تحديات العدالة الاجتماعية في الهند

tag icon ع ع ع

لمى قنوت

قبل انعقاد مؤتمر قمة العشرين الـ18 بدلهي في 9 و10 من أيلول الحالي، تحت شعار “مهرجان الشعب”، حرصت الحكومة الهندية على حجب فقراء المدينة عن الضيوف وهدم الأكواخ والمنازل القديمة، فمنذ نيسان الماضي، هدمت الشرطة منازل 100 ألف شخص، وتركت السكان الذين لا يستطيعون استئجار منازل يعيشون في الخيام مثل حي “جنتا كامب”، وواصلت الهدم في أكثر من 10 مناطق خلال الأشهر الستة الماضية التي سبقت انعقاد المؤتمر. وخلال انعقاده، فرضت الحكومة حظر التجول، وأغلقت محال الفقراء، وألغت كل الفعاليات والنشاطات الاجتماعية، وغطت أحياء فقيرة أخرى بجدران من القماش أو الصفيح أو اللوحات الإعلانية، وهدمت الأكشاك والمحال على جانب الطريق كي لا يرى زوار المؤتمر أيًا من مشاهد الفقر.

استخدمت الحكومة الهندية حجة عدم الترخيص من أجل هدم منازل الفقراء قبل مؤتمر قمة العشرين، أما منازل الأغنياء فتم استثناؤها من الهدم، مع العلم أن وزير الإسكان والشؤون الحضرية، هارديب سينغ بوري، صرح في البرلمان، عام 2021، ، أن 5.13 مليون شخص، من أصل 16 مليونًا يعيشون في دلهي، يسكنون في عشوائيات غير مصرح بها، وبنيت عبر سنين مضت. يعكس الأسلوب العنيف الذي تعاملت فيه الحكومة الهندية مع الفقراء ومنازلهم ومحالهم علاقة السلطة مع المجتمعات الأكثر بؤسًا، والتي تعيش في مناطق عشوائية متعددة، مثل ولاية مهراشترا التي يعيش أكثر من 19 مليون نسمة من سكانها تحت خط الفقر، ويسكنون عشوائيات تعتبر الأكثر تلوثًا في العالم، وحي درافي في بومباي الذي يعتبر واحدًا من أكبر وأفقر العشوائيات في العالم، والذي يقطنه مليون نسمة.

لا تقتصر معاناة فقراء العشوائيات على عدم الحصول على المياه النظيفة وانتشار الأوبئة والأمراض وسوء الخدمات فقط، وإنما على الطبيعة الديموغرافية والاجتماعية الثابتة للفقراء التي لا تتغير، بسبب سوء الحاكمية وتغول الفساد والأولويات المغلوطة، والفشل في تحسين مستوى التعليم ومستوى العناية بالصحة، رغم أن التحديث الأخير لمؤشر الفقر المتعدد الأبعاد أشار إلى أن الهند شهدت انخفاضًا ملحوظًا في معدلات الفقر، وخرج منه 415 مليون شخص خلال 15 عامًا.

كما لا يقتصر إخفاق السياسات في الهند على ما سبق ذكره، فالتمييز المجحف والمتجذر ضد الأقليات الدينية وتقاعس السلطات عن منع تصاعد جرائم العنف الديني وجرائم الكراهية والدعوة إلى الكراهية ضد المسلمين والمسيحيين وغيرهم من الأقليات، والإجراءات العقابية الرسمية ضد بعضهم، مثل هدم ممتلكات المسلمين دون اتباع الإجراءات القانونية، في تقويض لدستور الهند العلماني الذي يضمن حرية الفكر والتعبير والاعتقاد والإيمان والعبادة، ويتعارض مع المادة “15” التي تنص على حظر التمييز على أساس الدين أو العرق أو الطائفة أو الجنس أو مكان الولادة، ومع المادة “25” التي تنص على الحق في حرية الدين، وتجاهلت السلطات القوانين التي سنتها بعض الولايات لتجريم الزيجات الطوعية بين أشخاص من ديانات مختلفة.

جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في مناخ الإفلات المستمر من العقاب تشكّل تقويضًا للمواطنة والعدالة، وخاصة مع صعوبة كسر الحواجز الهيكلية للإبلاغ عن الجرائم والانتهاكات التي تواجه الناجيات بشكل عام والناجيات من التمييز والعنف على أساس الجنس والدين والطبقة الاجتماعية بسبب الوصم والخوف من الانتقام والعوائق المؤسسية أمام العدالة، وتكثر الأمثلة على وقوف السلطات المحلية مع المعتدي/المعتدين وضد الضحايا/الناجيات وعرقلة وصولهن إلى العدالة. ولا يزال تصنيف الهند كواحدة من أخطر الدول على النساء والفتيات ماثلًا بسبب بنيوية العنف الجنسي والجنساني ضدهن، فمثلًا، في عام 2020، تم التبليغ عن 19631 قضية اغتصاب، وتواجه النساء بتنوعاتهن بشكل متزايد الاعتداءات الجنسية في أماكن العمل، مع غياب تام لتجاربهن في العمل غير الرسمي.

إن فشل المبادرات الحكومية في القضاء على العنف الجنسي والجنساني لا يعود فقط إلى ضعف النظام القضائي أمام تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب، بل إلى تجاهل التمييز الهيكلي المتجذر ضد النساء والفتيات بتنوعاتهن، وإلى التمييز البنيوي القائم على أساس الدين والطبقة والجنس الذي يجعل من أجساد النساء والفتيات ساحة للانتقام من الآخر وسط استقواء أصحاب النفوذ لتكميم أفواه الضحايا وأسرهم ومجتمعاتهم.

أما قضية عشوائيات الفقر الناجمة عن غياب العدالة الاجتماعية، فهي استبعاد اجتماعي، ذو سياق سياسي اجتماعي اقتصادي ثقافي قائم على إقصاء وتهميش الأفراد والجماعات والمجتمعات، ويمتد أثره على الأجيال، ويقوض جوهر المواطنة القائم على المشاركة والمسؤولية والحرية والمساواة، ويقوض أيضًا التنمية المستدامة التي تعتبرها الهند من أولوياتها وتركز عليها في خطاباتها.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة