحث في مركز “جسور” أنس شواخ، يرى في هذا الصدد أن قوات التحالف مطلعة على هذه العملية وتفاصيلها لعدة أسباب، خصوصًا أن “قسد” أشارت إلى اشتراك التحالف فيها.

وأضاف أن اعتقال قادة “مجلس دير الزور العسكري” نُفذ على مرحلتين وفي قاعدتين للتحالف الدولي، الأولى قاعدة “حقل العمر”، حيث اعتقل خليل الوحش نائب “أبو خوله”، والثانية في قاعدة “استراحة الوزير” بريف الحسكة حيث مبنى المقر العام لقيادة “قسد” ومقر إقامة قائدها مظلوم عبدي أيضًا، وبالتالي جزم شواخ أن للتحالف علمًا باستدراج “أبو خوله” إلى قواعده العسكرية في الحسكة ودير الزور، وسبق أن جهزت هذه القواعد بعد تطمينات من التحالف الدولي.

الباحث يرى أن التحالف سبق ودعا “قسد” و”مجلس دير الزور” للوساطة في حل الخلاف السابق بينهما قبل نحو شهر، لذا لا يمكن القول إن التحالف لم يتدخل، بل لا يزال مشرفًا ومتابعًا على الأقل لهذه العملية.

لماذا قد يتدخل التحالف

لطالما تصدّرت انتهاكات “مجلس دير الزور العسكري” الأحداث في المناطق التي تسيطر عليها “قسد” بدير الزور خلال السنوات الماضية، منها إدارة عمليات التهريب بين ضفتي نهر الفرات، وأخرى متعلقة بحقوق السكان، وهو ما حاولت “قسد” تسليط الضوء عليه مؤخرًا.

أبرز هذه الانتهاكات كان منتصف كانون الأول 2022، عندما شهدت قرى شمالي دير الزور توترًا أمنيًا استمر لأيام، بعد العثور على جثتي فتاتين في المنطقة، اتُهم “المجلس” باختطافهما في وقت سابق.

وشهدت المنطقة احتجاجات استمرت لأيام، هدد خلالها مسلحون من أبناء قبيلة “البكارة” بالتصعيد ضد “المجلس العسكري” وقائده “أبو خولة”، بحسب تسجيل مصوّر نشرته شبكة “نهر ميديا” المحلية.

المسلحون تطرقوا أيضًا خلال التسجيل المصور إلى أن “المجلس العسكري” مسؤول عن تصفية شباب من أبناء المنطقة، ونسب عمليات التصفية لتنظيم “الدولة” الذي ينشط في المنطقة.

وعلى الرغم من أن للخبيل دورًا في سيطرة “قسد” على المنطقة، وصل إلى مرحلة أخرى أثارت حفيظة القيادة العامة في الفصيل الأم ضده، إذ زاد نفوذه في المنطقة، وصار شخصية قوية ذا شعبية في دير الزور، بحسب ما يراه الباحث في مركز “عمران للدراسات” المتخصص بمناطق شمال شرقي سوريا أسامة شيخ علي، في حديث سابق لعنب بلدي.

وأضاف أن من الممكن أن تكون “قسد” قد استغلت ورقة انتهاكات “أبو خولة” و”علاقاته المشبوهة” للحصول على موافقة أمريكية بإزالته من المنطقة.

فرضت “قسد” حظر للتجوال في بلدة الصبحة شرقي دير الزور وقرى أخرى تزامنًا مع مواجهات عسكرية (عنب بلدي/ عبادة الشيخ)

إقليم جديد؟

تقسّم “الإدارة الذاتية” المناطق التي تسيطر عليها “قسد” شمال شرقي سوريا إلى ثلاثة أقاليم رئيسة (بعدما تغيرت التقسيمات والملامح خلال السنوات الماضية)، هي الفرات والجزيرة وعفرين.

وتسيطر “قسد” بشكل رئيس على محافظة الحسكة ودير الزور والرقة وأجزاء من حلب، ويزداد نفوذ “مجلس دير الزور العسكري على الصعيد الأمني في محافظة دير الزور، بينما كان “لواء ثوار الرقة” يدير أمنيًا وعسكريًا أجزاء من محافظة الرقة، حتى شنت “قسد” حملة أمنية ضده، أدت إلى إنهائه بالكامل، بينما تسيطر “قوات الصناديد” المشكّلة من قبيلة “شمّر” العربية على أجزاء من ريف الحسكة الشرقي بمحاذاة الحدود العراقية.

الباحث الكردي إبراهيم كابان، قال لعنب بلدي، إن ملامح إعطاء نوع من الإدارة المستقلة للقبائل العربية شرق الفرات مؤخرًا هو نتيجة للخبرة التي اكتسبتها “قسد” من الخلافات العربية- الكردية في العراق سابقًا.

ورجّح الباحث أن تكون هذه الإدارة ممتدة من محيط قاعدة “التنف” وصولًا إلى محافظة الرقة بمحاذاة الحدود مع دير الزور، وهي المنطقة التي يقطنها أبناء العشائر العربية بطبيعة الحال.

وأضاف أن التحولات الدراماتيكية التي تشهدها محافظة دير الزور مؤخرًا لها علاقة مباشرة بمنح هذه الإدارة للقبائل العربية من قبل الولايات المتحدة.

لا يمكن الوصول إلى أي حل فيما يتعلق بالمشكلة المشتعلة في دير الزور اليوم، إلا بمنح القبائل العربية السنيّة مزيدًا من الإدارة والتمثيل في المنطقة من دير الزور وصولًا إلى الرقة.

الباحث إبراهيم كابان – مدير “شبكة جيواستراتيجي للدراسات”

وأضاف كابان أن المطلوب من هذا الإقليم الجديد إنشاء “حزام سنّي” في المناطق التي تشهد انتشارًا للميليشيات المدعومة من إيران في دير الزور بشكل أساسي، وقد تنضم لها محافظة الرقة ومدينة منبج التي من المحتمل أن تكون ضمن هذا الحزام، كونها تخضع للطبيعة نفسها.

ويهدف المشروع إلى إنهاء حالة الخلاف العربي- الكردي بالمنطقة، بحسب الباحث، إذ يرى أن الكيان الجديد يجب أن يتحقق بشرط ألا يكون “على نزاع” مع “قسد”.

تجنب لمواجهة أكبر

تحيط الميليشيات الإيرانية بمناطق سيطرة “قسد” من عدة محاور، وسبق أن جاء على لسان بعضها كميليشيا “حزب الله” اللبناني، أنها ستدعم “المقاومة الشعبية” في المنطقة لمحاربة الوجود الأمريكي فيها، و”قسد” المدعومة من قبلها.

وفي مطلع تموز الماضي، تكرر الحديث عن نية أمريكا بدء عمل عسكري يصل قاعدة “التنف” شرقي حمص بمناطق النفوذ الأمريكي شرق الفرات، بمحاذاة الحدود العراقية.

وبينما لم يكن لهذه التحليلات صدى في الإعلام الغربي، لاقت هذه المعلومات طريقها إلى وسائل إعلام النظام السوري، إذ صارت المواد الصحفية التحليلية المتعلقة بـ”رد المقاومة” على هجمات أمريكية محتملة شرقي سوريا متصدرة للصفحات الأولى.

واشنطن نفت بدورها التخطيط لأي عمل عسكري في المنطقة على لسان السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، العميد بالقوات الجوية بات رايدر، في 17 من آب الماضي، إذ قال إن حماية الحدود السورية- العراقية ليست من ضمن مهام القوات الأمريكية الموجودة في سوريا.

ورغم النفي الأمريكي، قال رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، عبر لقاء متلفز، إن أمريكا زادت وجودها العسكري في سوريا لاستهداف الميليشيات الإيرانية على الجانب السوري من الحدود العراقية.

سبق ذلك حديث مدير المكتب الإعلامي في “قسد” لقناة “اليوم“، في 17 من آب الماضي، إذ قال إن فصيله لن ينخرط في أي عملية عسكرية ضد إيران في سوريا، مشيرًا إلى أن مهمته الأساسية هي “الحفاظ على الأمن والاستقرار على الساحة السورية”.

وقرأ باحثون حينها رفض “قسد” التحرك ضد إيران في سوريا على أنه يعود لعلاقة حزب “العمال الكردستاني” بالسيطرة على مفاصل إدارة “قسد”، إذ تربط “العمال” علاقة جيدة بإيران على خلاف أبناء المنطقة من القبائل العربية.

الباحث المتخصص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، يرى أن المواجهات الأحدث بين “قسد” و”المجلس العسكري” ليست بعيدة عن الصراع مع الميليشيات الإيرانية، إذ ترفض “قسد” مواجهة إيران، بينما لا يمانع “المجلس”.

(قسد) تمسك العصا من المنتصف، خشية أن تفقد الجغرافيا التي تحاصرها الميليشيات الإيرانية داخلها.

مصطفى النعيمي – باحث متخصص في الشأن الإيراني

وقال إن عمليات “قسد” ضد “المجلس” تندرج ضمن “رسائل قسد” للنظام السوري وإيران بأنها لن تنخرط في أي مشروع لمواجهة إيران، إذ يرى النعيمي أن الهجوم على “مجلس دير الزور” قد يهدف إلى تجنيب المنطقة تصعيدًا جديدًا.

مقالات متعلقة