سوريون عالقون بين بيلاروسيا وبولندا يتعرضون لانتهاكات من حرس الحدود

مهاجرون ينتظرون في درجات حرارة منخفضة بالقرب من نقطة تفتيش بروزجي على الحدود البولندية البيلاروسية_ 18 من تشرين الثاني 2021 (وكالة الأناضول)

camera iconمهاجرون ينتظرون في درجات حرارة منخفضة بالقرب من نقطة تفتيش بروزجي على الحدود البولندية البيلاروسية_ 18 من تشرين الثاني 2021 (وكالة الأناضول)

tag icon ع ع ع

“أهينت كرامتنا، ورُش على وجوهنا الفلفل، مع اعتداءات جسدية تعرض لها بعضنا، في كل محاولة لعبور الحدود البيلاروسية باتجاه بولندا”، هكذا عبر اللاجئ السوري عبد الهادي، لعنب بلدي، عما مر به في أثناء محاولته العبور باتجاه أوروبا عبر الحدود البيلاروسية- البولندية برفقة أصدقائه وكيف أصبح عالقًا بين حدود الدولتين.

ويتعرض مئات من اللاجئين لانتهاكات لفظية وجسدية في أثناء عبور الحدود إلى أوروبا في ظل التشديد الأمني عليها.

لم يكن عبد الهادي (29 عامًا) الوحيد الذي خاض هذه التجربة، إذ رصدت عنب بلدي قصصًا للاجئين سوريين تعرضوا للعنف لمنع عبورهم إلى أوروبا، في خرق للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وفق تقارير لمنظمات حقوقية دولية.

اعتداءات ضد طالبي اللجوء

تنتهك كل من قوات حرس الحدود البولندي والبيلاروسي حقوق طالبي اللجوء عبر استخدام أساليب العنف والضرب تجاه اللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بعبور الحدود ما بين البلدين.

عبد الهادي، لاجئ سوري ينحدر من محافظة اللاذقية، قال لعنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية، إنه بعد أكثر من عشرة أيام من تكرار المحاولات الفاشلة والانتظار، استطاع مع مجموعة مكونة من 13 شخصًا قطع الأسلاك الشائكة الممتدة بين البلدين.

وأضاف عبد الهادي لعنب بلدي، أن الجنود البولنديين عند ملاحظتهم وجود المجموعة في الأراضي البولندية، استخدموا رذاذ “الفلفل” لمنعهم من العبور، ما سبب للشبان الآلام والالتهابات في أعينهم استمرت لأيام، بالإضافة إلى توجيه الإهانات والدفع نحو الأراضي البيلاروسية.

استطاع تسعة أشخاص من المجموعة اجتياز الحدود البولندية والاختباء في غاباتها، ليلقى القبض عليهم بعد يومين من حرس الحدود ويرسلوا إلى بيلاروسيا، ويبقى مصير الأشخاص الأربعة مجهولًا، وفقًا لعبد الهادي.

يمكن أن يؤدي التعرض إلى رذاذ الفلفل إلى إصابات مختلفة تصل إلى الموت، وتعرض الجلد له يسبب الألم الحارق الشديد والوخز والورم واحمرار الجلد والبثور، ويؤدي تعرض العينين له إلى ألم وفقدان منعكس الطرف وإفراز للدموع وانخفاض حدة البصر والتهاب عصبي.

عبد الهادي شاب سوري، دفعته ظروفه الاقتصادية السيئة في مدينه بمحافظة اللاذقية للتفكير بالسفر إلى أوروبا وتقديم اللجوء في ألمانيا دون معرفة مساوئ الطريق وخطورته، ما عرضه لصدمة من المعاملة السيئة التي واجهها من قبل عناصر الحرس الحدودي البولندي.

وقال  عبد الهادي، لعنب بلدي، إنه في أثناء عملية الإعادة تعرض للضرب “القاسي” من قبل الجنود البولنديين، وأُجبر على المشي رغم الإصابات التي تعرض لها جراء الضرب.

اختار عبد الهادي طريق الهجرة عبر بيلاروسيا لخوفه من الذهاب إلى شمال غربي سوريا والانتقال إلى تركيا بهدف الهجرة، نظرًا إلى خلفية منطقته التي تعد موالية للنظام السوري، ما يعرض حياته للخطر من قبل الفصائل المعارضة الموجودة في شمال غربي إدلب، بحسب قوله.

تنشط خطوط التهريب بين مناطق نفوذ “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، ومناطق يسيطر عليها النظام السوري بأرياف محافظة حلب الشرقية والشمالية، وتعتبر طرق التهريب هذه من الأكثر نشاطًا في المنطقة، خصوصًا للقادمين من مناطق نفوذ النظام السوري باتجاه الحدود التركية.

انتهاكات حقوقية

قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عبر تقرير في 7 من حزيران 2022، إن بولندا تعيد اللاجئين “بشكل غير قانوني” وأحيانًا عنيف، وأكدت أنه من غير المقبول أن تجبر دولة في الاتحاد الأوروبي طالبي اللجوء على العودة إلى بيلاروسيا وتعريضهم للانتهاكات اللاحقة التي سوف يواجهونها فيها.

وأشار التقرير إلى التناقض في تعامل بولندا مع اللاجئين، إذ تتبع سياسة الباب المفتوح للأشخاص الفارين من الحرب في أوكرانيا عكس بقية الدول.

بدأت الأزمة الإنسانية على الحدود البيلاروسية- البولندية في حزيران 2021، بعد محاولة آلاف الأشخاص من العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها من البلدان الوصول إلى الاتحاد الأوروبي عبر بيلاروسيا، ليتهم القادة السياسيون في بولندا وليتوانيا الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، بتسهيل عبورهم للحدود الأوروبية.

استجابت الدول الأوروبية للأزمة عبر تعزيز الدوريات الحدودية بشكل كبير، وإعلان حالة الطوارئ على طول المناطق الحدودية، وتأثرت المنظمات الإنسانية ومنها “أطباء بلا حدود” في الوصول إلى هذه المنطقة الحدودية لتجبر في بداية عام 2022 على الانسحاب بعد منعها مرات عديدة من الوصول إلى اللاجئين في الجانب البولندي.

ودعت مفوضية حقوق الإنسان، في أواخر عام 2021، كلًا من بولندا وبيلاروسيا إلى وقف ممارسات تعرض اللاجئين والمهاجرين للخطر، والتصدي “بشكل عاجل” للوضع “المروع” الذي يمرون به على الحدود بما يتماشى مع التزامات البلدين ضمن قانون حقوق الإنسان وقانون اللاجئين.

المتحدثة باسم مفوضية حقوق الإنسان، ليز ثروسيل، أكدت في بيان المفوضية أن غالبية الأشخاص قالوا إنهم تعرضوا للضرب أو التهديد من قبل قوات الأمن في بيلاروسيا، كما أن بولندا تحتجز بشكل منهجي المهاجرين واللاجئين في ظروف غير مناسبة، إذ إنه يجب أن يكون تدبيرًا استثنائيًا يُلجأ إليه كملاذ أخير وألا يستخدم إلا لفترة محدودة.

المنطقة الحدودية لعبور اللاجئين باتجاه أوروبا

المنطقة الحدودية لعبور اللاجئين باتجاه أوروبا

عالقون على طول الحدود

الشهادات التي حصلت عليها عنب بلدي تؤكد وجود لاجئين سوريين عالقين في بيلاروسيا في ظروف سيئة دون القدرة على العودة إلى البلدان التي قدموا منها أو المخاطرة بالتجربة في الوقت الحالي، لأسباب اختلفت وخاصة بعد إجبارهم من قبل الحرس البولندي على العودة باستخدام الضرب والإهانة.

بسبب المضايقات والاعتداء عليه جسديًا ونفسيًا واستخدام الضرب وتوجيه الإهانات المستمرة، لا يستطيع محمود الحصان (39 عامًا) اتخاذ القرار بشأن إعادة تجربة العبور مرة أخرى في الوقت الحالي بالإضافة إلى نفاذ المال لديه، وخطورة عودته إلى لبنان حيث كان يقيم سابقًا.

الشاب الذي ينحدر من مدينة داريا ما زال منذ 20 يومًا عالقًا بين الحدود البيلاروسية- البولندية، إذ نجحت إحدى محاولاته بعبور الأسلاك الشائكة، ليلقى القبض عليه على الفور من حرس الحدود البولندي، ويعيدونه بالإجبار إلى بيلاروسيا بعد تحطيم هاتفه المحمول وتجريده من ممتلكاته الشخصية، وفق ما قاله محمود.

وأضاف محمود لعنب بلدي، أن خياراته في حال أجبر من قبل السلطات البيلاروسية على مغادرة مدينة مينسك عاصمة بيلاروسيا حيث ينتظر الآن، محصورة في لبنان لإقامة زوجته وأطفاله الأربعة هناك، علمًا أن عودته شبه مستحيلة بحكم أنه تعرض للخطف سابقًا من عناصر “حزب الله” اللبناني، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

ويرجع الشاب السبب الرئيس لاتخاذه قرار الهجرة لأوروبا إلى التهديدات التي تعرض لها من قبل عناصر “الحزب”، على الرغم من عمله كمتطوع في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منذ عام 2013 حتى 2023، وتطوعه السابق في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان.

عبد الهادي، قال لعنب بلدي، إنه منذ مطلع تشرين الأول الماضي يحاول عبور الحدود دون جدوى، ويقيم حاليًا في مدينة مينسك في منزل استأجره قبل عدة أيام حتى يتحسن وضعه الصحي بعد التجارب السابقة التي استمرت لنحو شهر.

وأفاد الشاب أنه سيبقى في بيلاروسيا للمحاولة مجددًا عبور حدودها باتجاه بولندا ومن المستحيل أن يستسلم أو يفكر بالعودة إلى سوريا.

وأشار تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن مئات الأشخاص من دول سوريا والعراق وإيران واليمن وأفغانستان وكوبا ينتهي بهم الأمر محاصرين في المنطقة الحدودية بين البلدين، مع سوء معاملة شديد يتعرضون له.

وأكد تقرير المنظمة أن السلطات البولندية ملزمة بمنع المزيد من الوفيات والمعاناة، ويجب ضمان الوصول إلى إجراءات اللجوء والسماح لعمال الإغاثة الإنسانية والمراقبين المستقلين بالوصول إلى المنطقة الحدودية، والتحقق من الانتهاكات ومحاسبة الفاعلين.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة