تعا تفرج

مسابقة: من مجرمك المفضل؟

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

يتحدث السوريون عن العدالة، مثلما تتحدث الحموات عن الكنات في أثناء الخبز على التنور. تقول إحداهن، وهي ترق العجينة، وتبعد وجهها عن وهج النار، إن كنتها قليلة ذوق، لا يخطر ببالها أن تدق بالهاون إلا عندما يكون زوجها نائمًا!

تؤكد الثانية أن كنتها أقل ذوقًا، فهي لا تكتفي بدق الهاون، بل وتضحك وتتسهسك مثل العايبات، والغريب أن ابنها يدافع عنها، مع أنه، في أيام العزوبية كان يتضايق من صوت حفيف الورق، فما بالكنّ بدق الهاون والسهسكة؟ وتصل إلى نتيجة ملخصها أن ابنها يحب تلك “السرنوّة” أكثر من أمه، متناسيًا أن الجنة تحت أقدام الأمهات. وتضحك الثالثة وتقول: ولي عليكي يا أم سماعين، قديش أنت حوبة، عن جد ما بتعرفي ليش ابنك بيحب مرته أكتر منك؟ أي ما بدها ذكا تشكلي آسي!

على هذا المنوال، يحكي الإنسان السوري الطيب عن العدالة التي سوف يسارع السوريون لتحقيقها فور تمكنهم من إسقاط نظام الأسد، وتراه منسجمًا مع نفسه، وهو يتخيل أن الشرطة الثورية سوف تقبض على بشار الأسد، وأفراد عصابته، في ليلة واحدة، والمجلس العسكري الذي سيتولى إدارة المرحلة الانتقالية، سيرسلهم إلى أقرب محكمة، ليطبق فيهم حكم العدالة، وهذا، بلا شك، سيشفي غليل الشعب الذي تعرض لظلمهم، وبطشهم طوال ثلاثة أرباع القرن.

لم أصادف، حتى الآن، سوريًا واحدًا يسأل نفسه إن كانت العدالة قد تحققت مرة واحدة في التاريخ. الجواب، ببساطة، أنها لم تتحقق قط، والجرائم التي ارتكبت بحق البشر وأعفي مرتكبوها من العقاب، منذ فجر التاريخ، تعد ولا تحصى. لا بل إن هناك ما هو أدهى وأمر، وهو أن المجرمين، في تاريخنا العظيم، يصنفون في خانة الأبطال، ومَن يذكر واحدًا منهم، اليوم، في سنة 2023، ينشف ريقه من فرط ما يكيل له المدائح، ويرد عليه آخر بسرد أفعال مجرم آخر، وينشف ريقه هو الآخر وهو يحكي عن جرائمه باعتبارها بطولات، حتى خطر في بالي، ذات مرة، أن أعلن عن مسابقة للإجابة عن السؤال التالي: أخي المواطن السوري، من مجرمك المفضل؟ ولماذا اخترت هذا المجرم بالذات؟

إن إعدام صدام حسين، أيها الأعزاء المحترمون، لا يعني أن العدالة تحققت في العراق، فهو شخص واحد، وضحاياه بالملايين، والذين قتلوه، ليسوا من العراق، ولا من أولياء المظلومين، وعندما أعدمته أمريكا لم يكن يدور في ذهنها مفهوم العدالة، بل إنها غزت العراق لأجل مصالح استراتيجية بعيدة المدى، ونهاية حكمه كانت انطلاقة قوية نحو الاقتتال الطائفي بين الشيعة والسنة، الذي قُتل فيه مئات الألوف من البشر، سواء من المتحاربين أو من المدنيين، والحبل على الجرار. والشعب السوري لم يقتص من حافظ الأسد، بل إن مزارًا فخمًا بني حول قبره، ورفعت الأسد شَحُّو (انظر إليه) ها هو يسرح ويمرح فوق تراب سوريا الطاهر، ومن قال لك إن التراب طاهر؟ ربما كانت صفوة التنور الذي تخبز عليه الحموات، أكثر طهارة من التراب المعجون بدماء أبناء هذا الشعب الغلبان.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة