الاحتطاب في حوض اليرموك.. معركة وقودها البرد والفقر

الجانب السوري من منطقة حوض اليرموك غربي محافظة درعا، بمحاذاة الحدود الأردنية- 4 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ حليم محمد)

camera iconالجانب السوري من منطقة حوض اليرموك غربي محافظة درعا، بمحاذاة الحدود الأردنية- 4 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ حليم محمد)

tag icon ع ع ع

بمنشار يعمل على الوقود يقص محمد الحطب، متنقلًا بين طرفي نهر اليرموك، أو ما يعرف محليًا باسم منطقة “الشريعة” في عمق وادي اليرموك، على الحد الفاصل بين سوريا والأردن، حيث تكثر أشجار الكينا، وتشكل مصدرًا جيدًا للحطب بالنسبة للباحثين عن وسائل للتدفئة، تحتاج جهدًا بدنيًا، لا ماديًا.

ويخاطر الشاب البالغ من العمر 26 عامًا، وهو من سكان ريف درعا الغربي، إلى جانب آخرين يعملون معه، بحياتهم، في ظل احتمال تعرضهم لإطلاق نار من قبل حرس الحدود الأردني، حالهم حال مزارعي المنطقة أو رعاة المواشي فيها، أو انفجار أجسام من مخلفات الحرب بين أقدامهم.

ويتعامل حرس الحدود الأردني بحزم مع من يقترب من حدوده داخل الأراضي السورية، كجزء من التوتر الأمني الذي تشهده الحدود بين البلدين منذ سنوات، على خلفية عمليات تهريب المخدرات التي يعاني منها الأردن منذ سنوات.

دفء ثمنه المخاطر

لا تخلو المنطقة التي يبحث فيها الشباب عن جذوع أشجار الكينا، من ألغام زرعها الجيش السوري، أو تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي تمركز في المنطقة لسنوات، وأسفرت هذه الألغام عن ضحايا من الرعاة والمزارعين، وأفراد عسكريين خلال السنوات الماضية.

محمد،  الذي تحفظ على اسمه الكامل مدفوعًا بمخاوفه الأمنية، قال لعنب بلدي إن المخاطر المحيطة بحصوله على وسيلة التدفئة الوحيدة لعائلته، لا تمنعه من الاستمرار فيها، علمًا أنه كان شاهدًا على حوادث إطلاق نار من قبل الجيش الأردني نحو الأحراش الكثيفة بالمنطقة نفسها.

وخلال قمة الشرق الأوسط العالمية، في 20 من أيلول الماضي، قال الملك الأردني، عبد الله الثاني، إن إيران وعناصر من النظام السوري يستفيدون من تجارة المخدرات، وأضاف أنه غير متأكد مما إذا كان “الأسد يتولى المسؤولية الكاملة عن البلاد” في ضوء “المشكلة الكبيرة” المتمثلة في تهريب المخدرات والأسلحة.

من جانبه، يرى عبد الهادي ذو الـ25 عامًا، وهو من مرتادي وادي اليرموك بحثًا عن بعض الأخشاب، أن وعورة المنطقة “ليست بالأمر الكبير” مقارنة بالمخاطر المحدقة بحياة من يتجول فيها، واحتمالية تعرضه لإطلاق نار، أو تعثره بلغم حربي، خلال رحلة التحطيب اليومية التي يجريها مع رفاقة على أعتاب فصل الشتاء.

لا نملك وسائل حماية فعلية في حالة تعرضنا لإطلاق نار، كل ما باستطاعتنا هو أن نحتمي بين الصخور، ننتظر زوال شكوك الجيش الأردني، ثم نعود إلى عملنا في جمع الحطب الذي صار يشبه معركة دوافعها فقر السكان، وبرد الشتاء.

عبد الهادي.
شاب سوري من أبناء ريف درعا الغربي يجمع الحطب بشكل دوري بالقرب من الحدود السورية- الأردنية.

وأضاف الشاب أن الباحثين عن جذوع الأشجار والأغصان في حوض اليرموك، يدرسون خطواتهم خوفًا من المخاطر القادمة من تحت الأرض، كالألغام ومخلفات الحرب، ويراقبون السفح الأردني المطل على المنطقة، بينما يمر المنشار في لب الخشب.

وادي اليرموك، على يمين الصورة الأراضي الأردنية، وتقابلها الأراضي السورية على اليسار، وتنتشر الأشجار في قعر الوادي حيث يبحث سوريون عن أغصان يوقدونها في فصل الشتاء- 4 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ حليم محمد)

وادي اليرموك، على يمين الصورة الأراضي الأردنية، وتقابلها الأراضي السورية على اليسار، وتنتشر الأشجار في قعر الوادي حيث يبحث سوريون عن أغصان يوقدونها في فصل الشتاء- 4 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ حليم محمد)

خيارات محدودة

عمل محمد خلال رحلته الأحدث إلى منطقة حوض اليرموك على تكثيف جهده، وجمع أكبر قدر ممكن من جذوع أشجار الكينا لتكفيه أطول مدة ممكنه، نظرًا لعدم قدرته شراء الحطب من السوق المحلية، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

ووصل سعر طن “حطب الكينا” إلى مليوني ليرة سورية (نحو 152 دولارًا)، في حين وصل سعر طن الحطب من جذوع أشجار الزيتون إلى ثلاثة ملايين (نحو 222 دولارًا) حاله حال حطب البلوط والسنديان.

وتحتاج عائلة محمد ما يقارب ثلاثة أطنان من الحطب خلال فصل الشتاء، أي أنه يحتاج إلى ستة ملايين ليرة كحد أدنى خلال المدة الزمنية نفسها، وهو ما وصفه بأنه بعيد عن المنال في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.

ولا خيار بديل عن الحطب، بحسب محمد، إذ وصل سعر ليتر المازوت في السوق السوداء إلى 15 ألف ليرة سورية (نحو دولار واحد)، بينما توزع مديرية المحروقات التابعة لحكومة النظام في درعا 50 ليترًا لكل عائلة لا تكفي لتدفئة عائلة كاملة أكثر من 15 يومًا، بحسب محمد.

وفي 17 من أيلول الماضي، رفعت وزارة التجارة وحماية المستهلك في حكومة النظام أسعار المحروقات، بعد تراجعها عن القرار مطلع الشهر نفسه.

وتضمن القرار، رفع أسعار المازوت “الحر” والفيول والغاز السائل “دوكما” الموزعة للقطاع الصناعي والقطاعات الأخرى.

وحددت الوزارة سعر ليتر المازوت “الحر” بـ13000 ليرة سورية بدلًا من 12360 ليرة، بينما بلغ سعره على البسطات في شوارع درعا 15000 ليرة.

متجر لبيع الحطب في بلدة تل شهاب في ريف درعا الغربي- 8 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي/ حليم محمد)

متجر لبيع الحطب في بلدة تل شهاب في ريف درعا الغربي- 8 من كانون الأول 2022 (عنب بلدي/ حليم محمد)

النقل بطرق بدائية

جهود محمد متشابهة مع معظم مرتادي المنطقة للغرض نفسه، إذ يقص موسى (40 عامًا)، وهو من أبناء ريف درعا الغربي أيضًا، ما يقارب 100 كيلوجرام من الحطب، مستهلكًا جهد يوم كامل، ويحتاج بحسب ما قاله لعنب بلدي إلى شهر كامل لتأمين مستلزمات التدفئة لفصل الشتاء.

أما عبد الهادي، فقال لعنب بلدي إن تحميل الحطب على الحمير هي جزء رئيس من عمله في الوادي، نظرًا لعدم قدرة وصول الآليات إلى قعره، ولا يمكن لأي شخص حمل الكميات التي يجنيها المحتطبون إلى قمة السفح.

وبالنسبة لمحمد، لا تنتهي رحلة جمع الحطب عند تجاوز المخاطر التي قد تواجه الباحثين عنه، إذ تعتبر عملية نقل الأخشاب من قعر وادي اليرموك نحو القرى المجاورة عملًا شاقًا، يتكل فيه محمد على الحمير، فيحمل عليها الحطب إلى خارج الوادي.

عند صعود الحمولة إلى السفح، تنقل الأخشاب إلى دراجات نارية، وتربط على مقاعدها لتنطلق بين الطرق الترابية الوعرة، حتى تتمكن من الوصول إلى طريق منبسط صالح لسير السيارات فيه، ومنها تنقل نحو وجهتها الأخيرة حيث تخزن.

وتعرضت أحراش في محافظة درعا للتحطيب خلال السنوات الماضية إذ قضت التعديات على معظم الأحراش وجوانب الطرق وخاصة أحراش جلين، ومحمية تسيل، وسد العلان، وأحراش عشترة والمزيريب ودرعا البلد وغيرها من المحميات.

علامة تركها جامعو الحطب لسائق السيارة تهدف لتحديد نقطة اللقاء، وتظهر سكة الحجاز التي بنتها الدولة العثمانية في المنطقة قبل أكثر من مئة عام- 4 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ حليم محمد)

علامة تركها جامعو الحطب لسائق السيارة تهدف لتحديد نقطة اللقاء، وتظهر سكة الحجاز التي بنتها الدولة العثمانية في المنطقة قبل أكثر من مئة عام- 4 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ حليم محمد)

أثر سلبي للاحتطاب

أعداد “كبيرة” من أشجار وادي اليرموك قطعت، وبات ملحوظًا انخفاض اللون الأخضر في قعر الوادي إثر التحطيب المنتشر في المنطقة، وهو ما يراه محمد على أنه أثر سلبي على البيئة، جمال المنطقة، لكنه يرى أن الخيارات في هذا الصدد محدودة.

محمد قال إنه كان يأتي إلى وادي اليرموك قبل عشر أعوام، عندما كان طفلًا، يلعب مع رفاقه بالمنطقة التي كانت تملأها الأشجار، وتحيط بالبحيرات الصغيرة، وتنتشر على جوانب الطرق، لكنها صارت اليوم نادرة، متأثرة بأعمال التحطيب بالمنطقة.

وكانت التدفئة على الحطب أمرًا نادرًا في ذلك الوقت بحسب محمد، إذ كان يعتمد السكان على التدفئة بالمازوت (الديزل) أو الكهرباء أو حتى الغاز في بعض الأحيان، لكنها صارت تعتمد بشكل رئيسي على الحطب الذي كان متوفرًا بالمنطقة بكثرة.

ويعتبر القطع العشوائي للأشجار ذو تأثير سلبي على البيئة، لكنه لم يتوقف في عموم سوريا، ومنها درع منذ سنوات، وطالت عمليات القطع المحميات الحرجية، وتزداد التجاوزات على الأشجار بداية فصل الشتاء، إذ يلجأ السكان لقطع الأشجار لاستخدامها في التدفئة.

وتعتبر تحركات الضابطة الحرجية التابعة لمديرية زراعة درعا خجولة، إذ نظمت 23 ضبطًا خلال الأشهر الستة من العام الحالي، بحسب ما قاله رئيس دائرة الحراج في مديرية زراعة درعا، جميل العبد الله، لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) مطلع حزيران الماضي.

وأضاف أن الضبوط توزعت على مخالفات تتعلق بالقطع، والتشويه، وقلع الغراس، وتركزت المخالفات في مدينتي درعا ونوى.

وتبلغ مساحة الأشجار الحرجية في درعا 10324 هكتار تحريج صناعي، و300 هكتار تحريج طبيعي، تتركز في وادي معرية في حوض اليرموك.


شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة