“لا عدالة للتعذيب في سوريا”.. النظام السوري لا يفي بالتزاماته

استعراض صور قيصر المسربة من سجون النظام السوري التي تظهر المعتقلين مقتولين إثر التعذيب داخل السجون - 13 من تموز 2020 (عنب بلدي / يوسف غريبي )

camera iconاستعراض صور "قيصر" المسربة من سجون النظام السوري التي تظهر المعتقلين مقتولين إثر التعذيب داخل السجون- 13 من تموز 2020 (عنب بلدي- يوسف غريبي)

tag icon ع ع ع

يعد قانون تجريم التعذيب الذي أقره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 30 من آذار 2022، القانون رقم “16” المتضمن “تجريم التعذيب” من أبرز القوانين الإشكالية التي أظهرت تساؤلات كثيرة حول أهدافه الخفية التي تظهر أبعد ما تكون عن “تجريم التعذيب” فعلًا.

وعرّفت المادة الأولى من قانون تجريم التعذيب بأنه “كل عمل أو امتناع عن عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديًا أو عقليًا، يلحق بشخص ما قصدًا للحصول منه أو من شخص آخر على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو تخويفه أو إكراهه على القيام بعمل ما، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب بشخص لأي سبب يقوم على التمييز أيًا كان نوعه، أو عندما يحرض عليه أو يوافق عليه صراحة أو ضمنًا موظف أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية، كما يشمل الأفعال التي تقع من قبل شخص أو جماعة تحقيقًا لمآرب شخصية أو مادية أو سياسية أو بقصد الثأر أو الانتقام”.

تحت عنوان “لا عدالة للتعذيب في سوريا” أصدر “البرنامج السوري للتطوير القانوني“، ومركز “دياكونيا للقانون الدولي الإنساني” ورقة تحليلية تسلط الضوء على فشل السلطات السورية في الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي على الرغم من اعتماد قانون تجريم التعذيب.

تجادل الورقة، الصادرة في 17 من تشرين الأول، بأن ضحايا التعذيب وسوء المعاملة في سوريا سيظلون يواجهون عقبات كبيرة في السعي لتحقيق العدالة والإنصاف على الرغم من قانون تجريم التعذيب.

كما تجادل بفشل قانون تجريم التعذيب في ضمان الحظر المطلق للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على النحو المطلوب بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والتزامات سوريا بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب.

ولم يجرّم القانون السوري بشكل صريح للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على النحو المنصوص عليه في اتفاقية مناهضة التعذيب، وبالتالي عرقلة الاعتراف بضحايا سوء المعاملة على هذا النحو أمام القانون وعرقلة وصولهم إلى سبل الإنصاف والعدالة.

وفشل أيضًا في معالجة الاختفاء القسري كشكل من أشكال التعذيب، دون الاعتراف بالأثر المحدد للاختفاء القسري على الأسر السورية وتوفير سبل الانتصاف لضحايا الاختفاء القسري وأسرهم.

ولم يضع حدًا للإفلات من العقاب الذي يتمتع به أفراد الجيش السوري واستخباراته وقوى الأمن الداخلي ومديرية المخابرات العامة، وبالتالي انتهاك حق الضحايا في التحقيق والوصول إلى الانتصاف القضائي.

بالإضافة إلى الفشل في توفير الإنصاف والجبر الكاملين والفعالين لضحايا التعذيب، بما في ذلك رد الحقوق والتعويض وإعادة التأهيل والترضية والحق في معرفة الحقيقة وضمانات عدم التكرار.

أثر رجعي على ادعاءات التعذيب

ناقشت الورقة التحليلية مسألة تطبيق القانون بأثر رجعي على ادعاءات التعذيب، والمخاوف بشأن حماية الجناة بمزيد من الحصانة، وكذلك بشأن كفاية القانون نفسه لمقاضاة مرتكبي تلك الجرائم وإنصاف الضحايا.

بالإضافة إلى أن فرض عقوبات أكثر صرامة لا يكفي وحده لمعالجة الاستخدام المنهجي للتعذيب في سوريا، فالحاجة تقتضي فرض تدابير أكثر شمولًا لمعالجة الانتهاكات السابقة، ومعالجة الأسباب الجذرية للتعذيب، ومحاسبة الجناة، وتوفير الجبر والتعويض للضحايا، وضمان عدم التكرار.

ويخفق قانون تجريم التعذيب الجديد في معالجة هذه القضايا الحرجة، إذ يتعامل مع التعذيب على أنه استثناء وليس سياسية واسعة النطاق ومنهجية في سوريا، بحسب التحليل.

يرى المسؤول القانوني في “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، المحامي مهند شراباتي، أن أهمية الورقة التحليلية بشكل أساسي أنها تقدم تحليلًا قانونيًا متقدمًا لقانون تجريم التعذيب، في ضوء المنظومة القانونية المحلية السورية والمعايير الدولية، مع التركيز بشكل اساسي على مدى قدرة هذا القانون في ضمان حقوق الضحايا.

وبحسب ما قاله شراباتي، لعنب بلدي، فإن الورقة التحليلية تستعرض الاختفاء القسري كشكل من اشكال التعذيب، وتبرز فشل قانون تجريم التعذيب في معالجة هذا الانتهاك.

وتناقش ما إذا كانت السلطات السورية تفي بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وعلى وجه الخصوص بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، من خلال اعتماد قانون جديد لتجريم التعذيب، ومدى توافق هذا القانون مع التزامات سوريا الدولية على وجه الخصوص التجريم المطلق للتعذيب وجميع أشكال سوء المعاملة في سوريا.

وتسلط الضوء على دراسة حالة بشأن توصيف الاختفاء القسري كشكل من أشكال التعذيب، وتستكشف فعالية القانون الجديد في معالجة الاختفاء القسري بنحو مناسب بوصفه شكلًا من أشكال التعذيب، دون المساس بتصنيفه كجريمة قائمة بذاتها.

فائدة الورقة التحليلة في “العدل الدولية”

وبحسب شراباتي سيشارك “البرنامج السوري للتطوير القانوني” “ومركز دياكونيا للقانون الدولي الإنساني” الورقة التحليلية مع حكومتي هولندا وكندا، الطرفين في القضية المرفوعة بشأن التعذيب في سوريا بمحكمة العدل الدولية، لكن يبقى استخدامها في المحاكمة عائدًا لحكومتي الدولتين.

ويعتقد المسؤول القانوني أنه من الممكن الاستفادة من التحليل القانوني الوارد فيها لإبراز أن التشريع السوري مازال ينتهك التزامات سوريا الدولية، وخاصة التزاماتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، والتي تعد موضوع الدعوى الهولندية الكندية ضد سوريا.

ورجح الصحفي والحقوقي السوري منصور العمري، أن تستخدم سوريا قانون تجريم التعذيب وإلغاء المحاكم الميدانية العسكرية كسلاح “قانوني” في محكمة العدل الدولية، للقول إنها تفي بالتزاماتها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لدحض اتهامات مقدمي الطلبات، بحسب ما نشرته مجلة “كامبريدج للقانون والسياسة والفنون” للصحفي.

ويرى العمري أن الدعوى المرفوعة أمام الحكمة الدولية ضد النظام ترتبط بإصداره القانون رقم “16” لعام 2022، بتجريم التعذيب وقانون إلغاء المحاكم الميدانية.

وبرر هذا الترابط بوجود مفاوضات بين حكومتي كندا وهولندا وحكومة النظام، قبل إعلان المحكمة الدولية عن الدعوى المرفوعة ضده.

وبسبب تغيب النظام عن الجلسة الأولى في محكمة العدل الدولية التي عقدت، في 10 من تشرين الأول الحالي، وعدم إرساله وفدًا يمثله للبحث بالدعوى المرفوعة ضده المتعلقة بتهم التعذيب، ألغت محكمة العدل الدولية جلسة الاستماع الثانية التي كان من المقرر عقدها في 11 من تشرين الأول.

وبحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فإن النظام مسؤول عن مقتل 15051 شخصًا بينهم 190 طفلًا و94 سيدة بسبب التعذيب في مراكز الاحتجاز منذ آذار 2011، وقرابة 136 ألف معتقل أو مختفٍ قسرًا ما زالوا يتعرضون للتعذيب.

وثقت الشبكة الحقوقية تطبيق عقوبة الإعدام بشكل واسع في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام، حتى شملت الأطفال، وأكد التقرير أن ما لا يقل عن 14843 حكمًا بالإعدام صدرت عن محاكم الميدان العسكرية في سوريا منذ آذار 2011 حتى آب الماضي، من بينهم 7872 شخصًا نُفذت عقوبة الإعدام بحقهم، وجميعهم لم تُسلم جثامينهم لذويهم أو يجري إخطارهم بمصيرهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة