وسط منافسة "التركية" ورداءة المواد الأولية

صناعة الحصر البلاستيكية في إدلب تصارع للبقاء 

آلة تصنيع حُصر بلاستيكية في ريف إدلب- 30 من أيلول 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

camera iconآلة تصنيع حُصر بلاستيكية في ريف إدلب- 30 من أيلول 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

tag icon ع ع ع

إدلب – أنس الخولي

يضطر محمد إلى الغياب عن أسرته في مخيم “كفر عروق” شمالي إدلب طيلة أيام الأسبوع، لأنه يعمل بنظام ورديتين في معمل للحصر البلاستيكية لتحصيل لقمة عيشه، وسط مخاوف من توقف المعمل وضياع مصدر رزقه.

ويجد محمد أزون، وهو أحد العاملين في مهنة صناعة الحصر، صعوبة في الانتقال إلى العمل يوميًا، لذلك يضطر إلى النوم في المعمل ومواصلة العمل بورديتين كل واحدة منهما ثماني ساعات في حال تشغيل المعمل، ويتقاضى 150 دولارًا أمريكيًا شهريًا (4120 ليرة تركية) في أحسن الأحوال.

ولا يعمل محمد، وهو مهجر من قرية معر شورين قرب معرة النعمان، بشكل ثابت ومستمر، بسبب الطلب القليل على الحصر، إذ يتم تشغيل المعمل لحين ملء المستودعات، ويتوقف بعدها لحين تصريف البضاعة الذي يستغرق مدة شهرين، ويبقى العمال دون عمل طيلة هذه المدة.

تعاني صناعة الحصر في إدلب من غياب المقومات الأساسية للإنتاج، وأهمها عدم وجود أسواق التصريف، ورداءة المواد الأولية، وغياب الخبرات.

كانت صناعة الحصر نشطة بكثرة في أرياف حماة وإدلب، وبسبب تهجير قوات النظام للأهالي من تلك المناطق أواخر عام 2019 ومطلع عام 2020، باتت صناعتها تقاوم اليوم للبقاء والاستمرار شمالي إدلب، إذ تفرقت المعامل والعاملون فيها.

غياب أسواق التصريف

أحمد معردبساوي (50 عامًا)، صاحب معمل لصناعة الحصر في إدلب، قال لعنب بلدي، إن أهالي ريف إدلب، وخصوصًا قرية معر شورين، يشتهرون بصناعة الحصر والإسفنج، وكانت القرية تضم أكثر من 150 ورشة، بالإضافة إلى معامل حبيبات البلاستيك وتجار المواد الأولية، ما خلق عديدًا من فرص العمل، وخفف عن أصحاب العمل أجور النقل والمصاريف.

توقفت ورشة أحمد عن العمل في معر شورين عام 2019، بسبب ظروف الحرب وغياب المقومات الأساسية للإنتاج، وبعد التهجير تعرضت آلاته للتكسير والتضرر بشكل كبير، واستطاع أحمد، بعد عناء، إيجاد أحد الفنيين لإصلاح الآلات والبدء بعملية الإنتاج.

وبحسب أحمد، فإن 90% من العاملين بهذه المهنة هجروها جراء صعوبة إعادة تشغيل المعامل وغياب أسواق تصريف البضاعة، لافتًا إلى أن الأسواق المحلية راكدة بسبب الظروف المعيشية القاسية، وأن الطلب غير كافٍ لتشغيل الورشات.

وأوضح صاحب الورشة أن الورشات سابقًا كانت تعتمد على تصدير البضاعة إلى أسواق العراق ولبنان، أما اليوم فحلت البضائع التركية محل بضاعتهم، بسبب ارتفاع تكاليف استيراد المواد الأولية للورشات وارتفاع أجور النقل، ما جعل البضائع التركية أعلى جودة وأقل ثمنًا.

وأدى غياب أسواق التصريف إلى تراجع إنتاج الورشات، وانخفض لأكثر من 80% عن إنتاج ما قبل عام 2011.

وكانت ورشة أحمد تنتج شهريًا نحو 600 ربطة من الحصر، وتتألف كل ربطة من عشر قطع، وتباع للتجار الذين يصدرونها (حتى قبل الانتهاء من تصنيعها)، أما اليوم فتنتج الورشة من 200 إلى 300 ربطة، وتكدس في المخازن ويتوقف المعمل عن الإنتاج لحين بيع البضاعة.

انخفاض الجودة

تراجعت جودة صناعة الحصر المحلية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج ورداءة المواد الأولية المستعملة في هذه الصناعة، واعتماد مصنعي المواد الأولية على إعادة تدوير المواد البلاستيكية التالفة.

وقال صاحب ورشة صناعة الحصر، إنه كان يعتمد في الإنتاج على الحبيبات البلاستيكية المستوردة من السعودية والكويت، ذات الجودة العالية، ما يساعد في إنتاج بضائع منافسة في الأسواق.

وذكر أن التجار يستوردون حاليًا حبيبات بلاستيكية “درجة رابعة” مليئة بالشوائب والأوساخ، وبتكلفة أعلى بكثير من السابق، بسبب ارتفاع أجور النقل ورسوم المعابر، وطول المدة التي تستغرقها عملية الاستيراد، لافتًا إلى غياب الرقابة التموينية على عملية الاستيراد.

وأضاف أحمد أن أصحاب بعض الورشات حاولوا الاستغناء عن المواد المستوردة الرديئة، والاعتماد على عملية إعادة تدوير الحصر والمواد البلاستيكية التالفة، لكن الحبيبات الناتجة عن عملية إعادة التدوير غير ملائمة لهذه الصناعة، بسبب صعوبة صبغها بالألوان المناسبة.

وأشار أحمد، خلال حديثه لعنب بلدي، إلى أن الاعتماد على مواد أولية رديئة في هذه الصناعة يؤدي إلى رداءة الإنتاج وقصر العمر الافتراضي للبضائع المنتجة، وعدم رضا المستهلكين، مطالبًا الجهات المعنية بإعفاء الصناعيين من رسوم الاستيراد، وفرض رقابة على المواد المستوردة، ما يحفز الإنتاج ويساعد بالعودة للأسواق الدولية، حسب قوله.

ويقبل السكان على شراء الحصر البلاستيكية بسبب أسعارها المنخفضة مقارنة بالسجاد، ويتراوح سعر الحصير بين تسعة وعشرة دولارات، ويختلف السعر بحسب القياس المطلوب.

ويزداد الطلب على الحصر في فصل الصيف، وتشكل بديلًا عن السجاد خلال الشتاء لأصحاب الدخل المحدود والضعيف.

ويعاني عدد كبير من سكان شمال غربي سوريا الفقر المدقع، وتراجعًا وعجزًا في القدرة الشرائية لديهم وقلة فرص العمل، وتضم المنطقة 4.5 مليون إنسان، 4.1 مليون منهم بحاجة إلى مساعدة، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، ولا تتجاوز أجرة العامل في أحسن الأحوال 70 ليرة تركية (أقل من ثلاثة دولارات).




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة