عنب بلدي تسأل متخصصين وأصحاب تجربة

أطباء التواصل الاجتماعي.. خدمات واستشارات لأهداف تجارية

شابة تشاهد طبيبًا عبر تطبيق إنستجرام - 15 من إيلول 2023 (عنب بلدي)

camera iconشابة تشاهد طبيبًا عبر تطبيق إنستجرام - 15 من إيلول 2023 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – فاطمة المحمد

عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ينشط أطباء بردائهم الأبيض من خلال صفحاتهم الشخصية أو مجموعات تحت مسميات طبية، يقدمون عبرها آراءهم الطبية ونصائحهم، ويرشحون للجمهور بعضًا من الأدوية والمستحضرات التجميلية.

يحظى هؤلاء الأطباء بشهرة واسعة، ويتابعهم عشرات الآلاف عبر الشبكة، ويستخدمون خبراتهم الطبية كوسيلة تسويقية مقنعة تجعل عددًا من المتابعين يأخذ بنصائحهم وتوصياتهم دون التشكيك بمصداقيتهم.

لا يقتصر الأمر على الأطباء، إنما يشارك في هذه النصائح والمعلومات مدوّنون وصانعو محتوى من خلال تسويقهم لمنتجات علاجية خاصة بما يتعلق بالتجميل، وطرحها عبر صفحاتهم مع التشجيع على استخدامها.

على منصات “إنستجرام” و”فيس بوك” و”تيك توك”، يقدم الأطباء نصائح طبية وتشخيصات لأمراض، ويصفون أدوية بناء على صورة يرسلها المريض لمشكلته الصحية، إضافة إلى تفسير التحاليل الطبية، وتحليل صور الأشعة السينية.

وتحدث أشخاص سوريون قابلتهم عنب بلدي عن اعتمادهم بشكل كبير على توصيات هؤلاء الأطباء، ومتابعتهم بشكل مستمر وتفضيلهم على الأطباء في العيادات.

تكلفة عالية ونتائج لا تُذكر

نور عبد الله، طالبة في كلية الصحافة والإعلام، قالت لعنب بلدي، إن مرضًا جلديًا أصاب بشرتها ما دفعها للجوء إلى طبيب جلدية، ولأنها لم تستفد من الأدوية التي وصفها، لجأت إلى اختصاصية تجميلية في مركز طبي بمدينة غازي عينتاب التركية، وصفت لها بدورها غسولًا و”جيل” دون أي نتيجة إيجابية.

أضافت نور (24 عامًا)، أن الأسباب التي دفعتها للميل لنصائح الأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي هو ترشيحهم استخدام غسولات البشرة وسيرومات تجميلية، بعيدًا عن الحبوب والمراهم التي يصفها أطباء الجلدية.

ولكن في الوقت نفسه، أبدت تفهمها لنيات الأطباء التسويقية على مواقع التواصل، وهذا ما جعلها تبحث بشكل مستمر خلف فعالية المنتجات التي يوصون بها والاطلاع على تجارب أشخاص آخرين.

ولفتت نور إلى أن أغلبية المنتجات التي يروجها الأطباء هي منتجات تحمل علامات تجارية مرتفعة الثمن مثل “لاروش” و”اورديناري” و”سيرافي”، ما كلّفها مبالغ كبيرة في محاولة لحل مشكلتها.

تثق نور بأطباء العيادات بشكل أكبر بسبب إجرائهم عديدًا من التحاليل والمعاينات قبل وصف خطة العلاج.

لا تختلف حال تمارا زيدان، وهي طالبة في كلية التمريض، عن حال نور، التي عانت مشكلات جلدية في بشرتها لسنوات عديدة، ولجأت إلى عديد من أطباء الجلدية واختصاصيي التجميل دون الوصول إلى علاج جذري، ما دفعها إلى متابعة نصائح الأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي.

قالت تمارا لعنب بلدي، إن طريقة الأطباء المقنعة في عرض المنتج الطبي والتحدث عن فوائده وعرض صور لتجارب ناجحة، شجعتها على شرائه، رغم أن أسعار المستحضرات كانت باهظة، وتحمل أسماء علامات تجارية “مشهورة”.

عزفت تمارا عن التعاطي مع نصائح أطباء مواقع التواصل بعد أن داومت على استخدام المنتجات التي يروجونها لفترات طويلة، ولم تحصل سوى على فروق بسيطة لا تصل إلى النتائج التي كانت ترجوها، ومن وجهة نظرها، ما صرفته لشراء هذه المنتجات يعدّ “مالًا مهدورًا”، إذ عادت لاستشارة اختصاصيي البشرة.

أهداف تجارية “بحتة”

محمد جزار، طبيب جلدية سوري مقيم في مدينة اسطنبول التركية، قال لعنب بلدي، إن عديدًا من الناس يلجؤون لأخذ المعلومات الطبية من منصات التواصل الاجتماعي لعدة أسباب، من بينها توفير الوقت والجهد وأجرة المعاينة.

وأضاف الطبيب أن هناك قاعدة طبية مهمة تقول، إن “هناك مرضًا وليس هناك مريض”، أي لا يمكن تشخيص العلاج نفسه لشخصين مختلفين، فعندما يأتي مريضان لديهما مثلًا بثور في البشرة، تُحلل كل حالة على حدة، ويوصف الدواء المناسب لها بحسب معايير محددة.

واستبعد قدرة الأطباء على تقديم تشخيص سليم للحالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأن عديدًا من التفاصيل المهمة قبل وضع خطة العلاج وحتى وصف الأدوية تكون بناء على عدة عوامل، منها نوع البشرة، ودرجة حساسيتها، وإن كانت المراجعة أنثى فإن طريقة علاجها تختلف بحسب حالتها الاجتماعية والحمل وغيرهما، وكثير من التفاصيل الأخرى التي تؤخذ من اللقاء المباشر مع المريض، وتُعرف من خلال الفحص المباشر.

ربما يتشابه تشخيص مريضين، بحسب الطبيب، ولكن يعود الاختلاف للعمر والوزن والحالة الاجتماعية والأدوية التي استخدمها المراجع سابقًا، وتعاونه في فترة العلاج، وبالتالي لا توجد نصيحة طبية تناسب الجميع.

ولفت إلى أن أغلبية الصفحات الطبية هي تمامًا لأغراض تجارية بحتة، وجزء منها يكون بغرض تسويق الطبيب لنفسه، لأن ممارسة المهنة الطبية لا يمكن أن تتم بمثل هذه الطريقة.

المدوّنون بدور الناصح

الاستشارية النفسية سعاد عمقي، قالت لعنب بلدي، إن هناك عدة أسباب تدفع المتابعين للجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على معلومة طبية بدلًا من استشارة الطبيب، أبرزها فضول ورغبة الشخص في الحصول على إجابات فورية، أو التواصل مع أشخاص آخرين يشاركون تجاربهم الشخصية مع الأمراض وخطوات تعاملهم معها، وطرق العلاج.

وأضافت أن الهواتف الذكية تسهل حصول الفرد على المعلومة في أي وقت وأي مكان دون الحاجة إلى تحديد مواعيد أو زيارات طبية، فالبحث عبر الإنترنت أقل تكلفة وأكثر سرعة، بينما يشعر الفرد أن امتلاكه المعرفة الطبية يمنحه ثقة أكبر وبأنه المتحكم في صحته.

وذكرت عمقي، وهي مؤسسة عيادة “السعادة النفسية لخدمات الصحة النفسية أونلاين”، أن تعرض المريض في السابق لتجارب سلبية مع الطبيب قد يؤدي إلى البحث عن بدائل أخرى عبر الشبكة.

استخدام المدوّنين على مواقع التواصل الاجتماعي لغة وأسلوبًا يتناسب مع الجيل الشاب، يترك انطباعًا لديهم أن المدوّن يفهم تحدياتهم واحتياجاتهم بشكل أفضل، خاصة إذا كان يتحدث عن تجربته الشخصية في التعامل مع المشكلة الصحية.

“يشعر الشباب بأنهم يتعاملون مع شخص يفهم ما يمرون به، كما أن تفاعل المدوّنين بشكل مباشر مع متابعيهم وامتلاكهم قاعدة جماهيرية كبيرة يجعل الشباب يثقون بتوجيهاتهم ونصائحهم”.

سعاد عمقي – استشارية نفسية

وأكدت عمقي ضرورة أن يكون هناك وعي بأن مواقع التواصل الاجتماعي ليست بديلًا عن استشارة الطبيب، وعلى المتابع التمييز بين المعلومات الدقيقة الموثوقة وبين المعلومات غير الصحيحة والضارة، من خلال البحث عن مصادر طبية موثوقة مثل منظمة الصحة العالمية، ودراسات علمية ومقالات بحثية، ومنظمات طبية.

ودعت الاستشارية إلى أن يتحقق المتابع من المعلومة من أكثر من مصدر، وينتقي المقالات الأحدث، لأن المعلومات الطبية قد تتغير مع الزمن.

دراسات: ثلث الشباب يفضّلون “تيك توك”

في دراسة استقصائية عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركة المعلومات الصحية، أجرتها الجمعية الأمريكية لتقويم العظام (AOA) عام 2018، اتخذ 32% من الأشخاص إجراءات تتعلق بالصحة مثل تعديل النظام الغذائي، أو تناول مكملات غذائية، أو تغيير روتين تمارينهم الرياضية، أو تجريب علاج بديل بناء على معلومات من وسائل التواصل الاجتماعي.

وذكرت الدراسة من خلال استطلاع رأي شمل 2204 بالغين أمريكيين، أن 15% من الآباء والأمهات الذين لديهم أطفال تقل أعمارهم عن 18 عامًا قاموا بتشخيص المشكلات الصحية ذاتيًا بناء على المعلومات التي قرأوها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وخلصت نتائج الاستطلاع إلى أن المرضى الأصغر سنًا يشعرون براحة أكبر في أثناء التواصل مع طبيبهم مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو البحث عن المعلومات الصحية عبر الإنترنت.

وفي مسح أجرته “CharityRx“، لفهم المصادر التي يلجأ لها الأشخاص للحصول على معلوماتهم الطبية، تبين أن فئة الشباب اعتادوا البحث عن النصائح الصحية عبر المنصات.

وجاء في مسح الشركة المتخصصة بتقديم خدمة خصم في أكثر من 70 ألف صيدلية، واستند إلى عينة من 2000 شخص بالغ أمريكي، أن ثلث الشباب الأمريكيين يأخذون معلوماتهم من منصة “تيك توك” قبل استشارة الطبيب، وقرابة 44% من الأشخاص يتبعون العادة نفسها على منصة “يوتيوب”، بحسب نتائج المسح.

وذكر نصف الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع أنهم كانوا أكثر عرضة لشراء دواء أو مكمل أوصى به أحد المدوّنين على مواقع التواصل الاجتماعي، والأغلبية العظمى من المشاركين بنسبة 89% يدركون أن المدوّنين يسهمون في نشر المعلومات المضللة بمجال الصحة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة