غزة.. سوريون يتأرجحون بين ارتباطهم الوجداني وموقفهم السياسي

لافتة تضامن مع إدلب وغزة في مظاهرات السويداء المطالبة بإسقاط بشار الأسد 20 من تشرين الأول 2023 (السويداء 24)

camera iconلافتة تضامن مع إدلب وغزة في مظاهرات السويداء المطالبة بإسقاط بشار الأسد 20 من تشرين الأول 2023 (السويداء 24)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – يامن المغربي

آلاف المنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صور وتسجيلات مصورة ومتظاهرون، تبدو الصورة للوهلة الأولى عائدة لعام 2011، عندما اندلعت الثورات الشعبية المنادية بالحرية وإسقاط الأنظمة الدكتاتورية في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن.

الحال مختلفة تمامًا في 2023، ومظاهر الحداد الإلكتروني جاءت بفعل المعارك في قطاع غزة الفلسطيني، وسقوط آلاف الضحايا من المدنيين، نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

ورغم الصور المنشورة من غزة، والتي تظهر حجم المأساة، والتفاعل الكبير لشريحة واسعة من السوريين، فإن ارتباط حركة “حماس” الفلسطينية بالمعارك، ودخول “حزب الله” اللبناني على خط الاشتباكات وإن بشكل متقطع، والشكوك حول دور إيراني مباشر بعملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها “حماس” ضد إسرائيل في 7 من تشرين الأول الحالي، يجعل تفاعل وتعاطف شريحة أخرى من السوريين غائبًا.

يجادل كثيرون في علاقة “حماس” بالنظام السوري، وكذلك إيران، وبالتالي يتحول الأمر من قضية فلسطينية كاملة يمكن التعاطف معها ومساندتها، إلى مساندة الحركة المسيطرة على قطاع غزة منذ عام 2007.

رفع النظام السوري شعارات تحرير فلسطين، ولعب على هذه القضية على مدى عقود، مستغلًا تغلغلها في ضمير السوريين ومناهجهم الدراسية، بالإضافة إلى العوامل التاريخية التي جمعت بين السوريين والفلسطينيين، والحروب المشتركة، والحدود المفتوحة على الأقل حتى تطبيق اتفاقية “سايس- بيكو”، بعد سقوط الدولة العثمانية في 1918، وتقسيم بلاد الشام والعراق بين فرنسا وإنجلترا.

بين 1982 و2023.. ما الذي تغير

نفذت إسرائيل عملية عسكرية ضد لبنان في عام 1982، ووصلت قواتها حتى العاصمة اللبنانية، بيروت.

وبمعزل عن قوات النظام السوري التي وجدت في لبنان منذ 1976، توجه سوريون إلى لبنان لقتال القوات الإسرائيلية إلى جانب فلسطينيين ولبنانيين، وقُتل بعضهم في المعارك، وفق ما ذكره الأمين العام السابق للحزب “الشيوعي” اللبناني، جورج حاوي، ضمن مسلسل وثائقي أنتجته قناة “الجزيرة” القطرية.

استمر تعاطف السوريين في الحروب التالية، وظهر بشكل واضح في حرب “تموز” 2006، وحرب غزة في 2008.

مع اختيار النظام السوري الحل الأمني في مواجهة المتظاهرين السوريين، وانتقال الثورة السلمية في سوريا إلى معارك مسلحة، وارتكاب مجازر بحق المدنيين وتدمير المدارس والمستشفيات، بدأت حال شريحة من السوريين بالتغير، وتغير شكل التعاطف والتفاعل والمواقف تجاه الأحداث الجارية في بلاد أخرى، رغم الارتباط الجغرافي والتاريخي والإنساني.

ويرتبط تغير النظرة إلى القضايا السياسية والإنسانية بعدة عوامل، منها الوعي السياسي ومدى ارتباطها بالشخص نفسه وتأثيرها عليه.

الباحث الاجتماعي حسام السعد، قال لعنب بلدي، إن وجود الإنسان في بقعة جغرافية معيّنة يفرض عليه التواصل مع المتضررين من القضايا السياسية والإنسانية.

وضرب السعد مثالًا العلاقة بين الثورة السورية وما يحدث في غزة في الفترة الحالية، وأوضح أن سلوك التعاطف يبنى على ما تمثل هذه الأحداث للفرد من اقتراب من مبادئه وتوجهاته السياسية أو الإنسانية أو الدينية، ومن هنا تنشأ اختلافات في مواقف بعض الأفراد.

وعلى اعتبار أن الظروف الحالية تدفع شريحة من السوريين لبناء تعاطفهم وفق المبادئ السياسية أو الانحيازات لطرف دون آخر، يظهر مفهوم التعاطف بشكل مختلف.

الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك، أوضحت لعنب بلدي أن هناك فرقًا بين العطف والتعاطف، وبينما يذهب المفهوم الأول باتجاه شعور الشفقة، يدفع الثاني صاحبه للتحرك والمساعدة ومحاولة خلق حلول للمشكلة القائمة.

وأضافت أن أغلب المشاعر الحالية لدى الناس تتمحور حول مفهوم العطف، والشعور بالألم تجاه من أصابتهم الكوارث.

الكوارث الوطنية.. تعاطف أقل

بلغت أعداد الضحايا المدنيين في سوريا ممن قضوا على يد مختلف أطراف النزاع 230 ألفًا و465 شخصًا، منهم 201 ألف و63 ضحية على يد النظام السوري، منذ آذار 2011، وفق بيانات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية وملايين اللاجئين السوريين في دول الجوار أو غيرها.

هذه الكارثة المحيطة بسوريا تدفع السوريين لمنح الأولوية لأزماتهم الخاصة، ومحاولة الخروج من الكوارث المتتالية بأقل الأضرار الممكنة، وهذا سبب إضافي لتغير شكل التعاطف مع القضايا المحيطة.

وفق السعد، فإن التأثير الذي تتركه الكوارث، خاصة المرتبطة بالسياسة، قد تؤدي إلى عدم رؤية المشهد السياسي الكامل، ويحصل نوع من الخلط بين المواقف السياسية والأوضاع الإنسانية، وعدم فهم أن السياسيين يبحثون عن مصالحهم بشكل مستمر حسب القضايا التي يتبنونها.

وأوضح أن وجود حالة نفور أو رفض لفصيل سياسي معيّن، لا يجب أن تتوجه إلى شعب كامل.

على مدى سنوات، حظيت فصائل فلسطينية، بما فيها حركة “حماس”، بدعم النظام السوري، وكان لها معسكراتها وتدريباتها ومكاتبها في العاصمة دمشق، قبل أن تتباين مواقفها تجاه النظام والثورة السورية.

وشارك بعضها في معارك ضد السوريين، وفي المقابل، هناك 3076 فلسطينيًا معتقلًا في سوريا، و333 مفقودًا، ووصل عدد الضحايا إلى 4214 شخصًا، وفق إحصائيات “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا“.

في تشرين الأول 2022، زار وفد من حركة “حماس” النظام السوري، وعادت العلاقات بين الطرفين، وهذا ما أدى إلى اتخاذ موقف من قبل سوريين ضد الحركة، وأثر على نظرة بعضهم تجاه القضية الفلسطينية، خاصة مع الصورة التي ترسمها إسرائيل عن نفسها ضمن وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها “بلدًا ديمقراطيًا ومتطورًا عسكريًا واقتصاديًا وتكنولوجيًا”.

وتحاول إسرائيل استغلال مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير بالشباب العربي، من خلال حسابات وصفحات على موقعي “فيس بوك” و”تويتر” أنشئت خصيصًا لهذا الغرض.

الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك، قالت لعنب بلدي، إن التعاطف مع القضايا الإنسانية الواضحة، يدفع الإنسان لشعور أفضل، لوقوفه مع الحق والعدل، والانتقال من العطف إلى التعاطف.

وأضافت أن الظروف الحالية قسمت الناس إلى قسمين، يرى القسم الأول أن ما يجري في غزة على فترات متباعدة كان يحصل يوميًا في سوريا.

الفريق الثاني يتحدث على أن القضية محقة وعادلة أيضًا، ويبني وجهة نظره على هذا الأساس، حتى لو كانت الكارثة تحيط به.

وعندما تنتشر صور أو مقاطع مصورة تتعلق بالتعاطف مع فلسطين، يحصل في أذهان القسم الثاني من الناس ربط مع إدلب، باعتبار أن الألم واحد والقصف متزامن، وفق عبد الملك.

التوازن بين السياسة والتعاطف

في خضم الأحداث السياسية المتلاحقة، والتغييرات الدولية الكبيرة التي يشهدها العالم، تصبح عملية خلق توازن ما بين السياسية والتعاطف أمرًا صعبًا، خاصة عند وجود الأزمات الكبرى، وهو أمر لا يقتصر على شريحة معيّنة، بل يمتد إلى جميع الشرائح، بمختلف طبقاتها المادية والثقافية والاجتماعية أيضًا.

ويرتبط هذا التوازن، برأي السعد، بالوعي السياسي، وقراءة المشهد وخريطة الواقع السياسي في المنطقة التي يعيش فيها الإنسان وموقعه من كل تلك الأحداث، وبالتالي تكوين مواقف واضحة (إيجابية أو سلبية) تجاه القضايا التي تؤثر في وضعه السياسي، وحتى في وجدانه الإنساني.

وقالت الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك، لعنب بلدي، إن خلق التوازن صعب للغاية، خاصة إن كان يتعلق الأمر بالانتماء، وبشكل عام يتعاطف الإنسان مع الحالات البعيدة عن السياسة من مبدأ إنساني، ومع ارتباطها بشق سياسيي يبدأ الأمر بالاختلاف بشكل جذري.

وتلعب وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تحديد بوصلة الناس في مجال التعاطف وتبني القضايا، وفق عبد الملك، التي ترى أن الإعلام تحول إلى سلطة أولى لا رابعة كما يسمى.

وحتى لحظة تحرير هذا التقرير، قُتل 3540 شخصًا في عموم فلسطين المحتلة وأصيب أكثر من 15 ألف شخص، وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، منذ انطلاق العمليات العسكرية الإسرائيلية في 7 من تشرين الأول الحالي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة