القمل يسرح في المدارس.. أهالٍ يعالجونه بالكاز والمبيدات الخطرة

tag icon ع ع ع

اللاذقية – ليندا علي

اكتشفت أميمة (34 عامًا)، موظفة حكومية تعيش في مدينة اللاذقية، وجود القمل برأس طفلها الصغير مؤخرًا، لتتحدث مع إدارة المدرسة وتخبرها، وتبدأ هي رحلة العلاج الشاقة والمكلفة.

أولى مراحل العلاج كانت بقص شعر الطفل البالغ من العمر سبع سنوات، وهو في الصف الثاني الابتدائي، إذ كان شعره الأشقر يصل حتى أذنيه تقريبًا، مشيرة إلى أن لون شعره الفاتح أتعبها جدًا بينما كانت تقوم بإزالة البيوض.

اشترت الأم من الصيدلية علبة “شامبو” خاصة بالقمل بثمن 18 ألف ليرة سورية، لا يتجاوز حجمها الـ250 مل، إضافة إلى بخاخ مُركّز الفعالية بسعر 28 ألف ليرة، أي دفعت 46 ألف ليرة.

وقالت السيدة، إن مشكلة القمل زادت من مصاريف العائلة الكثيرة، إذ يعادل مبلغ 46 ألف ليرة ربع راتبها، ويبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية 186 ألف ليرة تقريبًا (ما يعادل 13دولارًا أمريكيًا)

وارتفعت أسعار مستلزمات مكافحة القمل بنحو 3 أضعاف عن العام الماضي، حيث كان سعر عبوة “الشامبو” 6000 ليرة، وعلبة البخاخ المُركّز 9500 ليرة.

وقالت صيدلانية فضّلت عدم ذكر اسمها، إن الأسعار متغيرة، وتتوقع ارتفاعها مرة أخرى خلال الفترة القليلة المقبلة، خاصة بسبب زيادة الطلب على المنتج حاليًا.

وذكرت أنها طلبت من المندوب المزيد من الكميات، ليخبرها أنه يستطيع تأمين كمية قليلة منها فقط، مضيفة أنه أخبرها بوجود رفع قريب للسعر.

للمرة الثالثة

روت أحلام (36 عامًا) أن قلبها كان يتقطع بينما تبكي طفلتها البالغة من العمر 11 عامًا، وهي تقص شعرها الطويل، بسبب الإصابة بالقمل.

وقالت السيدة التي تعيش في مدينة جبلة، وتعمل مدرّسة، إنها المرة الثالثة التي تصاب طفلتها بالقمل، ورغم أنها فضّلت عدم قص الشعر، فإنها لم تجد أي حل آخر، خاصة أن الموسم الدراسي لا يزال في بداياته.

وذكرت أنها حتى لو تخلصت من القمل، فلا يوجد أي ضمان لعدم الإصابة مجددًا، خاصة أن طفلتها أصيبت به العام الماضي لمرتين.

ويؤرق ارتفاع أسعار العلاج السيدة أحلام، وهذا كان أحد أهم أسباب اتخاذها قرار قص شعر طفلتها، فعبوة البخاخ التي اشترتها بـ28 ألف ليرة لم تكفِها إلا لمرة واحدة فقط، وعليها إعادة الكرّة بعد عشرة أيام كما أخبرها الطبيب، في حين اليوم وبعد قص الشعر، باتت تكفيها مرتين، ولم تعد بحاجة لدفع ثمن العلبتين.

“حياتنا قاسية كتير، قلبي تقطع على بنتي، بس شو أعمل، فعلًا ما في قدرة مادية”، أضافت المعلمة.

مدارس مكتظة

وكانت الصحة المدرسية التابعة لمديريات التربية في المحافظات تقدم علاج القمل مجانًا في المدارس، إلا أنها توقفت منذ العام الماضي عن منح تلك الأدوية.

ولا يوجد أي إجراء بإمكان المدارس اتخاذه لعلاج الظاهرة، إذ إن الصفوف مكتظة، وغالبًا ما يكون هناك ثلاثة أطفال في المقعد الواحد، أي أن قابلية العدوى مرتفعة للغاية لعدم وجود مسافة أمان.

وتلجأ بعض المدارس لعديد من الحيل لتفادي الإصابة، كأن يتم إجلاس طفل ذكر خفيف الشعر بين طفلتين في المقعد الواحد، ما يبعد قليلًا شبح انتقال العدوى، إلا أن أعداد الطلاب الذكور قياسًا بأعداد الطلاب الإناث قد لا تكون مناسبة لمثل هذا الإجراء.

وسجلت غالبية المدارس في اللاذقية العام الماضي حالات إصابة كبيرة بالقمل بين الطلاب، وبدا أن السبب الرئيس لها ارتفاع أسعار “الشامبو” وتدني نوعيته، إضافة إلى عدم وجود المياه الساخنة للاستحمام، إذ كانت الكهرباء تأتي ساعة واحدة فقط في اليوم، بمعدل ربع ساعة كل 6 ساعات تقريبًا.

الكاز وسيلة خطرة

يبدو خطر الإصابة بالقمل هذا العام مرتفعًا مع ارتفاع أسعار مستلزمات العلاج، إذ لا تستطيع غالبية الأسر تحمل تكلفة أسعار المستلزمات، لذلك تلجأ إلى بعض أنواع العلاجات الأخرى التي قد تكون خطرة جدًا على الطفل.

اكتشفت ناهدة (40 عامًا)، إصابة طفلتيها بالقمل، كما انتقلت العدوى إليها أيضًا، لتطلب من زوجها شراء ليتر كاز من محطة المحروقات بسعر لم يتجاوز الـ5000 ليرة.

وقالت، إنها وضعت الكاز على شعرها وشعر طفلتيها، ثم غطته بكيس من البلاستيك، وتركته طيلة ست ساعات كاملة، قبل أن تبدأ مرحلة الغسل ومن ثم إزالة الحشرات والبيوض، في عملية وصفتها بالمرهقة، حيث ساعدتها بها شقيقتها.

ناهدة التي تعيش في إحدى القرى على طريق كسب، قالت إنها سمعت عن أخطار الكاز، لكنها لا تثق بالأمر، فحين كانت صغيرة وفي كل مرة تصاب بالعدوى، كانت والدتها تطبق مراحل العلاج بالكاز، ولم يحدث لها شيء.

وذكرت أنها تحتاج إلى أكثر من 100 ألف ليرة لعلاجها وطفلتيها، ولا قدرة لديها على دفع المبلغ، فراتب زوجها في مؤسسة حكومية وعمله الإضافي في الزراعة لا يكفيان لسد احتياجات الغذاء.

ويلجأ عدد من الأهالي إلى مادة مركبة يتم شراؤها من محال بيع النباتات، لتستخدم كعلاج قوي للتخلص من القمل، وبسعر منخفض نسبيًا، إذ تباع وفق الطلب بـ1000 أو 2000 ليرة وأكثر.

وتعتبر المادة المركبة خطرة جدًا، وسبق أن تسببت في نيسان الماضي بوفاة طفلة بدمشق، حيث تعرضت لتوقف في القلب نتيجة نفاذ المادة السامة إلى جسدها من مسامات جلدها، وفق ما ذكرته صحيفة “البعث” (الناطقة بلسان الحزب الحاكم في سوريا) حينها.

عواقب وخيمة

قال “هيثم” 30 عامًا (اسم مستعار)، وهو طبيب مقيم في مستشفى “الأطفال” باللاذقية، إن الكاز خطر جدًا على بشرة الطفل الحساسة، وربما يسبب التسمم، وفي حال نفذ إلى العينين، فإنه يسبب مشكلات كبيرة جدًا، وربما تنتهي بالتهاب شديد وتضرر في شبكية العينين.

وأضاف أنه لا يجب استخدام أي علاجات للأطفال سوى باستشارة طبيب أو صيدلاني، إذ إن مناعة الأطفال أقل بكثير من مناعة الكبار، وبالتالي من الممكن أن يؤدي الأمر إلى عواقب وخيمة جدًا.

وينصح الطبيب الأمهات باللجوء إلى شراء أدوية القمل من الصيدليات، لافتًا إلى أن ثمنها مرتفع، لكنها الحل الآمن الوحيد والفعال لعلاج القمل، داعيًا الأهالي إلى محاولة تقليل فرص الإصابة من خلال اعتماد تسريحات شعر تخفف من أخطار العدوى مثل “جدلة الشعر” أو “الكوكينة”، وتوعية الأطفال بعدم الاقتراب من بعضهم في المدارس.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة