قضية “أبو نبوت”.. جهود شخصية تكللت بمذكرات توقيف دولية

عمر صلاح أبو نبوت (تعديل عنب بلدي)

camera iconعمر صلاح أبو نبوت (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – براءة خطاب

“القضية هي أول خطوة نحو السلام”، لم يملك عمر أبو نبوت أي معلومة قانونية لفتح قضية بشأن مقتل والده في سوريا، لكن إصراره على تقديم شكوى وإحراز خطوة أولى نحو العدالة في قضية والده جعلت منه شخصًا مندفعًا على تعلم اللغة الفرنسية بشكل أسرع، والانخراط في المجتمع الفرنسي، ليكون قادرًا على متابعة ملف القضية الذي أعده بنفسه، وقدمه إلى المدعي العام، وهو ابن 21 عامًا، بعد مرور أشهر قليلة على وفاة والده.

عمر أبو نبوت (27 عامًا) نجل صلاح، المواطن السوري الذي يحمل الجنسية الفرنسية وقتلته طائرات النظام السوري في مدينة درعا، قرر فتح قضية ضد المسؤولين عن وفاة والده، لتحقيق العدالة، متجنبًا في البداية كشف تفاصيل القضية خوفًا من الإحباط الذي كان يسيطر على محيطه.

وتعرضت مدينة درعا وتحديدًا حي طريق السد، في 7 من حزيران 2017، لقصف مكثف من قبل النظام السوري، تحت إطار عملية عسكرية قادتها قوات النظام على مدينة درعا، جنوبي سوريا، بدعم فعال من موسكو.

وخلال الهجوم الذي تعرضت له المدينة، استُهدف منزل صلاح أبو نبوت بالبراميل المتفجرة التي أُطلقت من الطائرات المروحية، وقُتل في الهجوم، بحسب “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير“.

وضم المبنى المستهدف مدرسة للأطفال وهي مدرسة “السد” (أجيال) التي كانت تدار من قبل منظمة غير حكومية أردنية.

اعتُقل صلاح أبو نبوت عام 2013 وأُفرج عنه في 2015، وغادر عمر مع عائلته خلالها إلى فرنسا، لكن لم يلتحق صلاح بعائلته بعد الإفراج عنه وبقي في مدينة درعا حتى وفاته.

جهود شخصية

بدأ عمر بجمع الأدلة وإعداد ملف للقضية بعد وفاة والده، وتقدم بشكوى أمام محكمة باريس نيابة عن والده في عام 2017، ووافق المدعي العام على الشكوى، وحولت إلى وحدة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في المحكمة الفرنسية، بحسب ما قاله عمر أبو نبوت لعنب بلدي.

وفتحت وحدة جرائم الحرب في المحكمة تحقيقًا بناء على الشكوى بشأن مقتل والده، وتم تعيين قاضيين للتحقيق، وقبول نجل الضحية عمر كطرف مدني.

وعمل عمر على التواصل مع الشهود، ولعب دور المحامي والمدعي في نفس الوقت لمدة ثلاث سنوات، ووكّل محاميًا لمتابعة القضية معه، لكنه لم يكن جديرًا بالثقة وتغيب عن الجلسة الأولى مع القاضي في مطلع عام 2018، ليحضرها عمر بصحبة مترجم فقط بسبب عدم قدرته على التحدث باللغة الفرنسية بطلاقة، كونه قدم إلى البلاد حديثًا.

وانضم “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” إلى الشكوى كخبير محلي في القضية ليعينه لاحقًا عمر كطرف مدني، عام 2020، برغبة وموافقة منه لتقديم أكبر عدد من الأدلة إلى القضاة والمضي بشكل أسرع في مسار العدالة الذي كان يطمح إليه.

كما أسهمت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في دعم التحقيق عبر تزويد القضاة بمعلومات تفصيلية عن حادثة القصف بالبراميل المتفجرة، في 7 من حزيران 2017، وتقديم شهود وناجين من هذه الحادثة، وعن استخدام النظام السوري لهذا السلاح، وغير ذلك من المعلومات والتفاصيل.

وأوكلت القضية إلى المحامية المتخصصة في القانون الجنائي الدولي وصاحبة الخبرة بجرائم الحرب في سوريا، كليمانس بيكتارت.

خطوة باتجاه العدالة

بعد جهد ست سنوات وجمع للأدلة، أحرز عمر تقدمًا نحو عدالة والده، وأصدر القضاء الفرنسي مذكرات توقيف، في 18 من تشرين الأول الحالي، بحق أربعة ضباط سوريين، هم فهد جاسم الفريج، وعلي عبد الله أيوب، وأحمد بلول، وعلي الصفتلي.

ولم تُصدر مذكرات التوقيف بشكل عشوائي، فالضباط الأربعة لهم ارتباط بشكل مباشر وأساسي في مقتل صلاح أبو نبوت، بحسب المركز السوري للإعلام وحرية التعبير.

ويعد فهد جاسم الفريج، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع حينها وينسق مع القائد العام للجيش، بشار الأسد، من الذين شاركوا في صنع القرار العسكري وتطوير استراتيجيات القتال.

كما شارك علي عبد الله أيوب، بحكم منصبه كرئيس أركان القوات المسلحة حينها، بشكل مباشر في تنسيق العمليات العسكرية وتنفيذها.

أما أحمد البلول، وباعتباره قائدًا للقوات الجوية والدفاع الجوي في العام 2017، فكان مسؤولًا مباشرًا عن جميع المسائل المتعلقة بأنشطة القوات الجوية، ومن ضمنها الغارات التي وقعت في سوريا.

وانطلاقًا من رتبته كقائد لمطار “بلي”، أصدر علي الصفتلي الأوامر القتالية، التي شملت نوع المهمة وموقعها ونوع الذخيرة والهدف والطائرة المستخدمة.

يعتبر عمر أبو نبوت أن الجهد المقدم خلال هذه السنوات والذي تكلل بصدور مذكرات التوقيف بحق الضباط السوريين يشعره بالنصر، ليس من أجل والده فقط، بل لجميع السوريين الذين ارتكبت بحقهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كما يراه خطوة نحو العدالة في سوريا.

إبقاء أمر العدالة والمساءلة مفتوحًا

لا يتوقع مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أن تتسبب هذه المذكرات باستقالة هذه الشخصيات ولا باعتقالهم من قبل الحكومة السورية وتسليمهم إلى القضاء الفرنسي ولا إقالتهم من مناصبهم، باعتبارهم أصبحوا مطلوبين بتهم متعلقة بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، أو أن تقدم القضية تغييرًا داخل سوريا في سلوك أجهزة الأمن أو الجيش فيما يخص الانتهاكات، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

ويضرب الحقوقي محمد العبد الله مثالًا توضيحيًا بمذكرات التوقيف الفرنسية التي صدرت بحق كبار المسؤولين في مخابرات النظام، والتي شملت ثلاث شخصيات تواجه تهمًا مرتبطة بالتعذيب بشكل مباشر، لكنها لم تحرز أي تقدم في تغير ممارسات التعذيب والانتهاكات التي تحصل في سوريا.

لكن المذكرات تساعد الملف السوري بإبقاء موضوع العدالة والمساءلة مفتوحًا، كما تساعد في تسليط الضوء على الانتهاكات التي ارتكبت في سوريا وتحديدًا الهجمات “غير المشروعة”، مثل استهداف المدنيين بضربات عشوائية وبراميل متفجرة، بحسب العبد الله.

ولا تسقط “جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية” بالتقادم، ولا يسري عليها مرور الزمن، وإبقاء الملف مفتوحًا أمر أساسي ومهم في الملف السوري، فمن الممكن أن يبقى الملف طي النسيان باعتبار أن هناك ملفات سياسية أخرى مثل أوكرانيا وغزة تنافس الملف السوري على الأولوية والاهتمام بالإعلام ودبلوماسيًا، لذلك تساعد هذه المذكرات بإبقاء أمر العدالة والمساءلة مفتوحًا، بحسب ما قاله العبد الله لعنب بلدي.

ويرى العبد الله أن جدوى المذكرات محدود، وبالنظر إلى محدودية الخيارات في سوريا، وباعتبار أنه ليست هناك محكمة دولية خاصة في سوريا، “نبقى محدودين بما يستطيع القضاء المحلي في مجموعة من الدول القيام به”، وفق مبدأ الاختصاص العالمي لحقوق الإنسان.

ويعتبر هذا أقصى ما يمكن فعله في الوضع الراهن، وهو إصدار مذكرات توقيف ومحاكمة المسؤولين، بحسب العبد الله.

المحاكم الغيابية وتأثيرها على الملف السوري

لفت النظام القضائي الفرنسي الانتباه إلى دور المسؤولين الكبار الأربعة عن جرائم الحرب المرتكبة ضد الشعب السوري، وتعتبر هذه الخطوة رسالة قوية إلى أن العدالة خارج الحدود الإقليمية لها دور أساسي في ملاحقة المسؤولين عن “أخطر” الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في سوريا منذ آذار 2011، دون الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو العدالة الانتقالية، أو محكمة مشتركة.

وعن تأثير الأحكام الغيابية في ظل عدم وجود المتهمين على الأراضي الفرنسية، قال العبد الله، إن الأحكام الغيابية تكون مشروعة بتنفيذ الحكم، وفي حال تم توقيف أحد المتهمين ستعاد محاكمته حضوريًا، ولها أثر إيجابي على الملف السوري، وتثبيت حقوق السوريين على المدى الطويل.

وسيسمح ذلك باستخدام الأدلة المتراكمة حول هذه الملفات لدى المنظمات والأمم المتحدة والنيابات العامة، ما يسمح للضحايا بإيصال صوتهم والإدلاء بإفادتهم حول ما حصل، ويثبت رواية الضحايا بمن هو الطرف الذي كان يقوم بالانتهاكات في هذا السياق وتحديدًا “الهجمات غير المشروعة” التي استهدفت المدنيين ومنها البراميل المتفجرة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة