رسالة كرايغ مخيبر ونقاطه العشر

tag icon ع ع ع

لمى قنوت

لم نعهد من موظفي الأمم المتحدة خطابًا جذريًا صلبًا ضد جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وضد تواطؤ داعميه في تلك الجرائم، وإدانة شجاعة لفشل الأمم المتحدة المتكرر بالقيام بواجبها والوفاء بالتزاماتها لمنع الفظائع الجماعية ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، قتلًا واضطهادًا وإبادة جماعية وتجريدًا من الممتلكات، وحرمانًا من الوصول إلى مواردهم الطبيعية واستيلاء ثقافيًا على الثقافة الفلسطينية طوال حياة الأمم المتحدة.

ولعل رسالة كرايغ مخيبر، مدير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في نيويورك، الموجهة إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان، تشكّل أحد الخروقات المهمة لتقويض الدعاية الصهيونية المعروفة بـ”الهاسبرا”، التي تعني في اللغة العبرية “شرح وتفسير” دور وسياسات الكيان الصهيوني للتأثير على الرأي العام.

من موقعه كمحامٍ في حقوق الإنسان، وخبرة تزيد على ثلاثة عقود في هذا المجال، يصف مخيبر إبادة فلسطين، والمذبحة الجماعية الحالية للشعب الفلسطيني، المتجذرة في أيديولوجيا استعمارية استيطانية إثنية قومية، والمستمرة لعقود من الاضطهاد والتطهير الممنهجين، بناء على وضعهم كعرب، والمقترنة “بتصريحات نيات صريحة من قادة في الحكومة والجيش الإسرائيليين”، لا تترك أي مجال للشك أو النقاش.

وأكد أن هذا الوضع هو مثال صارخ عن الإبادة الجماعية، وأن المشروع الاستعماري الاستيطاني الأوروبي القومي العرقي في فلسطين قد دخل في مرحلته الأخيرة، لتدمير ما تبقى من “الحياة الفلسطينية الأصلية” باعتبارهم السكان الأصليين وأصحاب الأرض في فلسطين.

يشير مخيبر إلى أن الإبادة الجماعية تتم بدعم من حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومعظم أوروبا، التي لم تفِ بالتزاماتها لضمان “احترام” اتفاقيات “جنيف”، إنما هي متواطئة في الهجوم المروع الأخير بالتسليح النشط، والدعم الاستخباراتي والاقتصادي، وتوفير الغطاء السياسي والدبلوماسي للفظائع الإسرائيلية.

لم يُغفل مخيبر دور الإعلام الغربي في انتهاك المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لأنها جردت الفلسطينيين، نساء ورجالًا، من إنسانيتهم لتسهيل إبادتهم الجماعية، ونشرت الدعاية للحرب، ودعت إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز والعداء والعنف.

ودعا مخيبر إلى محاسبة الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي التي تدعم وتضخم الدعاية الإسرائيلية، وتقمع وتشوه أصوات المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، وتتعاون الجامعات وأصحاب العمل على معاقبة من يجرؤ على التحدث علانية عن الفظائع والإبادة الجماعية، وشبه دور هذه الجهات بما فعله راديو “ميلز كولينس” في رواندا.

وضح مخيبر أن وعود “أوسلو” الوهمية والمضللة كانت عقودًا من الإلهاء، وأن حل الدولتين تحول إلى مزحة في أروقة الأمم المتحدة لاستحالة تطبيقه على أرض الواقع من جهة، وواقع وحشي يهدف إلى تعزيز قوة الاحتلال الإسرائيلي على حقوق الفلسطينيين من جهة أخرى.

تداول الناشطون والناشطات نصًا مجتزأ من رسالة مخيبر على وسائل التواصل الاجتماعي، حُذِف منها الكثير ومن ضمنها عشر نقاط أساسية، طالب فيها الأمم المتحدة بالتحلي بالشجاعة وعدم الخوف من الدول القوية، إذا كانت صادقة بالتحذيرات الخطابية حول حقوق الإنسان، والمساواة للجميع، ومساءلة الجناة، وإنصاف الضحايا، وحماية الضعفاء، وحماية حقوق الإنسان، وتمكين أصحاب الحقوق، كل ذلك في ظل سيادة القانون، والعمل على مشروع يتضمن:

أولًا، تخلي الأمم المتحدة عن نموذج “أوسلو” الفاشل والمخادع، وحل الدولتين الوهمي، ومجموعته الرباعية العاجزة والمتواطئة، وإخضاع القانون الدولي لإملاءات المصالح السياسية المفترضة، وأن تستند مواقف الأمم المتحدة بشكل غير اعتذاري إلى حقوق الإنسان الدولية والقانون الدولي.

ثانيًا، التوقف عن التظاهر بأن الصراع هو على الأرض أو الدين، والاعتراف بواقع ما تفعله قوة الاستعمار في اضطهاد السكان الأصليين وتجريدهم من ممتلكاتهم على أساس انتمائهم العرقي.

ثالثًا، تفكيك المشروع العنصري العميق والاستعماري الاستيطاني وإنهاء الفصل العنصري، ودعم إقامة دولة واحدة قائمة على حقوق الإنسان، ديمقراطية، علمانية في كل فلسطين التاريخية، مع حقوق متساوية للمسيحيين والمسلمين واليهود.

رابعًا، محاربة الفصل العنصري، بإعادة توجيه جهود وموارد الأمم المتحدة إلى النضال ضد الفصل العنصري، مثلما فعلت سابقًا مع جنوب إفريقيا.

خامسًا، التأكيد والإصرار على حق العودة، والتعويض لجميع الفلسطينيين، نساء ورجالًا، وعائلاتهم الذين يعيشون حاليًا داخل الأراضي المحتلة وفي لبنان والأردن وسوريا وفي جميع دول العالم.

سادسًا، الدعوة إلى عملية العدالة الانتقالية، والاستفادة من جميع تقارير الأمم المتحدة لمعرفة الحقيقة، وضمان مساءلة جميع الجناة، وإنصاف جميع الضحايا، وسبل الانتصاف من المظالم الموثقة.

سابعًا، الضغط من أجل نشر قوة حماية تابعة للأمم المتحدة، تتمتع بموارد جيدة، ومكلفة بولاية مستدامة لحماية المدنيين من النهر إلى البحر.

ثامنًا، الدعوة إلى إزالة وتدمير مخزونات إسرائيل الهائلة من الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، خشية أن يؤدي الصراع إلى التدمير الكامل للمنطقة، وربما تدمير أوسع.

تاسعًا، إن الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى ليسوا وسطاء موثوقين في الصراع، بل أطراف متواطئة مع إسرائيل في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، وينبغي إشراكهم على هذا النحو.

عاشرًا، التضامن وفتح أبواب الأمم المتحدة لجميع المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يتضامنون مع شعب فلسطين وحقوقهم، وإيقاف التدفق غير المقيد لجماعات الضغط الإسرائيلية إلى مكاتب قادة الأمم المتحدة، الذين يدافعون عن استمرار الحرب والاضطهاد والفصل العنصري والإفلات من العقاب.

أما على المدى المنظور، فقد طالب مخيبر بوقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء الحصار الطويل الأمد على غزة، والوقوف ضد التطهير العرقي في غزة والقدس والضفة الغربية وغيرها من الأماكن، وتوثيق هجوم الإبادة الجماعية في غزة، والمساعدة في إعادة الإعمار.

ودعا مخيبر مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى أن تنضم بجرأة وفخر إلى الحركة المناهضة للفصل العنصري التي تتنامى في كل أرجاء العالم.

وختم رسالته قائلًا: “إن العالم يراقب. وسنكون جميعًا مسؤولين عن المكان الذي وقفنا فيه في هذه اللحظة الحاسمة من التاريخ. دعونا نقف إلى جانب العدالة”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة