tag icon ع ع ع

يامن مغربي | محمد فنصة

أتمت محافظة السويداء جنوبي سوريا، شهرين من المظاهرات اليومية المطالبة برحيل النظام السوري ورئيسه، بشار الأسد، وتطبيق القرار الأممي “2254”. 

وقبل شهرين، ساد التفاؤل سوريين معارضين للنظام بإمكانية تحرك مدن أخرى يسيطر عليها الأسد للانتفاض واللحاق بركب السويداء، وتحديدًا مدن الساحل السوري التي يمتلك النظام فيها ما تبقى من “حاضنته الشعبية”، خاصةً مع الاستياء الشعبي الكبير الناتج عن عوامل عدة، بما فيها انسداد أي أفق لحل سياسي، وعدم ظهور نتائج إيجابية مباشرة للمبادرة العربية تجاه النظام السوري، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الحادة في مناطق الأخير. 

وبنفس السرعة والمفاجأة التي خرجت فيها أصوات من أبناء الساحل السوري لتهديد النظام وتحدي الأسد، اختفت هذه الأصوات مجددًا، وانحسر مدّ التفاؤل بإمكانية تخلص السوريين من عائلة حكمت سوريا منذ عام 1971، بعد 12 عامًا من انطلاق أولى المظاهرات الشعبية التي طالبت برحيله في دمشق ودرعا، قبل امتدادها إلى مناطق أخرى. 

خلال شهرين، لم يُيسمع إلى جانب صوت السويداء سوى أصوات السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، في إدلب وريف حلب ودير الزور وشرقي الفرات ودرعا، وكذلك المئات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ممن يعيشون خارج سوريا، فيما غابت مدن دمشق وحلب وحماة وحمص والساحل. 

تناقش عنب بلدي في هذا الملف، مع باحثين وخبراء ومختصين، آفاق حراك السويداء بعد شهرين على انطلاقته، وأسباب عدم انتقاله إلى مدن أخرى، ومدى تأثير الهجوم على الكلية الحربية، في 5 من تشرين الأول الحالي، على المظاهرات، وارتباط الملف بعوامل دولية في وقت حساس تمرّ به منطقة الشرق الأوسط. 

رسائل هجوم حمص 

شكّل تعرض الكلية الحربية في محافظة حمص، وسط سوريا، لهجوم بطائرات مسيّرة، خلال حفل تخريج دورة من ضباط الكلية، ذريعة للنظام السوري للهجوم على شمال غربي سوريا من جهة، وتأكيده على استمرار حالة الحرب بعيدًا عن المطالبات بتحسن الأوضاع المعيشية. 

في 5 من تشرين الأول الحالي، أسفر الهجوم على الكلية الحربية عن مقتل 89 شخصًا، وإصابة 277 آخرين، وفق بيانات وزارة الصحة حول الحادثة، التي حمّلّت وزارة الدفاع مسؤوليتها لـ “التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة”، وفق تعبيرها. 

وتوعد بيان وزارة الدفاع بالرد بـ”كل قوة وحزم” على ما أعدها وصفها بـ“التنظيمات الإرهابية” أينما وجدت، ليبدأ قصف قوات النظام وروسيا على أحياء شمال غربي سوريا لخمسة أيام متواصلة، ما أسفرت عن مقتل 46 مدنيًا، بينهم 13 طفلًا وتسع نساء، وتسببت أيضًا بإصابة 213 مدنيًا، بينهم 69 طفلًا و41 امرأة، ومتطوعوين من “الدفاع المدني”. 

مدير وحدة الدراسات في مركز أبعاد”، محمد سالم، قال لعنب بلدي، إن الحراك في السويداء يبدو منضبطًا إلى حد كبير، نتيجة لوجود نوع من التوافق والتعاون بين النخب مثل مشايخ العقل والمتظاهرين، وهذا ما تجلى من خلال  تلميحات المشايخ في السويداء إالى وجود يد للنظام في تفجيرات حمص. 

وأضاف سالم، أن هذا التوافق يتطابق مع “السردية العامة” التي تبنتها قوى المعارضة، وهو يدل على “وعي وتلاحم مع المشهد”، وفق تعبيره. 

ووقف المتظاهرون، في اليوم التالي على وقوع ضحايا مدنيين في حمص وإدلب، دقيقة صمت على أرواح الضحايا. 

الناشط السياسي، مهند شهاب الدين أحد منظمي الحراك بالسويداء، قال لعنب بلدي، “إن الوقوف دقيقة صمت على أرواح الأبرياء المدنيين من ضحايا حمص وإدلب، هوي رسالة للعالم أولًا وللشعب السوري ثانيًا بأننا نعلم علم اليقين بأن الإجرام مصدره واحد ومرتكبه واحد وإن تعددت أدواته”، مشيرًا إلى مسؤولية النظام وإيران عن هجوم حمص. 

وأكد شهاب الدين أن الرسالة الإنسانية هي “الأقوى”، وأن “دماء السوريين واحدة وغالية علينا، ويؤلمنا أن تُراق على الأرض السورية”. 

الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، شدد على دعمه للاحتجاجات مجددًا، قائلًا، إن الحراك السلمي الذي أطلقه أبناء السويداء منذ نحو شهرين هو دليل على أن أبناء المحافظة “حضاريون وعلمانيون”. 

وأضاف أن أبناء السويداء يدعمون التعددية السياسية في سوريا، مشيرًا إلى أن البلد تعاني من انعدام التعددية، وفي حال لم تصل إلى لتحقيقها ستواصل الأوضاع فيها بالاتجاه نحو الأسوأ، وأن هذه “اليقظة” ستستمر حتى تحقيق كل مطالب الشعب السوري. 

المحلل السياسي، فراس رضوان أوغلو، يعتقد أن تأثيرات حادثة حمص على مظاهرات السويداء كانت “غير مباشرة”، بمعنى أن النظام كان يقصف إدلب وريف حلب، حيث تتواجد المعارضة، “كرد اعتبار أو انتقام”، وفق رؤيته، بمعنى أنه ما زال يلتزم بالقوة في مسألة الخلافات القائمة على أرض الميدان.

غزة حاضرة في السويداء

للجمعة السابعة على التوالي، في 13 من تشرين الأول الحالي، شهدت مدينة السويداء مظاهرة جدد خلالها المحتجون مطالبهم بإسقاط النظام السوري وتطبيق القرار الأممي “2254”، امتدادًا لمطالب أطلقها وجهاء المحافظة ومتظاهرون فيها قبل نحو شهرين. 

ورفع محتجون لافتات عبّرت عن التضامن مع غزة في فلسطين، إثر القصف الذي تتعرض له من قبل القوات الإسرائيلية، وأخرى مع محافظة إدلب التي قصفها النظام السوري بشكل مستمر على مدار أسبوع. 

ومنذ 7 من تشرين الأول الحالي، بدأ تصعيد متبادل في الأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة، بين القوات الإسرائيلية و”كتائب “القسام” (الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”)، أدى إلى مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص، وآلاف الجرحى الفلسطينيين، وفق بيانات وزارة الصحة في قطاع غزة، ونحو 1400 قتيل إسرائيلي، و3391 مصابًا، نحو 100 منهم حالتهم خطرة. 

في غضون ذلك، يتواصل القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، ملحقًا دمارًا واسعًا في البنى التحتية والأاحياء السكنية، مع قطع تام للكهرباء. 

الناشط الحقوقي ورئيس فرع السويداء للمنظمة “العربية لحقوق الإنسان في سوريا”، سليمان الكفيري، قال لعنب بلدي،  إن ما يجري في فلسطين يحتم علينا إدانة قصف المدنيين والبنية التحتية وقطع الكهرباء والماء ومحاصرة أهالي غزة. 

أحد منظمي الحراك بالسويداء، مهند شهاب الدين، قال إنه “من الطبيعي أن يتصدر الإعلام حدث هز العالم في فلسطين، فدماء أبرياء غزة أايضًا غالية علينا ونتمنى أن يتوقف حمام الدم، لذا نتعاطف مع الأبرياء والمدنيين، وندين الإجرام الإسرائيلي”. 

مظاهرات في مدينة صلخد جنوبي السويداء تنادي بإسقاط النظام السوري وتتضامن مع أهالي قطاع غزة بفلسطين- 18 تشرين الأول 2023 (السويداء 24)

مظاهرات في مدينة صلخد جنوبي السويداء تنادي بإسقاط النظام السوري وتتضامن مع أهالي قطاع غزة بفلسطين- 18 تشرين الأول 2023 (السويداء 24)

لماذا لم تنضم المدن السورية؟ 

تزامنت مظاهرات السويداء مع ظهور أصوات تنحدر من الساحل السوري هاجمت النظام السوري وانتقدت الأوضاع المعيشية، سبقها ظهور حركة “10 آب”، تلا ذلك دعوات للتظاهر في أنحاء سوريا. 

خرجت مدن درعا والسويداء وإدلب وريف حلب في المظاهرات، لكن المدن الرئيسية التي يسيطر عليها النظام السوري، بما فيها دمشق العاصمة ومدن الساحل المنتظر تظاهرها، سادها الصمت ولم تسجل فيها حالة تظاهر واحدة، وسط تشديد النظام للحالة الأمنية. 

ولا يعدّ التشديد الأمني من قبل النظام السوري سببًا وحيدًا لعدم خروج المدن السورية، ومدن الساحل، في مظاهرات خلال الشهرين الأخيرين، إذ يضاف إليها أسباب سياسية، تتعلق بعدة خطوات اتبعها النظام السوري. 

ويمكن تقسيم نسبة التفاعل مع مظاهرات السويداء تبعًا للظروف السياسية الموجودة في مختلف المناطق السورية، وتوزع السيطرة عليها من الأطراف المختلفة. 

وفق مستشار هيئة التفاوض، يحيى العريضي، المنحدر من مدينة السويداء، فإن غياب تشجيع بعض الجهات الفاعلة والمؤثرة على المشاركة، لعب دورًا في تأخير المشاركة، كما أن ظروف كل من منطقتي الشمال الغربي والشرقي لها أثرها كذلك. 

وبحسب العريضي، فإن غياب تشابه الظروف بين الشمال الشرقي لسوريا والسويداء، ونأي الأخيرة عن الجهات المتحكمة في تلك المنطقة لعب دوره بتفاعل ضعيف مع المظاهرات، رغم خروج عدة مدن خلال الأيام الأولى. 

وركّزت البعض السكان في مناطق الشمال الغربي وريف حلب  على تفاصيل تتعلق بحراك السويداء في مناطق الشمال الغربي وريف حلب، وتحديدًا الحضور الدائم لعلم “الموحدين الدروز”، والمخاوف من أن يكون الحراك يخص الطائفة، وهو ما أدى إلى لتفاعل خفت تدريجيًا مع السويداء، فيما لعبت القبضة الأمنية واستنفار النظام دورًا في منع الساحل من المشاركة، برأي العريضي. 

منذ الأيام الأولى للثورة السورية في 2011، سعى النظام السوري إلى عزل المحافظات السورية والشرائح المجتمعية عن بعضها البعض، عبر استغلال ثغرات ونقاط ضعف عمل عليها طيلة سنوات حكمه، بما في ذلك المناطقية والعشائرية والطائفية. 

ولم تكن السويداء بمنأى عن هذه التحركات للنظام، ويرى مساعد الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية، يمان زياد، أن النظام وعبر خلق حوادث أمنية بين أهل المحافظة والعشائر في محيط درعا، والعشائر البدوية، ونقل عناصر تنظيم الدولة” واستخدامهم ضد السويداء، نجح بعزل الأخيرة عن محيطها. 

كما أن القبضة الأمنية المفروضة في درعا، والمصالحات، وسياسة تفريغ المحافظات السورية من شبابها، سواء عبر التهجير أو تسهيل الخروج من البلاد، وكذلك المعارك التي تعرضت لها وتغير تركيبة السكان، لعبت دورًا في التفاعل الضعيف، وفق زياد. 

ووفق أرقام الأمم المتحدة، هناك 5.3 مليون لاجئ سوري في البلدان المجاورة لسوريا، عدا عن السوريين في الدول الأوروبية، كما تشهد مناطق سيطرة النظام السوري هجرة كبيرة إلى خارج البلاد، للبحث عن فرص أفضل للحياة. 

 

نجح النظام بعزل السويداء عبر حوادث أمنية بين أهل المحافظة والعشائر في محيط درعا، والعشائر البدوية، ونقل عناصر تنظيم (الدولة) واستخدامهم ضدها

يمان زياد – باحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية

ومع تزايد الأصوات المناهضة للنظام السوري في الساحل، زار الأسد مدينتين  بانياس واللاذقية، وكذلك زوجته أسماء الأسد، التي زارت ريف طرطوس، بالإضافة إلى زيارات نفذها قام بها وزراء في حكومة النظام السوري. 

وتعيش مناطق سوريا عمومًا أزمة اقتصادية في ظل ضعف الرواتب والقوة الشرائية وارتفاع الأسعار في ذات الوقت، ويعوّل معظم السكان على الحوالات الخارجية المرسلة من أقاربهم خارج سوريا للمساعدة في مصاريف المعيشة، في حين تعاني الحاضنة الشعبية في الساحل، بصورة خاصة، نظرًا إلى لأنها أقل المكونات السورية ارتباطًا بمهجرين خارج البلاد. 

الدكتور في علم الاجتماع، طلال المصطفى، قال لعنب بلدي إن،  زيارات الأسد إلى الساحل، وتهديده لسكانه بشكل مباشر بحالة ثأر جماعي من طوائف أخرى في حال تخلوا عنه، وادعاءئه أن المدن السورية الأخرى لن تغفر ما حصل خلال السنوات الماضية، وزرع الخوف في نفوس الناس، أحد الأسباب التي أوقفت إمكانية انتقال الاحتجاجات من الفردية إلى الجماعية. 

وأضاف أن المدن الأخرى أُفرغت من شبابها وهُدمت كما ريف دمشق وحلب وحمص وغيرها من المدن السورية، وهي أسباب جوهرية لغياب التفاعل بحسب رأيه، كما أن من تبقى من سكان هذه المدن، ما زالوا تحت صدمة المجازر الجماعية واستخدام الكيماوي ضد السوريين في عدة مناطق سورية، من قبل النظام. 

الأمل لا يزال قائمًا لتحرك محتمل 

برغم مرور شهرين على حراك السويداء، وغياب مؤشرات دالّة تدل على إمكانية خروج مظاهرات شعبية في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، فإلا أن هذا لا يمنع إمكانية عودة الزخم خلال الفترة المقبلة، برغم الخطوات التي اتبعها الأسد، خاصةً وأن الأسباب الأولى التي فجرّت إمكانية التحرك ما زالت موجودة، فلم يتحسن الوضع الاقتصادي، ولما يزال الجمود يحيط بالملف السياسي، والأزمات الاجتماعية المحيطة بالسوريين مستمرة أيضًا. 

وقد تشكل استمرارية حراك السويداء عاملًا إضافيًا يشجع محافظات سورية أخرى على الخروج ضد الأسد، بحسب العريضي، الذي يرى أن استمرار الحراك وثباته ومدّ يده لكل السوريين، وزيادة منسوب التفهم لخصائصه قد يلعب دوره في المرحلة المقبلة. 

كما سيشكل نجاح حراك السويداء بانتزاع وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية في الفترة المقبلة، دورًا مهمًا في اتساع رقعة المظاهرات إلى مدن سورية أخرى يسيطر عليها النظام السوري، خاصةً وأن الأخير لم ينجح بحلّ أي أزمة من الأزمات الحالية التي تحاصر سكان مناطقه. 

وقال مساعد الباحث، يمان زياد، لعنب بلدي، إن مدينتي اللاذقية وطرطوس أكثر المدن المهيأة للتحرك برغم القبضة الأمنية المشددة فيهما، لكن ازدياد وتيرة الأحداث الأمنية في المحافظتين، بالتزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، قد يؤديان إلى حراك ما، بغض النظر عن مدى اتساعه. 

فيما يرى العريضي أن استمرار الحراك في السويداء وثباته، من الممكن أن يؤدي في النهاية إلى تشجيع السوريين على الخروج في مناطق جديدة ضد النظام السوري، وبرغم إصدار الأسد لعدة مراسيم خلال الشهرين الماضيين، ضمن المجالات العسكرية والاقتصادية، بما في ذلك إنهاء العمل بالمحاكم العسكرية الميدانية.

مظاهرات في مدينة السويداء بساحة السويداء تنادي بإسقاط النظام السوري وتتضامن مع أهالي قطاع غزة بفلسطين- 13 تشرين الأول 2023 (السويداء 24)

مظاهرات في مدينة السويداء بساحة السويداء تنادي بإسقاط النظام السوري وتتضامن مع أهالي قطاع غزة بفلسطين- 13 تشرين الأول 2023 (السويداء 24)

تفاعل دولي “خجول” 

لم يتخذ النظام أي إجراءات أمنية بشكل علني ضد مظاهرات السويداء، من شأنها تصعيد موقفه أكثر، بالمقابل، اشتدت القبضة الأمنية في محافظات أخرى منعًا لحدوث المظاهرات بالتزامن مع دعوات لها، بحسب ما رصدته عنب بلدي. 

المحلل السياسي، فراس رضوان أوغلو، يرى أن تعاطي النظام حتى الآن مع المظاهرات في السويداء “مختلف جدًا” عن تعاطيه مع الاحتجاجات في المناطق الأخرى، وذلك لأنه يدرك التعاطف الدولي مع أهالي السويداء كونهم من “الأقلية الدرزية”. 

وما منع النظام من التصعيد في السويداء، قلقه من موقف الأردن أو إسرائيل في الجنوب، إذ يبدو أانهما لا تريدان أي تصعيد عسكري في المنطقة، وكذلك روسيا أيضًا، وفق رضوان أوغلو. 

مدير وحدة الدراسات في مركز أبعاد”، محمد سالم، قال إن التفاعل الدولي له أهمية كبيرة في استمرار صمود المتظاهرين بفي السويداء وإاعطائهم “الجرعة المعنوية” للاستمرار، لكنه ااستبعد  حاليًا بسبب الأحداث الدولية الجارية، في إشارة إلى اللتصعيد بين إسرائيل و”حماس”، أن يكون هناك تفاعل دولي عالي المستوى. 

واستدرك سالم حديثه بأن التفاعل الدولي الذي حصل إلى حدحتى  هذه المرحلة، بالإضافة إلى جهود المعارضة السورية ومختلف الهيئات السورية الممثلة للشعب السوري، يمكن أن  يتساهما في وقف تدحرج “عجلة” التطبيع مع النظام السوري، وهذا بحد ذاته “إنجاز كبير”، وفق تعبيره. 

في 27 من أيلول الماضي، أجرى نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، إيثان غولدريتش، اتصالًا بالزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ، حكمت الهجري، للتعبير عن دعم بلاده لحرية التعبير للسوريين. 

وبحسب ما نشرته السفارة الأمريكية في سوريا حينها، فإن الولايات المتحدة تدعم الاحتجاج السلمي في السويداء، وأكد غولدريتش الدعوات الأمريكية للوصول إلى “سوريا عادلة وموحدة”، داعيًا إلى حل سياسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن “2254”. 

وفي 5 من تشرين الأول الحالي، أجرت المبعوثة الفرنسية الخاصة إلى سوريا، بريجيت كرمي، اتصالًا هاتفيًا بالشيخ حكمت الهجري، وناقشت معه أهمية الحراك السلمي في محافظة السويداء والمشاركة الفعالة للمرأة وضرورة تطبيق القرار الأممي “2254”. 

وتلقى الهجري أيضًا اتصالًا من المبعوثة البريطانية إلى سوريا، آن سنو، في 29 من أيلول الماضي، إلى جانب اتصالات من النائب الأمريكي الجمهوري فرينش هيل، ومن النائب الديمقراطي برندن بويل، ومن النائبة في البرلمان الأوروبي، ورئيسة لجنة الشؤون الخارجية، ومسؤولة الملف السوري عن كتلة “الخضر” البرلمانية، كاترين لانغزيبن. 

ويعد الهجري رمز حراك السويداء إذ كان أول شيوخ العقل الداعمين للاحتجاجات في المحافظة قبل أن ينضم إليه شيخ العقل الثاني، الشيخ حمود الحناوي. 

الناشط الحقوقي ورئيس فرع السويداء للمنظمة “العربية لحقوق الإنسان في سوريا”، سليمان الكفيري، يرى أن الحراك في سوريا مع مرور الأيام يزداد زخمًا وتأثيرًا، وتزداد المواقف الداعمة له داخليًا في المحافظات السورية بحسب ظروفها، التي تعاني من “القبضة الأمنية” بحسب ظروفها. 

وخارجيًا يزداد تضامن الدول الغربية والأوروبية مع الحراك السوري، وفق الكفيري، لكنه وصفه بـ “الخجول” وغير الكافي، وعلى بالرغم من أثرها الطيب في نفوس المحتجين، فإنه لكنه طالب بزيادة الضغط على النظام ليجبره على بدء التحرك نحو تطبيق القرار الدولي “2254”. 

المحلل السياسي فراس فحام، يرى أن أحداث غزة “طاغية على المشهد الدولي”، وهو ما يقلل الاهتمام بمظاهرات السويداء، مستندًا إلى أنه حتى التصعيد الذي حصل في إدلب لم يلقَ اهتمامًا دوليًا كبيرًا، باستثناء اهتمام الدول الضامنة في مسار  أستانة” والنقاشات التي حصلت بينها. 

 

إنفوغراف يوضح أبرز القرارات والمراسيم التي أصدرها النظام السوري منذ اندلاع مظاهرات السويداء في آب 2023 (عنب بلدي)

إنفوغراف يوضح أبرز القرارات والمراسيم التي أصدرها النظام السوري منذ اندلاع مظاهرات السويداء في آب 2023 (عنب بلدي)

سيناريوهات بانتظار الحراك في السويداء 

مع التغيرات المتسارعة في المنطقة، واستمرار الحراك لشهرين دون أثر واضح بتحقيق مكاسب، أو توسع رقعة المظاهرات إلى مناطق أخرى يسيطر عليها النظام السوري، وعدم تحرك الأخير باتجاه إنهاء الحراك بشكل نهائي، يبدو من المنطقي التساؤل حول مستقبل المظاهرات في المحافظة. 

أول السيناريوهات المطروحة هو اتساع أو انخفاض زخم الحراك، سواءً في السويداء ومحيطها، أو فيما يخصفي المدن السورية الأخرى التي يسيطر عليها النظام السوري. 

كما تمثل التغيرات الدولية والمعارك العسكرية في المنطقة، وخلط الأوراق فيها، فرصةً للنظام لتعامل مختلف عما أبداه منذ اندلاع المظاهرات وحتى اللحظة. 

وبحسب الباحث في مركز “جسور”، فراس فحام، فإن الحراك يتجه رويدًا رويدًا ليصبح أسبوعيًا، فيما قد يتجه النظام للتصعيد على ضوء الأحداث الجارية، وانشغال المجتمع الدولي. 

وأشار فحام، في حديثه لعنب بلدي، إلى أن النظام حاول منذ الأساس عبر إعلاميين وصحف مقربة منه، لتشويه الحراك واتهام المتظاهرين بالتواصل مع إسرائيل. 

وليس بالضرورة أن يلجأ النظام إلى عمل عسكري أو اقتحام ميداني للمحافظة، كما فعل في مدن سورية أخرى طوال 12 عامًا، كما يشير مساعد الباحث، يمان زياد، إذ يمتلك أدواته لزعزعة الأمن في السويداء، سواء عبر الميليشيات أو تنظيم الدولة، وهو أمر وارد للغاية خاصةً إن ارتبط بعاملين. 

وأوضح زياد أن العامل الأول يتعلق بتمكن السويداء من فتح معبر بري مع الأردن، أو تشكيل جيب ثوري مع درعا ووصوله إلى مدن أخرى، أو إيجاد حل اقتصادي دون أن انتظار تنازل النظام، وهو العامل الثاني. 

ويراهن النظام السوري على الوقت وتراجع زخم الحراك في المحافظة مع تضييق اقتصادي على سكان السويداء من حين لآخر، وفق زياد، الذي استبعد الحل العسكري المباشر على غرار ما حدث في المدن الثائرة سابقًا، لكون المحافظة تمتلك تركيبة ديموغرافية تمتد خارج إطار الجغرافياة السورية. 

ويضاف إلى لما سبق، عدم قدرة الأسد على صياغة سردية وجود متطرفين أو إرهابيين في المدينة، والسبب الأهم هو أن الفصائل المحلية التي يدعمها الأسد وإيران قد تنقلب عليه في حال كان هناك حل عسكري، إذ يحتل مبدأ “العرض والأرض” مكانة كبيرة بين كل أبناء المحافظة، بحسب رأيه. 

فراس فحام رجّح في حديثه لعنب بلدي، استمرار الحراك خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع مسير اتجاه المنطقة إلى لمصير مجهول بعد معارك غزة، والتي سيحاول النظام استغلالها لإنهاء الحراك عبر الحلّ الأمني. 

وفي حديث سابق لعنب بلدي، كشف ليث البلعوس، نجل مؤسس حركة “رجال الكرامة” الشيخ وحيد البلعوس، وقائد ما يعرف محليًا بـ”مضافة الكرامة”، عن محاولات التنسيق بين القوى العسكرية والسياسية في السويداء لخلق “مجلس سياسي” يعطي وجهًا جديدًا للمحافظة. 

وأشار إلى أن المشروع مطروح مع القوى السياسية، بهدف توحيد الجهود تحت مجلس ورأي واحد. 

وتوقع البلعوس حينها أن لاألا يفتح النظام جبهة جديدة على الصعيد العسكري مع أبناء السويداء، خصوصًا مع الوضع السيئ الذي يعاني منه في ظل الوجود الأمريكي شرقي المحافظة ببضعة كيلومترات (قاعدة التنف)، وفق ما قاله لعنب بلدي. 

وأضاف أن سياسة الأسد واضحة اليوم في الجنوب، إذ يحارب أبناءئها بالتجويع، وإذ تعمد الحواجز الأمنية على طريق دمشق- السويداء إلى منع سيارات البضائع من دخول المحافظة، بحجة وجود مظاهرات فيها، علمًا أن المتظاهرين لم يمنعوا دخول سيارات البضائع نحو المحافظة. 

وسبق أن عبر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في لقاء مع قناة “سكاي نيوز” الإماراتية، في 10 من آب الماضي، عن طريقة تعامله مع المظاهرات في سوريا، بقوله،: “لو عاد بنا الزمن إلى الوراء سوف نبني ونتبنى نفس السياسة بفي مواجهة الأحداث في سوريا”.