tag icon ع ع ع

خالد الجرعتلي | حسن إبراهيم

تتجه أنظار المراقبين للأحداث في فلسطين إلى الجبهة الشمالية، وتحديدًا إلى المثلث الحدودي مع لبنان وسوريا، حيث تستمر المناوشات المسلحة منذ أيام بشكل مضبوط، إذ لا تصعيد ولا سكون.

وبينما تنفي إيران ضلوعها المباشر في عملية “طوفان الأقصى” التي بدأتها حركة “حماس” في 7 من تشرين الأول الحالي، لا تخفي دعمها لـ”حماس”، وتلوّح بتحريك الجبهات ردًا على استمرار التصعيد في قطاع غزة.

ويجمع خبراء ومراقبون على أن طهران لن تغامر بحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة، وأنها غالبًا ما ستكتفي بتحريك أدواتها في المنطقة، ومنها “حزب الله” اللبناني والميليشيات التي تديرها وتمولها في سوريا.

عسكريًا واستراتيجيًا، تتعارض مصالح إيران والنظام السوري بشأن مهاجمة إسرائيل، حسب متخصصين استطلعت آراءهم عنب بلدي، في وقت هددت فيه إسرائيل عبر كبار مسؤوليها، في حال انخراط دمشق في تصعيد تقرره إيران، بالقيام بتصفية الأسد والإطاحة بنظامه.

لا تقف الأمور عند حدود “طوفان الأقصى”، إذ سيكون له ما بعده على المستوى الإقليمي، وخصوصًا فيما يخص استمرار التمدد الإيراني في سوريا.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع خبراء ومحللين، مآلات الأحداث على الصعيد العسكري، وتأثيرها على خارطة التحالفات والاصطفافات في المنطقة، وموقع سوريا منها.

“الطوفان” يرتب تحالفات المنطقة

برز استعداد الدول الغربية لتقديم الدعم العسكري لإسرائيل مع بداية عملية “طوفان الأقصى”، وأصدر زعماء الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا بيانًا مشتركًا، أبدوا فيه “دعمهم الثابت والموحد” لإسرائيل، ونددوا فيه بالهجمات التي تشنها “حماس”.

ومع الدقائق الأولى لعملية “طوفان الأقصى”، توجهت الأنظار نحو إيران على أنها المدبر والمخطط للعملية، وأنها تدعم جماعات وحركات “مقاومة” فلسطينية، منها “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، وتقدم حوالي 100 مليون دولار سنويًا لها، وفق تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عام 2020.

وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ذكر، في 13 من تشرين الأول الحالي، أن كل الاحتمالات واردة في حال عدم توقف “جرائم حرب الكيان الصهيوني”، وفي حال استمرار الجرائم ضد الفلسطينيين سـيقابَل ذلك بالرد من “بقية المحاور“.

وقال عبد اللهيان، “إذا لم تتوقف الاعتداءات الصهيونية فإن أيدي جميع الأطراف في المنطقة على الزناد، وهنالك تماسك بين قادة فصائل المقاومة، وإنهم خططوا لجميع السيناريوهات، ومحور المقاومة سيرد في الوقت المناسب”.

امرأة تحمل طفلة وهي تبكي في غزة - 15 من تشرين األول 2023 (Anadolu)

امرأة تحمل طفلة وهي تبكي في غزة – 15 من تشرين األول 2023 (Anadolu)

تغيير في الاصطفاف؟

ترتبط احتمالات تغيّر موازين القوى والتحالفات في الشرق الأوسط، بحسب دراسة نشرها مركز “رامان للبحوث والاستشارات“، بتنفيذ عملية عسكرية برية من عدمه في قطاع غزة.

وقدمت الدراسة قراءة بشكل التحالفات المقبلة بناء على نتائج العمليات العسكرية البرية الإسرائيلية المحتملة في قطاع غزة، واحتمالية بقاء حركة “حماس” أو زوالها، وتدخل إيران من عدمه، معتبرة أن الأحداث شكّلت فرصًا لتشكل أقطاب جديدة، وتهديدًا لأقطاب مستفيدة من القضية الفلسطينية مثل “محور المقاومة”.

الباحث المتخصص في تحليل السياسات الحكومية الأمنية والدراسات العسكرية والاستراتيجية مهند سلوم، قال لعنب بلدي، إن “طوفان الأقصى” سينعكس على التحالفات في المنطقة، لكنه لن يحدث تغييرًا جذريًا خصوصًا مع الخلفيات التاريخية التي أدت إلى تشكل هذه التحالفات.

وأضاف أن المملكة العربية السعودية أجرت خلال الأشهر الأخيرة، التي سبقت أحداث فلسطين، إعادة تقييم لعلاقتها مع رأس “محور المقاومة” إيران، وتبنّت الرياض سياسة “صفر مشكلات”، فتقربت من إيران، وحلّت بعض المواضيع العالقة معها بعد مفاوضات استمرت لنحو عامين في بغداد على مستوى مسؤولي الأجهزة الاستخباراتية.

وإلى جانب ما سبق، لن يكون التغيّر جذريًا على اعتبار أن الرياض كانت واضحة بموقفها من التطبيع مع إسرائيل، إذ أرادت أن تحقق شيئًا بالمقابل، وفق مبدأ “لا يمكن أن نطبّع وتبقى الحال كما هي”.

ويرى سلوم أن التطبيع بالنسبة للسعودية مختلف عما هو عليه بالنسبة للإمارات التي طبّعت دون أي شروط، إذ كان تطبيعها “مجانيًا” على الصعيد السياسي، لكنه كان “مربحًا” على الصعيد الاقتصادي.

وأرجع الباحث اختلاف المواقف بين السعودية والإمارات، إلى أن أبو ظبي لا ترى نفسها دولة فاعلة سياسيًا مثل الدول العربية الأخرى في المنطقة، بل ترى نفسها بأنها مركز أو ميناء تجاري، ويمكن لها أن تتحول إلى ميناء تجاري دولي ثقافي، وهي الهوية التي تعمل عليها الإمارات منذ أكثر من 15 عامًا.

ووضع “طوفان الأقصى”، بحسب الباحث، إيران في موقف محرج من “سرديتها في المقاومة والممانعة”، كما وضع المملكة العربية السعودية في الموقف نفسه من مسارها للتطبيع مع إسرائيل، إذ كانت الرياض تطالب بعودة إسرائيل إلى حدود عام 1967، فبماذا ستطالب بعد أحداث غزة اليوم؟

سلوم اعتبر أنه لا يمكن لأي جهة، بدءًا من الولايات المتحدة ووصولًا إلى السعودية، أن تضغط على الاحتلال الإسرائيلي ليعود إلى حدود 1967، التي أقرها مجلس الأمن الدولي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بعمل عسكري لفرضه بالقوة، وهو بعيد المنال.

وقبل نحو أسبوع، نقلت وكالة “رويترز” عن مصدرين مطلعين على موقف الرياض لم تسمّهما، أن السعودية جمدت خططًا تدعمها الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ما يشير إلى إعادة تفكير سريع في أولويات سياستها الخارجية.

وأضافت الوكالة أن الأحداث دفعت المملكة إلى التعامل مع إيران، إذ تلقى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أول مكالمة هاتفية له من الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، للحديث حول التصعيد بالمنطقة.

الباحث مهند سلوم اعتبر أن رد فعل السعودية تجاه الأحداث في غزة، وعدم انحيازها نحو السردية الأمريكية، يظهر أنها فعليًا “غير آسفة على تخريب التطبيع، على اعتباره ليس موضوعًا استراتيجيًا بالنسبة للمملكة”.

تململ عربي

يرى الباحث مهند سلوم أن الأحداث في فلسطين المؤثرة على منطقة الشرق الأوسط بالكامل، وضعت جميع الدول العربية في موقف محرج، إذ ظهرت حالة من التململ، بداية من القاهرة، التي يرى سلوم، أن الرئيس، عبد الفتاح السيسي، ما كان ليسمح باحتجاجات فيها لولا الضغط الشعبي الكبير الذي شكلته الأحداث.

هذا التململ لن يدفع بدول عربية إلى إعادة النظر بتحالفاتها مع الولايات المتحدة، لأنها مبنية في المنطقة على مدار سنوات، وتحتاج إلى “أكثر من عملية (طوفان الأقصى) لتتغير”، بحسب الباحث، خصوصًا أن التحالفات السياسية بين الدول لا تتغير عادة بسهولة، لكن يمكن أن تضعف بطبيعة الحال متأثرة بأحداث معينة.

لكن التوصيف الأقرب للواقع في هذه الحالة، هو أن التأثير الأمريكي على حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ضعف متأثرًا بالأحداث، وربما يضعف أكثر إذا استمرت لفترة أطول.

الرئيس الأمريكي جو بايدن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يمين) في إسرائيل - 18 من تشرين الأول 2023 (رويترز)

الرئيس الأمريكي جو بايدن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يمين) في إسرائيل – 18 من تشرين الأول 2023 (رويترز)

المقاومة.. مصالح متبادلة

لطالما عاشت إيران وجهات في صفها على سردية “المقاومة والممانعة”، وأقامت علاقاتها مع دول وجهات مسلحة غير حكومية على هذه السردية، ومنها سوريا.

الباحث في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط‏ محمد عبادي، قال لعنب بلدي، إن السردية الإيرانية التي جعلت من تحرير القدس قضية مركزية، ودُشنت من أجلها الأحلاف والمحاور، صارت اليوم على المحك في ظل التصعيد.

وأضاف أن المرحلة صارت مفصلية بالنسبة لـ”محور المقاومة”، فهو أمام خيارين هما الثبات أمام التحدي، وتنفيذ بعض التهديدات التي أطلقها على مدار نصف قرن، أو أن تذهب الجهود في مهب الريح.

واستبعد عبادي أن تنخرط إيران بشكل مباشر في الصراع، مكتفية بتحريك وكلائها في جبهات متعددة، ضمن مناوشات منخفضة الخطورة، لا تسمح بإشعال حرب شاملة، وربما تعمل إيران على إشعال مظاهرات غاضبة في العراق واليمن ولبنان وإيران وسوريا، ومحاصرة السفارات والقنصليات الغربية بالمتظاهرين المدنيين، مع عدم السماح بالاحتكاك المباشر، لكنها لن تلحق الضرر بأعدائها، بحسب الباحث.

من جهته، الباحث المتخصص في تحليل السياسات الحكومية الأمنية مهند سلوم، قال لعنب بلدي، إن إيران تشكل مركز “محور المقاومة” على اعتبارها مستمدة من مفهوم “تصدير الثورة” الذي اعتمده روح الله الخميني، عندما قلب نظام الحكم في إيران.

ويرى أن سردية “المقاومة والممانعة” جعلت إيران في مواجهة مفتوحة مع كل دول المنطقة، أي أن أفكارها باختصار كانت قائمة على “إسقاط الحكومات الفاسدة، وبالتالي تحرير فلسطين”.

وبالعودة إلى الرابط بين الأحداث الحالية وسردية “المقاومة والممانعة” التي تتبناها دول وميليشيات في المنطقة، منها النظام السوري و”حزب الله” اللبناني وميليشيات عراقية ويمنية، فإن علاقتها بالمحور هي علاقة “نفع متبادل” لا أكثر.

تاريخ “سلام” لم يكتمل

سعت إسرائيل، وأمريكا من خلفها، لإحلال اصطفافات جديدة في المنطقة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية قبل بدء “الطوفان”، ومرت هذه المساعي بمراحل تبدلت بتبدل الإدارات الأمريكية، لكن الهدف فيها كان واحدًا، وهو تطبيق سلام يوقف محاولات إقصاء إسرائيل من المنطقة.

عام 1993، جربت إسرائيل وأمريكا في عهد إدارة الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، اتفاقية أو معاهدة “أوسلو”، التي أطلق عليها رسميًا “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”، وكانت أول اتفاق سلام بين إسرائيل ومنظمة “التحرير الفلسطينية” بقيادة ياسر عرفات.

والتزمت المنظمة الفلسطينية بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام وأمن، والوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات، وأن إعلان المبادئ هذا هو بداية حقبة خالية من العنف.

قررت إسرائيل بدورها على لسان رئيس وزرائها، إسحاق رابين، أنه في ضوء التزامات منظمة “التحرير”، ستعترف بها على أنها الممثل للشعب الفلسطيني، وستبدأ المفاوضات معها.

اتفاقية “أوسلو” لم تثمر بمرور الوقت، إذ وجد الاحتلال الإسرائيلي نفسه أمام سلسلة من الهجمات، وعمليات تهريب السلاح من مصر نحو غزة، دمرت ما بنته المساعي الأمريكية لإحلال “السلام”.

وبحسب ما جاء في كتاب “سباق إيران على الأعلوية الإقليمية” الذي تطرق في جزء كبير منه إلى مراحل تحول الصراع في المنطقة، فإن إدارة جورج بوش لم تستوعب التحولات الحاصلة في الشرق الأوسط، عندما دعت دولًا عربية إلى مؤتمر “أنابوليس للسلام” إلى جانب إسرائيل، مفترضة أن الخطر الإيراني مشترك فيما بينها، وقد يشكل جبهة واحدة ضد إيران، بحسب ما رآه كاتب الفقرة الجنرال الإسرائيلي المتقاعد موشي يعلون.

الدكتور دوري غولد، المتخصص في الشأن الأمريكي، والذي عمل دبلوماسيًا أمريكيًا في إسرائيل، ذكر في الكتاب نفسه، أنه في عام 2008، وبعد فشل مساعي إدارة بوش لتحقيق سلام جديد، كانت دول الخليج العربي غير مهتمة بالتحدث مع وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، كونداليزا رايس.

وأرادت الدول العربية أن تعرف ماذا ستفعل واشنطن لوقف التمدد الإيراني بالمنطقة، أي أن إيران كانت أولوية بالنسبة لها، وليست عملية السلام، بحسب الكتاب.

واستمرت المساعي الأمريكية وصولًا إلى أيلول 2020، عندما تبنت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ما يعرف اليوم باسم “اتفاق أبراهام” الذي وقّعته الإمارات والبحرين وإسرائيل للتطبيع مع إسرائيل.

وقال ترامب، إن “إسرائيل والإمارات والبحرين سينشئون سفارات متبادلة وسيعملون معًا، وسيفتح ذلك الباب أمام المسلمين للصلاة في القدس”، مشيرًا إلى أن هذا الاتفاق هو أول اتفاق سلام مع إسرائيل ودول عربية بعد أكثر من ربع قرن، لافتًا إلى توقعه قيام دول أخرى بالتطبيع لاحقًا.

ومنذ منتصف العام الحالي، سعت الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، ذات الثقل السياسي بين الدول العربية، لكن أحداث “طوفان الأقصى” وتداعياتها عرقلت هذه المساعي.

من اليمين، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ورئيس النظام السوري بشار الأسد، والمرشد الأعلى الإيراني آية الله الخميني في طهران- 8 من أيار 2022 (AP)

من اليمين، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ورئيس النظام السوري بشار الأسد، والمرشد الأعلى الإيراني آية الله الخميني في طهران- 8 من أيار 2022 (AP)

سوريا في قلب العاصفة

في 9 من تشرين الأول الحالي، عقب يومين على انطلاق “طوفان الأقصى”، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن إسرائيل وجهت تحذيرًا لـ”حزب الله” اللبناني، عبر فرنسا، بأنها ستوجه ضربات لدمشق مثل الضربات التي توجهها للضاحية الجنوبية، في حال تدخل “الحزب” بالحرب، وإن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ونظامه “سيكونان في خطر”.

التهديدات نفسها ليست غريبة على النظام السوري، إذ سبق وتعرض لتهديدات مشابهة عام 2018، وأخرى أمريكية جاءت على لسان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في أيلول 2020، بأنه كان على وشك اغتيال الأسد، لكن وزير دفاعه مانع ذلك.

وانحصر نشاط النظام السوري الرسمي في خمسة اتصالات هاتفية أجراها وزير الخارجية، فيصل المقداد، مع نظرائه في دول “صديقة” أدان خلالها التصعيد الإسرائيلي في فلسطين، وثلاثة أخرى أجراها رئيس النظام، بشار الأسد، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وآخر مع نظيره الإيراني، واتصال مع رئيس دولة الإمارات.

وحمّل النظام السوري إسرائيل وحلفاءها الغربيين مسؤولية التصعيد، ودعا لوقفه، إلى جانب اجتماعات عربية حضرها المقداد في هذا الشأن قدم خلالها الخطاب نفسه.

ومع القصف الذي تعرض له المستشفى “المعمداني” في غزة وقُتل فيه 500 فلسطيني، أعلنت الخارجية السورية عن حداد لمدة ثلاثة أيام، نكّست خلالها الأعلام على الأراضي السورية، وفي السفارات والهيئات الدبلوماسية خارجها.

الحدود والمطارات

بعد ثلاثة أيام على “طوفان الأقصى”، استهدفت المدفعية الإسرائيلية مواقع متفرقة جنوبي سوريا بين محافظتي درعا والقنيطرة، على خلفية انطلاق قذائف من الأراضي السورية باتجاه الجولان المحتل.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر موقع “إكس”، إن القوات الإسرائيلية ردت بقصف مدفعي ونيران قذائف هاون نحو مصادر النيران داخل الأراضي السورية، في حين نقلت وكالة” رويترز” عن مصدر جنوبي سوريا، لم تسمِّه، أن فصيلًا فلسطينيًا أطلق ثلاثة صواريخ باتجاه إسرائيل.

وفي 12 من تشرين الأول الحالي، استهدفت إسرائيل مطاري “حلب” و”دمشق” الدوليين بغارات صاروخية في وقت متزامن، ما أدى إلى تضرر مهابطهما وخروجها عن الخدمة.

وبعد يومين، استهدف الطيران الإسرائيلي مرة أخرى مطار “حلب” الدولي بهجوم أخرجه مجددًا عن الخدمة، ثم عاد المطاران إلى العمل.

وتعقيبًا على قصف المطارين الدوليين، قالت وزارة الدفاع السورية، إن “العدوان” هو جزء من النهج المستمر في دعم “الجماعات الإرهابية المتطرفة التي يحاربها الجيش السوري في شمالي البلاد”.

وأضاف البيان أن “الجيش السوري” سيستمر بملاحقة الجماعات شمالي سوريا وضربها “حتى تطهير البلاد منها”، تعقيبًا على القصف الإسرائيلي.

القواعد الأمريكية ليست بمأمن

في 19 من تشرين الأول الحالي، شهدت قاعدتا “التنف” شرقي حمص، و”كونيكو” شرقي دير الزور، حيث تتمركز قوات التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، انفجارات يُعتقد أنها ناتجة عن استهداف مجهول المصدر، بحسب ما أفاد مراسل عنب بلدي في دير الزور.

كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن قواعدها العسكرية في سوريا والعراق تعرضت لعدة هجمات بطائرات دون طيار.

المتحدث الرسمي باسم “البنتاغون”، الجنرال بات رايدر، قال في مؤتمر صحفي، في 19 من تشرين الأول، إنه في وقت مبكر من صباح الأربعاء 18 من الشهر نفسه بتوقيت سوريا، جرى استهداف قاعدة “التنف” في سوريا بطائرتين مسيرتين.

اشتبكت القوات الأمريكية وقوات التحالف مع طائرة مسيرة ودمرتها، بحسب رايدر، بينما اصطدمت الطائرة الأخرى بالقاعدة ما أدى إلى إصابة قوات التحالف بإصابات طفيفة.

وقال بيان أصدرته القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم)، في 18 من تشرين الأول، إن الجيش الأمريكي “دافع ضد ثلاث طائرات مسيرة” استهدفت قواته في العراق.

الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي يرى أن استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة خيار متاح أمام التصعيد في غزة، إذ تملك إيران نفوذًا واسعًا، ولديها عنصر المباغتة والمفاجأة لقواعد أمريكية شرقي سوريا، على طريق الممر الإيراني.

دبابات إسرائيلية متمركزة قرب الحدود مع لبنان- 15 من تشرين الأول 2023 (AFP)

دبابات إسرائيلية متمركزة قرب الحدود مع لبنان- 15 من تشرين الأول 2023 (AFP)

الأسد بين أبو ظبي وطهران

وردت تحذيرات من الإدارة الأمريكية للأسد بعدم الانخراط بالحرب، نقلتها الإمارات العربية المتحدة، التي طبّعت علاقاتها مع دمشق وتحظى بعلاقات أيضًا مع تل أبيب وواشنطن.

هل يساوم للحصول على المال؟

الباحث المتخصص في الشأن السوري والسياسية الأمريكية بمعهد “واشنطن للأبحاث” أندرو تابلر، قال في تحليل موجز، إنه لتقييد خيارات إيران وتفادي اتساع نطاق الأزمة الناجمة عن الصراع عبر سوريا، يتعين على واشنطن أن توجه تحذيرًا مباشرًا لبشار الأسد، بعدم دخول الحرب وكبح جماح الميليشيات الإيرانية على طول حدود الجولان.

وتوقع تابلر أن يستغل النظام وساطة أبو ظبي في الأزمة التي يعيشها للمطالبة بمزيد من الأموال المسبقة من دول الخليج العربي، التي سبق وقدمت تنازلات للأسد دون مقابل.

ويرى الباحث أنه لا ينبغي تخفيف العقوبات على النظام في سوريا بأي شكل من الأشكال دون الحصول على دليل واضح على أنه يقيّد الخيارات المتاحة أمام إيران في مواجهة إسرائيل والأردن وغيرهما من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

وكان النظام السوري يسير في خطى متواصلة لتحقيق تطبيع عربي وإقليمي، بعد أكثر من عقد على انطلاقة الثورة السورية، وتمكّن من إعادة العلاقات مع الإمارات والبحرين، كما استعاد مقعده في الجامعة العربية، وحضر رئيس النظام، بشار الأسد، قمة جدة الأخيرة، وسط مساعٍ لاستكمال جميع العلاقات مع المملكة العربية السعودية.

حليف لطهران.. لكن

مع غياب إمكانية دحض فرضية مساومة الأسد لأبو ظبي، لا يمكن تجاهل علاقاته المتينة مع طهران، وتغلغلها في كثير من مفاصل الدولة السورية، خاصة الأمنية والعسكرية.

وتثبت طهران حضورها في سوريا ولبنان، عبر مجموعة من الميليشيات المدعومة من قبلها، وأبرزها “حزب الله” وفصائل من “الحشد الشعبي” العراقي، وتملك 570 موقعًا عسكريًا في سوريا.

وفي حال حصل اشتباك مع الميليشيات على الأراضي السورية، فستكون أرضًا خصبة للصراع أكثر من لبنان، بحسب الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، لأنها منطقة عمليات مفتوحة منذ 12 عامًا، وهنالك قوى دولية ما زالت فيها.

كما أن إسرائيل لا تريد فتح جبهة أو توغل من الجانب اللبناني، لأنها ستضع كثيرًا من المستوطنات تحت مصادر نيران وهجمات “حزب الله”.

صبا عبد اللطيف مساعدة باحث في مركز “عمران للدراسات”، قالت لعنب بلدي، إنه لا يمكن تجاهل أدوات إيران في المنطقة التي قد تستهدف الأمان الإسرائيلي، بالرغم من عدم وجود دلائل قوية تشير إلى انخراط إيران مباشرة بين “حماس” وإسرائيل.

وأضافت أن طهران لا ترغب في حرب مباشرة مع إسرائيل، وستعتمد على ميليشياتها المحلية التي تعززت منذ 2017، وتعمل ضمن قوات النظام السوري، وقد تتدخل إيران بشكل غير مباشر أيضًا عبر “حزب الله”، لافتة إلى أن معظم تحركات إيران كانت لأغراض سياسية.

التدخل العسكري الإيراني في الصراع لن يكون من مصلحة النظام السوري، باعتباره يمر بمرحلة تعافٍ وبحاجة إلى الدعم الدولي والمادي الذي توفره طهران، لذلك لن يكون من الجيد انشغال حليف مثل إيران بملف آخر، خاصة بهذا الوقت الذي يكون فيه الحليف الآخر للنظام وهو روسيا أيضًا في حالة غير مستقرة، بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا.

صبا عبد اللطيف – مساعدة باحث في مركز “عمران للدراسات”

مدير مركز “رؤية للتنمية السياسية”، أحمد عطاونة، يرى أن سوريا لا يمكن أن تغير من تموضعها على خارطة التحالفات في المنطقة، إذ لا يمكنها الخروج من مظلة القوى التي تدعمها إيران.

وأرجع الباحث ذلك إلى أن النظام السوري يعي أنه لا يزال يعيش في فترة غير مستقرة، ومفتوحة على جميع الاحتمالات، خصوصًا مع وجود قوى إقليمية ودولية عديدة على أراضيه، ما يجعل من الصعب الانتقال من مربع إلى آخر.

ما مستقبل المنطقة

يرى المتخصص في السياسيات الحكومية الأمنية مهند سلوم، أن قرار توسيع نطاق المواجهات في المنطقة، وامتدادها إلى دول مجاورة من ناحية الجهات الحكومية أو غير الحكومية التي تدعمها إيران، هو “قرار إيراني بالكامل”.

وأضاف أن انهيار النظام السوري، أو تهديد وجود ميليشيات كـ”حزب الله” اللبناني، أو أخرى في سوريا والعراق واليمن، لن يهدد كامل “محور المقاومة”، على اعتبار أن إيران تشكل مركز هذا المحور.

وبالمقابل، فإن انخراط إيران بمواجهة تهدد وجودها سيشكل خطرًا على المحور بشكل عام، للأسباب نفسها، وهو ما لا يمكن أن تسمح به طهران.

ويرى الباحث أن إيران تعتمد على استراتيجية “التلويح بالتصعيد”، لكن هذا التلويح يمكن أن يفسر أيضًا على أنه تصعيد مباشر، ويمكن التعامل معه على هذا الأساس.

جنود في القوات الأمريكية شمال شرقي سوريا- 3 من شباط 2023 (العزم الصلب)

جنود في القوات الأمريكية شمال شرقي سوريا- 3 من شباط 2023 (العزم الصلب)

هدف مقابل هدف

الباحث في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط‏ محمد عبادي، يرى أن حد التصعيد بين “حزب الله” وإسرائيل سيقتصر في المرحلة الأولى على مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وهي أراضٍ لبنانية محتلة، هدف مقابل هدف، قصف مقابل قصف.

وقال لعنب بلدي، إن هذا خيار يناسب الطرفين، فإسرائيل لا تريد فتح جبهتين، و”حزب الله” لديه من التعقيدات الداخلية ما يمنعه من الانخراط في حرب مدمرة، إلا تحت ضغوط قصوى.

مدير مركز “رؤية للتنمية السياسية”، أحمد عطاونة، استبعد الانخراط الإيراني المباشر في مواجهة مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة، معتبرًا أن التدخل يبقى مرهونًا بحجم تمادي وتصعيد إسرائيل على الأرض.

وقال عطاونة لعنب بلدي، إن الحديث يدور أكثر حول تدخل “حزب الله” وبعض الجماعات المدعومة إيرانيًا في دول عربية المختلفة، سواء في اليمن وسوريا والعراق.

ولفت عطاونة إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تفسر تدخل هذه الجماعات على أنه انخراط إيراني، وبالتالي يمكن أن يرد الحلف الإسرائيلي على إيران.

مساران

المتخصص في الشؤون الدولية محمد عبادي، يرى أن جهود إيران الدبلوماسية ستستمر على مسارين، الأول تقليدي، وهو الالتحاق بالجهود العربية- التركية لإقامة هدنة أو وقف لإطلاق النار وإرسال المساعدات الإنسانية.

ويرتكز المسار الإيراني الثاني على حلفاء طهران الدوليين كروسيا والصين، للعمل على تهدئة عبر استغلال ثقلهما في الأمم المتحدة، من باب موازنة الاندفاع الأمريكي للعودة إلى الشرق الأوسط، وهو ما سيؤثر على مصالح هذه الدول في المنطقة.

ويرتكز هذا المسار على إمداد روسيا بمزيد من الأسلحة كالصواريخ والطائرات المسيرة لتكثيف الضغط على الجبهة الأوكرانية، ما قد يخفف من التركيز الأمريكي على الشرق الأوسط، لكن وبالمحصلة، لن تنخرط إيران تحت أي ظرف وأمام أي محدد بمعركة ضد إسرائيل، حتى لو اقتضى الأمر التضحية بوكيل لها هنا أو هناك.

الباحث في العلاقات الدولية بلال سلايمة، يعتقد أن كلًا من الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني و”حزب الله” غير معنيين بالتصعيد أو الدخول في مواجهة مباشرة.

ويرى سلايمة أن الرسائل التي يرسلها “حزب الله” هي نوع من التصعيد المتحكم به أو التصعيد تحت السيطرة، من خلال سماحه باستهداف مزارع شبعا التي هي في الأصل أراضٍ لبنانية.

وقال سلايمة لعنب بلدي، إن التصريحات الأمريكية بعدم ضلوع وتخطيط إيران لـ”طوفان الأقصى” تشير إلى أن واشنطن لا تريد أن تنخرط إيران في هذه الحرب.

وأوضح أن تسريب هذه المعلومة من الطرف الأمريكي كان بمنزلة رسالة إلى إيران، مفادها أن واشنطن غير معنية بالتصعيد، لافتًا إلى أن الحاملات التي وصلت إلى شرق المتوسط هي رسالة ردع أيضًا.

على الأرض

الباحث في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط‏ محمد عبادي، يرى أن الانخراط الكامل في الحرب سيتوقف على نتائج الاجتياح البري ومدى قدرة “حماس” على صد وتعطيل القوات الإسرائيلية.

ويمكن، بحسب عبادي، استلهام تجربة “حزب الله” عام 2006، الذي أوقف الاجتياح البري في وادي حجير فيما عرف حينها بـ”مقبرة الميركافا”، فعلى الرغم من الطبيعة الجغرافية المفتوحة لغزة والتي تمثل عبئًا إضافيًا في المواجهة، فإن شبكات الأنفاق وحرب الشوارع قد تكون رهان “حماس” لتكرار تجربة “حزب الله” عام 2006.

وقال موقع “Axios” الإخباري الأمريكي نقلًا عن مسؤولين أمريكيين (لم يسمّهم)، إن انضمام “حزب الله” إلى الحرب يمكن أن يؤدي إلى تصعيد كبير لأسوأ صراع في الشرق الأوسط منذ عقود.

وذكر أن الجيش الإسرائيلي الذي يركز الآن في معظمه على غزة، سيواجه صعوبة أكبر بكثير في القتال على جبهتين في وقت واحد، بينما تنهمر الصواريخ على قواعده والمراكز السكانية في إسرائيل.

ونظرًا إلى المخاطر التي تحيط بكيان النظام السوري في هذا الصدد، تراجعت فرص احتمالية دخوله بأي مواجهة عسكرية دعمًا للمقاومة الفلسطينية التي لطالما علّق خطابه السياسي عليها.

مقالات متعلقة