لاجئون سوريون في تركيا يروون صدمتهم النفسية

تعذيب وإهانة على يد “الجندرما” خلال الهجرة إلى أوروبا

شاب تعرض للضرب على الحدود اليونانية التركية في أثناء عبوره باتجاه أوروبا (تعديل عنب بلدي)

camera iconشاب تعرض للضرب على الحدود اليونانية التركية في أثناء عبوره باتجاه أوروبا (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ريم حمود

“ضربَنا حرس الحدود التركي، وأهانوا كرامتنا وكأننا أشبه بوسيلة للتسلية ولسنا بشرًا أمامهم”، بهذه الكلمات يروي اللاجئ السوري ماجد، لعنب بلدي، بشاعة تجربته في أثناء محاولة للهجرة إلى أوروبا عبر الحدود البرية بين تركيا واليونان.

يشهد المسار الذي يتبعه اللاجئون السوريون من تركيا إلى أوروبا برًا “عبر الطرق غير الشرعية” صعوبات متزايدة، دفعت كثيرين للتردد بتكرار تجاربهم السيئة في الهجرة.

لم يكن ماجد الوحيد الذي عاش التجربة وشهد هذه الانتهاكات، إذ يتعرض مئات من اللاجئين لانتهاكات لفظية وجسدية لدى عودتهم من غابات اليونان وبلغاريا إلى تركيا، ويترك تعرض اللاجئ لهذه الانتهاكات اضطرابات نفسية قد تمتد آثارها لوقت طويل، بالإضافة إلى احتمالات تغير بشخصيته وابتعاده عن المجتمع المحيط.

رصدت عنب بلدي قصصًا للاجئين سوريين تعرضوا في الفترة الأخيرة للضرب والإهانة من قبل حرس الحدود التركي (الجندرما) أو من جانب موظفين يعملون بمراكز دائرة الهجرة التركية، بعد إعادتهم من قبل حرس حدود الدول التي تعتبر نقطة عبور للوصول إلى أوروبا.

“التسلية” باللاجئين

سببت الحملات الأمنية الأخيرة المعلن عنها تباعًا من قبل السلطات التركية خوفًا لدى اللاجئين السوريين المقيمين على الأراضي التركية، بالتزامن مع تصاعد خطاب الكراهية ضدهم، ما أدى إلى زيادة الإقبال عند فئة من الشباب على الهجرة إلى أوروبا، إضافة إلى المشكلات العديدة التي يواجهونها في تركيا.

ماجد شاب سوري، تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إنه حاول برفقة أربعة من أصدقائه الهجرة إلى أوروبا عبر اليونان، وألقي القبض عليهم من حرس الحدود اليوناني بعد يومين من المضي مشيًا على الأقدام.

وأشار ماجد إلى أن حرس الحدود اليوناني جمعهم لعدة ساعات داخل سجن ليرسلهم بعدها إلى نهر “إيفروس”، ليتسلمهم الجانب التركي الذي كان جاهزًا بالفعل، وهو ما يُشعر بوجود اتفاق مسبق بين الطرفين لتسلم اللاجئين.

ووصف ماجد استقبال الجانب التركي للاجئين وأسلوب الضرب والمعاملة السيئة بأنه أشبه بـ”التسلية باللاجئين”، إذ إن كل الموجودين تعرضوا للضرب من قبل حرس الحدود التركي دون استثناء أو شفقة.

حرس الحدود اليوناني لم يضرب المحتجزين من اللاجئين في أثناء بقائهم لديه لساعات عديدة، وعاملهم بأسلوب “إنساني” بعكس ما فعله عناصر من الجانب التركي، إذ ضربوهم طيلة ساعات الليل، دون سبب أو عذر، بل فقط “للاستمتاع” بوقتهم، وفقًا لما ذكره ماجد.

أعادت السلطات التركية ماجدًا وأصدقاءه إلى الحدود اليونانية، بعد سؤالهم عن رغبتهم بالعودة أو البقاء، مشيرًا إلى أنهم من شدة خوفهم لم يجرؤوا على رفض العودة إلى اليونان، لتتكرر عملية الإعادة إلى تركيا، ما سبب خيبة أمل لهم بنجاح الوصول إلى أوروبا، إذ قرروا العودة إلى مدينة اسطنبول “محطة الخطر”، بحسب ماجد.

أسعد شاب سوري (26 عامًا) يقيم في مدينة اسطنبول، قال لعنب بلدي، إنه في منتصف أيلول الماضي، حاول برفقة شقيقه (16 عامًا) وابن عمه عبور الحدود البرية التركية مع بلغاريا مع مجموعة مكونة من 15 شابًا، إلا أن ما حصل معهم أدخله في حالة صدمة وعدم تصديق صعوبته.

قال أسعد، تحفظ على ذكر اسمه الكامل لمخاوف أمنية، لعنب بلدي، إنه بعد المشي على الأقدام لأكثر من 19 ساعة، قبض الحرس الحدودي البلغاري عليهم بعد قطعهم مسافة تجاوزت أكثر من 40 كيلومترًا داخل الأراضي البلغارية، عبر إفلات الكلاب البوليسية على اللاجئين، ما أدى إلى إصابة قريبه.

وضع حرس الحدود البلغاري اللاجئين وراء الأسلاك التركية بعد تجريدهم من ممتلكاتهم الشخصية وإجبارهم على المشي مسافة تجاوزت 10 كيلومترات، وإعادتهم إلى الأراضي التركية رغمًا عنهم، ليجبروا على تسليم أنفسهم لقوات الجيش التركي، بحسب أسعد.

آثار طويلة الأمد

وفق شهادات اللاجئين السوريين لعنب بلدي، فإن السلطات التركية تعمل على تعذيب المحتجزين نفسيًا أيضًا، ما يؤدي إلى خلق صدمات نفسية تترك تغيرات في شخصية اللاجئ الذي فشلت محاولته الأولى بالهجرة إلى أوروبا لفترات متفاوتة.

الأشخاص الذين التقتهم عنب بلدي، أكدوا عدم قدرتهم على خوض التجربة مرة أخرى، لمخاوفهم من تكرار هذه الانتهاكات بحقهم، وعدم قدرتهم على تحملها، وأشاروا إلى أن “التشديد” على الحدود في الوقت الحالي دفعهم لتأجيل التجربة.

أشار أسعد إلى أن شقيقة الأصغر “تأذت نفسيته” بشكل واضح، ما جعله يرفض فكرة المحاولة مرة أخرى عبر طرق التهريب “غير الشرعية”، خوفًا من إعادة التعذيب الجسدي والنفسي، علمًا أن شقيقه كان متحمسًا قبل أن يشهد تجربة قاسية.

قالت الاختصاصية النفسية آلاء الدالي لعنب بلدي، إن التجربة السيئة قد تترك آثارًا نفسية لدى الشخص، وتتسبب بتغييرات في شخصيته السابقة بعد خوضه التجربة الفاشلة التي تعرض خلالها للضرب والمعاملة السيئة.

بالنسبة إلى المدة الزمنية لتخطي اللاجئ هذه التجربة، فإنها تختلف من شخص لآخر لأسباب مختلفة، إذ إن شخصية اللاجئ ومدة الاحتجاز وعمره وغيرها من العوامل تلعب دورًا مهمًا، فكلما كان عمر الشخص أصغر تبرز النتائج والمشكلات لديه بشكل أوضح من الإنسان الواعي، وفقًا لآلاء الدالي.

 كلما كان حجم الانتهاك أكبر، فإن نتائجه على نفسية الشخص تمتد للمدى البعيد بشكل أوضح، ويبقى اللاجئ يستحضر الانتهاكات التي تعرض لها لمدة تتراوح بين أشهر وعام أو أكثر.

آلاء الدالي – اختصاصية في الطب النفسي

يكمن “الخطر” على الأطفال والمراهقين، إذ يبقون لسنوات غير قادرين على نسيان ما شهدوه خلال تجربتهم في أثناء محاولة الهجرة مع استذكار أغلب التفاصيل، في حال لم يعالَج هذا الطفل من أثر هذه الصدمات في الوقت المناسب، بحسب ما ذكرته الدالي لعنب بلدي.

انخفض عدد السوريين المقيمين في تركيا إلى ثلاثة ملايين و279 ألفًا و152 شخصًا، مطلع العام الحالي، بحسب أحدث إحصائية لرئاسة الهجرة التركية.

وأقدمت “هيئة حقوق الإنسان والمساواة في تركيا” (TİHEK) على رفع دعوى لدى المدعي العام في ولاية غازي عينتاب ضد مركز “Oğuzeli” التابع لدائرة الهجرة التركية في آب 2022، إذ يُحتجز فيه لاجئون قبل ترحيلهم إلى سوريا، بعد إثبات انتهاكات من الموظفين بالمركز ضد اللاجئين المحتجزين.

انتهاكات خارج القانون

يرتكب حرس الحدود التركي وبعض موظفي الحكومة انتهاكات ضد اللاجئين من ضرب وإهانات وتعذيب نفسي وجسدي، وتخالف هذه الانتهاكات القوانين الدولية والاتفاقيات الأوروبية التي وقعت عليها تركيا سابقًا.

وتعرض لاجئون سوريون بعد نقلهم إلى دائرة الهجرة التركية “كيركالي” في مدينة أدرنة للضرب “المبرح” أكثر مما فعله جنود حرس الحدود التركي حين أمسكوا بهم، وفقًا للشاب أسعد الذي حاول الخروج عبر الحدود البلغارية إلى أوروبا.

عضو تنسيق في منظمة “Sığınmacı Hakları platform” (منظمة حقوق اللاجئين) يلدز أونين قالت لعنب بلدي، إنه بموجب القانون الدولي تقع على عاتق الدول التزامات بالتصدي للأخطار التي يواجهها المهاجرون واللاجئون وطالبو اللجوء في البلدان المضيفة وبلدان العبور.

وتنص المادة رقم “33” من اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين على أنه “لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئًا، أو أن تعيده قسرًا بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معيّنة، أو بسبب آرائه السياسية”.

وبموجب الاتفاقية، لا يسمح للدول المتعاقدة احتجاز طالبي اللجوء في مراكز اعتقال بشكل تعسفي، ما لم يرتكبوا جرائم.

وأوضح أسعد لعنب بلدي، أن الانتهاكات التي حصلت مع المحتجزين من ضرب وشتائم كانت من موظفين حكوميين يعملون في دائرة الهجرة التركية، وأكد أن معاملتهم كانت أسوأ من حرس الحدود التركي الذي يعمل على حماية حدود دولته.

علقت يلدز أونين على انتهاكات الحكومة التركية بأنه لا توجد مادة تنص على التعذيب في الدستور أو القانون بأي مكان في العالم، وبعكس ذلك فإن تركيا وقعت على الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة السيئة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة، التي تم اعتمادها في أوروبا عام 1987 ودخلت حيز التنفيذ عام 1989.

وأشار أسعد إلى حرمانهم من قبل الجيش التركي وعناصر دائرة الهجرة من الدخول إلى الحمامات وشرب المياه، ومن يجرؤ على شرب المياه التي وصفها بـ”غير الصالحة للشرب” يُضرب بالعصا من العناصر الموجودين في المكان، بالإضافة إلى الضرب دون أسباب واضحة وفقط لأنهم “يريدون ذلك”.

بقي أسعد وشقيقه في دائرة الهجرة التركية بمدينة أدرنة نحو يومين لم يتناولا خلالهما إلا وجبة واحدة، ومُنعا من التواصل مع عائلتهما منذ اللحظة التي ألقي القبض عليهما فيها من حرس الحدود البلغاري.

ووفق المادة “94” بعنوان “التعذيب” من قانون العقوبات التركي الحالي رقم “5237” من الفصل الثالث، فإن الموظف الذي يرتكب أفعالًا ضد شخص لا تتفق مع كرامة الإنسان وتسبب معاناة جسدية أو عقلية أو تؤثر على قدرته على الإدراك أو قوة الإرادة أو تعرضه للإهانة، يُعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاث سنوات و12 عامًا، بحسب ما قالته يلدز أونين.

الاتفاقيات والقوانين المذكورة أعلاه تلزم جميع موظفي الحكومة التركية بتنفيذها بالكامل، وفقًا ليلدز أونين.

ذكرت عضو التنسيق يلدز أونين لعنب بلدي، أنه يحق للشخص الذي تعرض للإهانة رفع دعوى قضائية ضد الشخص الذي عذبه وعرضه للانتهاكات، لكنها تستغرق وقتًا طويلا في تركيا، وغالبًا ما تصدر أحكام لا تعوض الضحية بشكل كامل.

يحق للشخص الذي تعرض للإهانة رفع دعوى قضائية ضد الشخص الذي عذبه وعرضه للانتهاكات، لكنها تستغرق وقتًا طويلا في تركيا، وغالبًا ما تصدر أحكام لا تعوض الضحية بشكل كامل.

يلدز أونين – عضو تنسيق في منظمة “Sığınmacı Hakları platform” التركية

وأصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها الصادر نهاية 2022، نقلًا عن سوريين مرحّلين، أن السلطات التركية اعتقلتهم من منازلهم وأماكن عملهم ومن الشوارع، واحتجزتهم في “ظروف سيئة”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة