النظام يجني مكاسبها

الحوالات.. ضغط على اللاجئ و”مسكّن” للمقيم في سوريا

شاب سوري يعد مبلغًا من النقود التركية لإرساله لذويه في سوريا- 7 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ عبد المعين حمص)

camera iconشاب سوري يعد مبلغًا من النقود التركية لإرساله لذويه في سوريا- 7 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ عبد المعين حمص)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

عمّق التراجع الاقتصادي والمعيشي في سوريا، وتحديدًا في مناطق سيطرة النظام، الاحتياجات المالية والمادية للسوريين في تلك المناطق، ما انعكس بدوره على السوريين المقيمين في الخارج ممن يرسلون حوالات مالية إلى ذويهم في تلك المناطق، وتحديدًا خلال الأشهر القليلة الماضية التي تراجعت بها الأوضاع المعيشية إلى مستويات غير مسبوقة، لم ترممها زيادة الرواتب التي أقرها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 15 من آب الماضي

الزيادة جاءت مرفقة بارتفاع أكبر في أسعار المحروقات، وفتحت الباب لاحتجاجات شعبية سلمية في الجنوب السوري، كما حرضت رغبة الهجرة ومغادرة الأراضي السورية لدى آخرين، وهو ما بدا بإعلانات متكررة للجيش اللبناني، فحواها إحباط محاولات هجرة “غير شرعية” من سوريا إلى لبنان.

إياد شاب سوري يقيم في اسطنبول، وتقيم عائلته ضمن مناطق سيطرة النظام، قال لعنب بلدي، إنه كان يرسل ما يتراوح بين ألف وألفي ليرة تركية، لكن هذه المبالغ لم تعد ذات تأثير بعد تحويلها إلى الليرة السورية، أمام الارتفاع الحاد في الأسعار، والقيمة الرمزية للمعاشات الشهرية التي تقرها حكومة النظام.

وأضاف الشاب أنه يتقاضى راتبه الشهري بالليرة التركية، ما يعني تراجع قيمة الراتب أصلًا قياسًا بسعر صرف الدولار الأمريكي، وأمام ذلك وجد نفسه مضطرًا لمضاعفة المبلغ الذي يرسله إلى عائلته في سوريا ليقترب من قيمة ما كان يرسله سابقًا، وهذا المبلغ ليس قليلًا بالنسبة لمن يتقاضى الحد الأدنى للأجور في تركيا (11402 ليرة تركية).

إياد على تواصل مستمر مع عائلته التي تنقل له تفاصيل ارتفاع الأسعار بشكل لحظي ويومي، ما يضطره لزيادة المبلغ الذي يحوله للعائلة، قبل الحديث عن حاجاته الشخصية والالتزامات المالية المفروضة عليه من طعام ولباس وأجور نقل وسكن وغيرها، إلى جانب ارتفاع أسعار السلع والمنتجات في تركيا.

“هبوط الليرة في سوريا وتركيا يضطرني لتحويل نحو أربعة أو خمسة آلاف ليرة شهريًا، وهو مبلغ ليس قليلًا لمن يتقاضى نحو 12 ألفًا أو 13 ألف ليرة تركية، ما الذي يبقى من راتبي بعد مصاريفي والتزاماتي؟”، أضاف إياد.

وحتى 5 من تشرين الأول الحالي، بلغت قيمة الليرة السورية أمام الدولار 12950 ليرة لشراء الدولار الواحد، و13050 ليرة لمبيعه، وفق موقع “الليرة اليوم” المختص بأسعار صرف العملات.

وبالنسبة لليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، بلغ سعر شراء الدولار الواحد 27.4 ليرة تركية، وسعر مبيعه 27.5 ليرة، وفق موقع “doviz” لأسعار العملات.

بحسب اتحاد نقابة العمال في تركيا، بلغت النفقات الغذائية خلال أيلول الماضي (الحد الأدنى للجوع)، لأسرة مكوّنة من أربعة أفراد، نحو 13334 ليرة تركية.

كما حددت أبحاث النقابة حد الفقر لأسرة مكوّنة من أربعة أفراد بنحو 43433 ليرة تركية، تشمل التغذية والإيجار والتعليم والرعاية الصحية، بينما تزيد التكلفة الإجمالية الشهرية لمعيشة شخص واحد على 17336 ليرة تركية.

قيمة الحوالة

وبالنظر إلى مستوى الاحتياجات المعيشية في مناطق سيطرة النظام، أوضح “أبو عامر”، وهو موظف في القطاع العام بمعاش شهري يبلغ 250000 ليرة سورية (أقل من 20 دولارًا)، أن عائلته التي تضم زوجته وطفلتيه بحاجة إلى نحو 300 دولار شهريًا لتأمين مصاريفها اليومية، يحصل من هذا المبلغ على نحو 100 دولار أمريكي من خلال حوالات خارجية يرسلها إليه أحد أفراد العائلة، مع الإشارة إلى أن عدم كفاية المبلغ يفتح الباب على تراكم كبير في الديون، يصعب تسديدها، ويتطلب في وقت لاحق حوالة مالية أيضًا للتعامل معها.

قال الرجل، “أنا أعتمد على الحوالات بشكل كبير، فالراتب لا يصمد خمسة أيام، والأمر يرتبط أيضًا بقيمة الحوالة”.

ومنذ عام 2020، يعيش نحو 90% من السوريين تحت خط الفقر، بحسب ما ذكرته ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا، في وقت سابق، بالإضافة إلى تقارير منظمات أممية ودولية تحذر باستمرار من فداحة الوضع الإنساني في سوريا، وعمق احتياجات المقيمين في مختلف مناطق السيطرة للمساعدات الإنسانية.

وخلال إحاطة قدمها أمام مجلس الأمن في 29 من حزيران الماضي، أشار وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، إلى أن 90% من السوريين تحت خط الفقر، مع توقعات بأن هذا الرقم أعلى حاليًا.

ولا يعتبر الوضع المعيشي في مناطق النفوذ الأخرى مستقرًا، إذ يعتمد 2.7 مليون شخص في شمال غربي سوريا، ضمن مناطق سيطرة المعارضة، على المساعدات الأممية المنقذة للأرواح، والتي تدخل المنطقة من معبر “باب الهوى” مع تركيا، وفق تصريحات سابقة لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة.

ضغط متعدد الاتجاهات

الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور فراس شعبو، أوضح لعنب بلدي أن الحالة التي تتزايد فيها الحاجة بالداخل، مع وجود ضغط مالي في الخارج أصلًا، لا تحظى بتوصيف اقتصادي دقيق، لكن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والنزوح القلق للسوريين (نزوح غير مستقر)، جراء كوارث وقصف وزلازل، تفاقم الاحتياجات.

اللاجئ الباحث عن تحسين ظروف حياته، والراغب بتكوين نفسه والادخار مثلًا، وجد نفسه مضطرًا بحكم صلات الدم والأواصر الاجتماعية لمساعدة النازح ضمن سوريا مثلًا، وضمن الحدود الدنيا، بما لا يتعدى نحو 50 أو 70 دولارًا في بعض الأوقات، لكنها تشكل شريان حياة بالنسبة لاحتياجات السوريين، وهي برأي الخبير الاقتصادي من سبل العيش في الداخل السوري، وهذه الحالة مستمرة ومتأثرة بتغير الحوادث، فعند الزلازل أو الكوارث يرتفع مستوى إرسال الأموال إلى المقيمين في المنطقة المتضررة، حتى لو تسبب ذلك بضغط اقتصادي أكبر على المرسل.

“البيئة في الداخل السوري ضعيفة اقتصاديًا، فلا المنظمات الإنسانية ولا أي حكومة قادرة على تغطية الحاجة، بالإضافة إلى انهيار متتابع في قيمة العملة المحلية، ما جعل اللاجئ مضطرًا للمشاركة في إنقاذ عائلته أو المقربين منه، ومحاولة انتشالهم معيشيًا قدر الإمكان”، أضاف الخبير الاقتصادي.

ولتجاوز الأعباء المالية، وهي ليست أعباء شخصية، يضطر اللاجئ للعمل أكثر، وربما بطريقة غير مرخصة، لتأمين احتياجاته، وتأمين ما يساعد به عائلته، وهو ما يولد بدوره ضغطًا من نوع آخر، باعتباره يعمل أكثر لكن ليس من أجله على المستوى الشخصي.

النظام مستفيد

لتجاوز هذه الحالة يغيّر كثير من اللاجئين عاداتهم في الاستهلاك والإنفاق، بالإضافة إلى محاولات التوفير والادخار والعمل أكثر، لكن بالنسبة للمقيمين داخل سوريا، فهذه الفكرة غير قابلة للتطبيق على اعتبار أن المواطن السوري تخلى عن كثير من أساسيات الغذاء والحياة في سبيل التأقلم، ولم يعد قادرًا على التأقلم أكثر بعد التخلي عن احتياجات أساسية جدًا، وفق شعبو.

الخبير الاقتصادي لفت إلى أن النظام السوري مستفيد ومتربح من هذه الحالة، إذ يضمن تحويلات دولارية إلى الداخل، تتسلمها شركات تحويل تحت هيمنته، وهو ما يدفع لمزيد من الضغط على المقيمين في الداخل في سبيل دفع المقيمين في الخارج لتحويل أموال أكثر، واستمرار هذه الحالة قد يفضي إلى ارتدادات عنيفة على أكثر من مستوى.

وبحسب دراسة صادرة عن مؤسسة “فريدريش إيبرت” في أيلول 2019، أدى التشتت الذي عاشه السوريون خلال سنوات الثورة إلى تحسين الظروف المعيشية لكثير من العائلات.

ووفقًا للدراسة، فقد كان الآباء هم المتحكمين بممتلكات العائلة ومواردها، ما منحهم القدرة على ممارسة دورهم الاقتصادي بشكل فاعل خلال السنوات الأولى للثورة السورية، ثم انتقلت الأعباء المادية بعد ذلك إلى جيل الأبناء، الذي أثبت قدرة أكبر على التأقلم مع المتغيرات في سوق العمل، إذ استطاع كثير من الأبناء بعد عام 2011 تغيير مهنهم، بخلاف الآباء الذين أبدوا مرونة أقل حيال ذلك.

ومع خسارة كثير من العائلات ممتلكاتها جراء القصف والعمليات العسكرية، حظي الأبناء بالدور الاقتصادي في الأسرة، مع محافظة الآباء على الدور الاجتماعي الرابط بين أفراد الأسرة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة