الصين تستثمر بالنفايات السياسية

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

بعد أكثر من عشر سنوات على اعتقال الدكتور عبد العزيز الخير، وهو الشيوعي العائد من الصين بعد لقائه قيادات شيوعية هناك، ذهب بشار الأسد إلى بكين يطمئنها على استمرار اعتقاله، هو وعشرات ألوف السوريين، فالصين بلد الاستبداد الأبدي!

وفي نفس السياق، ذكر باحث ألماني للإذاعة الدولية الألمانية (DW)، أن العالم لن يكون بخير تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، ومهما كانت مساوئ القيادة الأمريكية للكوكب، فإن الحزب الشيوعي الصيني إن ترأس العالم سيحوله إلى سجن كبير.

ومن هنا يأتي استقبال الصين لبشار الأسد الموسوم بجرائم الحرب، بعد استقبالها عددًا من رؤساء الدول الفاشلة، مثل الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، والرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي. فالرئيس الصيني أرسل طائرة خاصة لمجرم حرب سوريا، أقلته من دمشق ليحضر افتتاح الألعاب الأولمبية، وأعادته إليها بعد محاضرة لشريكته (أسماء الأسد) عن الخصوصية الثقافية وضرورة الحفاظ عليها. تلقي خطابها في بلد ينتهك الخصوصيات الثقافية للإيجور ويحولهم إلى عبيد يعملون بالسخرة، بالإضافة إلى الاضطهاد المستمر لسكان التبت ومختلف الأقليات الثقافية، بما فيها اجتياح بكين لهونغ كونغ ومحو ما تبقى من حرية الرأي والاقتصاد فيها.

ما يهم النظام السوري هو استمرار نمط حكمه الاستبدادي بمعونة الصين، التي استخدمت حق “الفيتو” عشر مرات في الأمم المتحدة ضد إيقاف المذابح في سوريا، وسياسة الاعتقال التعسفي والتدمير الممنهج للبلاد.

ولعل الهندسة السكانية التي نظمتها إيران في سوريا خلال السنوات العشر الماضية ستكون محط ترحيب من قبل الصين، التي تحلم بتصدير عمالتها وشركاتها، والمشاركة في الاستيلاء على الموارد والثروات الباطنية، فالصين تمتلك زخمًا سكانيًا قادرًا على احتلال أماكن ملايين السوريين الذين هجّرهم الأسد بمعونة إيران وروسيا.

يعلن النظام السوري رسميًا أنه يريد اجتذاب الاستثمار الصيني في إعادة إعمار سوريا، فالصين لن تسأله عن الجرائم التي ارتكبها، وهو بدوره سيوقع معاهدات على بياض للصينيين، مثلما فعل مع الإيرانيين والروس من قبل، ولكن هذا الاجتذاب يحتاج إلى استقرار سياسي كي تشعر الشركات الصينية بالأمان، فأصحاب المال هم أكثر الناس خوفًا، وإعادة الإعمار المنشودة تحتاج أيضًا إلى تمويل يصل إلى 250 مليار دولار لن تكون الصين مستعدة له.

خلال السنوات الخمس الأخيرة، اتضح أن لا روسيا ولا إيران ستمدان يد العون بدولار واحد لإعادة الإعمار، بل هما تفكران باستعادة أثمان الطلقات التي قتلوا بها السوريين مع الأرباح المتوقعة لتجارة الموت.

الخليجيون في الوقت الراهن لن يمدوا يد العون، ولن يقوموا بتمويل إعادة الإعمار بكثافة، بسبب العقوبات الأمريكية وقانون “قيصر”، بالإضافة إلى القوائم الأوروبية التي تلاحق مسؤولي النظام الذين ارتكبوا الفظائع.

بالنسبة لرجالات النظام فهم غير مستعجلين على إعادة الإعمار، فنعمة “الكبتاجون” تملأ جيوبهم بملايين الدولارات، إلى جانب الحواجز العسكرية التي تدر المال، بالإضافة إلى عملها كأدوات لإعادة الهيمنة لقوى المخابرات و”الفرقة الرابعة”، وما تقوم به من تشليح واعتقالات.

بدورها، القوة الروسية تتآكل في سوريا بعد حرب بوتين على أوكرانيا، وصارت ميليشيات “فاغنر” من الماضي، وبالتالي هي تخلي مكانها للمتعاقدين الأمنيين الصينيين، الذين يفتحون الطريق أمام الاستثمارات الصينية لتحول التراب إلى ذهب في المستعمرات الصينية التي تتكاثر تحت عنوان الحزام والطريق.

الاستثمارات الصينية المرجوة في سوريا تتهيب العقوبات الأمريكية والأوروبية، والشركات الحكومية الصينية لم تتقدم لاستثمارات مهمة في سوريا، فمصالح الصين مع الأوروبيين والأمريكيين كبيرة رغم اللغو الذي لا يزال سائدًا عن العداء الصيني- الأمريكي، والذي يبشر به حلف الممانعة الممتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية في بيروت.

وبالإضافة إلى استمرار عدم الاستقرار السياسي، فإن تجارة المخدرات التي يحتفي بها النظام قد تكون عقبة كبيرة أمام الاستثمار الصيني، فحروب الأفيون التي امتدت طوال القرن الـ19 تحمل تاريخًا أسود في مخيلة الصينيين، ولم تتخلص الصين من تدفق الأفيون إليها إلا في 1911، بعد أن دفعت ثمنًا غاليًا.

هل ذهب بشار الأسد إلى الصين ليطمئنها بأنه لن يفرج عن أي معتقل، بمن فيهم عبد العزيز الخير، الشيوعي الذي قد تكون الصين أوعزت باعتقاله فور عودته منها في 20 من أيلول 2012؟

أم ذهب ليطمئنها بأن رجاله وحلف الممانعة لن يصدّروا “الكبتاجون” والمخدرات إلى بكين؟

وقد تكون الصين استدعته رغم كل جرائمه، كاستثمار في الدول الفاشلة والنفايات السياسية وإعادة تدويرها، أو كرد فعل على قمة العشرين التي عُقدت في الهند الشهر الماضي، وأُعلن فيها مشروع غربي- هندي ينافس مشروعها، الذي ضمت إليه سوريا العام الماضي، بعد فترة من مشاركة وزير خارجية الصين باحتفالات بشار الأسد بإعادة انتخابه بنسبة 95%، تلك النسبة العزيزة على قلب كل دكتاتور بمن فيهم الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الذي تم اختياره رئيسًا إلى الأبد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة