الموسيقا والرسم "من المحرمات".. 

“الإنقاذ” تستبعد الفنون من المناهج و”تطرد” مدرسيها

طلاب في إحدى مدارس إدلب- 17 من أيلول 2022 (وزارة التربية في حكومة الإنقاذ)

camera iconطلاب في إحدى مدارس إدلب- 17 من أيلول 2022 (وزارة التربية في حكومة الإنقاذ)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – براءة خطاب

“يحز في نفسي أن أُطرد من وظيفتي بهذه الطريقة بعد أن تحملت سنوات من العمل التطوعي والتدريس في أقسى الظروف وسنوات القصف والحرب”.
وجدت رين حيحانو (36 عامًا)، معلمة صف بمدارس ريف إدلب، نفسها عاطلة عن العمل، ومفصولة من المدرسة بعد أن درّست مئات الطلاب الذين أصبحوا اليوم في الجامعات.

وقالت رين المنحدرة من مدينة إدلب، لعنب بلدي، إنها من بين المعلمين والمعلمات الذين تحملوا سنوات من العمل التطوعي والتدريس في الظروف الصعبة، ليكون مصيرهم اليوم الطرد والفصل، دون تقدير لقيمة تعبهم أو تعويض عن مدة خدمتهم الطويلة.

وأضافت أن مدير المدرسة أخبرها أن عليها وضع نفسها تحت تصرف المجمع التربوي، إلى حين توفر شواغر دعم نفسي في إحدى المدارس، بعد فصلها من عملها الحالي ليكون مصيرها في المنزل، عاطلة عن العمل هي وزوجها الذي يعاني دوارًا دهليزيًا جعله يفقد عمله هو الآخر.

وتسبب إلغاء أو إهمال مادتي الرسم والموسيقا من مناهج التعليم في وزارة التربية بحكومة “الإنقاذ” في إدلب بتحويل نسبة كبيرة من معلمي الاختصاصين إلى عاطلين عن العمل، باستثناء قلة منهم التحقوا بشواغر أخرى ضمن مدارس التربية.

من جانبها، قالت حسناء (35 عامًا)، معلمة صف بمدينة إدلب، إنها قضت معظم سنوات عملها في تدريس المرحلة الابتدائية دون توقف، رافقتها سنوات من العمل التطوعي في التدريس، واكتسبت خبرة قوية في مجال التعليم.

نُقلت حسناء في نهاية العام الدراسي 2022 إلى مدرسة في قرية مشهد روحين بإدلب، وما هي إلا عشرة أيام حتى تم إبلاغها بأنه لا يوجد شاغر لها في الوقت الحالي، وأن عليها أن تضع نفسها تحت تصرف التربية.

ورفضت التربية عدة مرات طلب حسناء إعادتها إلى وظيفتها القديمة (معلمة صف)، وأبلغتها بإمكانية التقدم لشاغر دعم نفسي فقط، لكونها تحمل شهادة من المعهد المتوسط للرسم، وهي واحدة من عشرات المعلمات اللواتي يحملن الشهادة ذاتها.

وقالت إنها خضعت لدورات تأهيل تربوي، وإعداد مدرسين، ودورة تعليم في ظل الأزمات، وأصبحت بمستوى “عالٍ” من الكفاءة، وخضعت لفحص واختبار من قبل الموجهين التربويين في السنوات السابقة.

 لا توضيحات من “الإنقاذ”

غابت مادتا الرسم والموسيقا في المنهاج الدراسي المطروح بمدارس مدينة إدلب منذ سيطرة الفصائل العسكرية عليها عام 2015، ولا سيما “هيئة تحرير الشام” ذات السيطرة العسكرية الكبرى.

مدير التربية والتعليم في حكومة “الإنقاذ”، أحمد الحسن، قال لعنب بلدي، إن التربية عوّضت الرسم والموسيقا من خلال أنشطة في الدعم النفسي والرياضة وأنشطة الحماية، ويقوم بها معلمو الرسم والموسيقا حسب الشاغر المتوفر.

ولم يقدم الحسن توضيحات بشأن سبب غياب مادتي الرسم والموسيقا في المناهج التعليمية ضمن المدارس، وخيارات وزارة التربية في التعامل مع معلمي هذين الاختصاصين.

راجع عدد كبير من المعلمين مديري مدارسهم ووزارة التربية والتعليم في إدلب للعدول عن القرار، إلا أن الجميع تنصل من مسؤوليته، واكتفى بما نص عليه القرار، بحسب أقوال بعض المعلمين لعنب بلدي.

مديرة مدرسة في مدينة زرزور بريف إدلب، طلبت عدم ذكر اسمها لأسباب أمنية، قالت لعنب بلدي، إنه مع بداية الفصل الثاني من العام الدراسي، فُصل عدد كبير من المدرسين حاملي شهادتي الفنون والموسيقا بقرار من التربية.

وبحسب مديرة مدرسة زرزور، فإن مادتي الموسيقا والرسم من المواد التي تعتبر خارج المنهاج، وإن هناك ست حصص رسم مقررة لطلاب المرحلة الثانوية، دون وجود معلم متخصص، وغالبًا ما يأخذ أحد المعلمين هذه الحصص لإكمال عدد ساعاتهم.

أما الموسيقا فلا وجود لها في البرنامج الأسبوعي، باعتبارها من المحرمات.

واستبدلت التربية بالمعلمين من حملة هذه الشهادات آخرين مختصين، ووجهت المعلمين من حملة تلك الشهادات بوضع أنفسهم تحت تصرف المجمع للحصول على الشواغر المتاحة في اختصاص الدعم النفسي.

آثار سلبية على الطلاب

ترى الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك أن الموسيقا أحد الجوانب الروحانية التي يمكن أن يتأثر الإنسان بها سلبًا أو إيجابًا، وتُستخدم في تحسين والحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية، ويتضمن هذا نطاقًا واسع من النشاطات، مثل الاستماع إلى الموسيقا والغناء والعزف على آلة موسيقية.

وأضافت عبد الملك أن هناك أنواعًا من الموسيقا قادرة على تخفيف أعراض مشكلات الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق.

منسق الحماية وبناء القدرات في منظمة “حراس الطفولة”، محمد زياد اليسوف، يرى أن غياب الأنشطة مثل الرسم يقلل من قدرة التعبير الفني لدى الطفل، ويضعف التطور الإبداعي، ويمكن أن يؤثر على التعبير العاطفي، كما يقلل من ثقة الطفل بنفسه.

وأوضح اليسوف في حديث إلى عنب بلدي، أن الرسم يعد وسيلة لتفريغ الأفكار والمشاعر بشكل إبداعي، مضيفًا أنه يساعد على تطوير الخيال والإبداع عند الطفل، ويسهم في تنمية المهارات التي تساعد على الانضباط الذاتي والتركيز.

ويؤدي غياب مثل هذه الأنشطة إلى ضعف قدرة الطفل على ابتكار أفكار جديدة، بالإضافة إلى صعوبة في التعبير عن المشاعر، كما يؤثر على التطور الشخصي لدى الأطفال.

ومن المهم تشجيع الأطفال على ممارسة الرسم، لأنه يطور كثيرًا من الجوانب الإبداعية لديهم، ما يؤدي إلى انعكاسها بشكل إيجابي على المجتمع، بحسب ما قاله اليسوف لعنب بلدي.

مهن بديلة

عدد قليل من معلمي الشهادتين وُظفوا ضمن شواغر متاحة لدى مدارس التربية في إدلب، مثل الدعم النفسي، وقسم قليل منهم اتجه إلى التعليم في المعاهد أو الروضات الخاصة أو غيرها.

الشريحة الكبرى من أصحاب الشهادتين بقيت عاطلة عن العمل بعد استبعاد المادتين من المنهاج، بحسب ما رصدته عنب بلدي.

فُصلت كوثر من المدرسة منتصف العام الدراسي الماضي، بقرار صادر عن وزارة التربية والتعليم في حكومة “الإنقاذ” بمحافظة إدلب، يقضي بإيقاف عمل عدد كبير من المعلمين من عدة اختصاصات.
اتجهت كوثر بعدها إلى التدريس ضمن روضة خاصة في مدينة الحمامة بريف إدلب، مقابل أجر شهري قدره 100 دولار، ريثما تحصل على عمل براتب أفضل.

من جهته، قرر مصطفى الأكتع (41 عامًا)، من مدينة جسر الشغور، حاصل على شهادة المعهد العالي للموسيقا، التوجه نحو الأعمال الحرة لتأمين مصروف عائلته المكونة من خمسة أشخاص.

وقال مصطفى لعنب بلدي، إنه كان موظفًا في القسم الإداري لعدة سنوات، ليخبره مدير المدرسة مع بداية الفصل الثاني من العام الدراسي الماضي بقرار فصله هو وعدد كبير من المدرسين.

وأوضح أنه يعمل أحيانًا بالقطاف في المواسم الزراعية، وأحيانًا يحتطب ويبيع، وفي أغلب الأوقات يجلس مكتوف اليدين دون عمل.

والتقت عنب بلدي سابقًا بمعلمات ومعلمين في أثناء اعتصام عدد منهم أمام مبنى المديرية في إدلب، للمطالبة بالعدول عن القرار الذي وصفوه بأنه “غير عادل”، وطالبوا بحقوقهم في العودة إلى المدارس.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة