مياه عميقة بسبب الطبيعة الجيولوجية

مليار ليرة لحفر بئر مياه الشرب في بصرى الشام.. الأهالي يدفعون

حفر بئر لمياه الشرب في الحي الشرقي لمدينة بصرى الشام بمحافظة درعا - 12 تشرين الاول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

camera iconحفر بئر لمياه الشرب في الحي الشرقي لمدينة بصرى الشام بمحافظة درعا - 12 تشرين الاول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

tag icon ع ع ع

تستمر معاناة أهالي مدينة بصرى الشام في محافظة درعا منذ عام 2011 من نقص خدمات البنى التحتية، وأهمها تأمين مياه الشرب، ولا بديل لهم سوى الحملات الأهلية المحلية لجمع المال، بغياب شبه تام لدور الجهات الحكومية.

وتحتاج مشاريع حفر الآبار مبالغ “طائلة”، بسبب الطبيعة الجيولوجية الصعبة، وتواجد المياه على أعماق كبيرة، وهو ما يتجاوز قدرة الأهالي في ظل تدهور الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار.

عقد من الجفاف

نزال، وهو أحد العاملين بمشاريع حفر الآبار في المنطقة الشرقية من درعا، طلب عدم الإفصاح عن سامه الكامل، قال لعنب بلدي، “إن حفر الآبار في مدينة بصرى الشام مستمر لتغطية العجز في إيصال المياه للمدينة، بينما قبل عام 2011، اعتمدت المدينة على استجرار مياه الشرب من منطقة الأشعري في حوض اليرموك غربي درعا، وهو ما سمي بمشروع الثورة”.

وبسبب بعد المسافة لتوصيل المياه من غربي درعا إلى شرقها في بصرى الشام، تمر خطوط جر المياه بمحطة “النعيمة” على مسافة تصل إلى 35 كيلومترًا عن مدينة بصرى، لتقوية ضح المياه، لكنها تعرضت للقصف من قبل قوات النظام السوري عام 2011، ما أدى إلى خروجها عن الخدمة.

ويعتمد حاليًا أهالي المنطقة الشرقية من درعا لإيصال المياه على خمس آبار في منطقة المسيفرة الداخلة بمشروع “الثورة”، وثلاث آبار من محطة “كحيل” تحوي غطاسات لضخ المياه باستطاعات قليلة، لكنها لا تكفي لتغطية المنطقة بالمياه، وفق حديث مسؤول عن مشاريع المياه في المنطقة الشرقية من مديرية مياه الشرب في درعا لعنب بلدي.

وذكر المسؤول، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن مشروع إرواء محطة “صماد” خارج الخدمة منذ عام 2011، عندما توقف مشروع “الثورة” عن مدينة بصرى، لتعود محاولة إصلاح محطة “صماد” عام 2018 بعد سيطرة قوات النظام على المنطقة، لكن سرقة المضخات الأفقية واللوحات الكهربائية والأنابيب أوقفت المشروع بشكل نهائي حتى يومنا هذا.

تكاليف حفر البئر مليار ليرة

الأوضاع المعيشية الصعبة وارتفاع تكاليف حفر بئر بشكل منفرد، دفعت الأهالي لتنظيم حملات للتبرع بهدف جمع الأموال من أجل حفر الآبار، وتلافي النقص في مياه الشرب، إذ تصل تكلفة حفر البئر إلى مليار ليرة سورية، بسبب الحاجة للحفر لأعماق كبيرة.

قال بسام لعنب بلدي، وهو مشرف على حفر آبار في المدينة فضل عدم ذكر اسمه الكامل، إن تكلفة حفر المتر الواحد عن طريق حفارة آلية، تتراوح بين 85 و90 دولارًا حتى عمق 500 متر، وبعد أن يتعدى العمق هذا الحد تتضاعف أجور الحفر.

وأضاف بسام أنه حفر في العام الماضي بئرًا بمدينة بصرى الشام على نفقة الأهالي، بعد ترخيصه من قبل مديرية مياه الشرب في درعا، والتي قدمت بدورها “الغطاس” والكبل والأنابيب، إذ تصل تكلفة سعر المتر من الكبل إلى 500 ألف ليرة، و”الغطاس” نحو 200 مليون ليرة، وتكلفة الأنابيب 300 ألف ليرة لكل متر واحد.

ويتكفل أهالي بصرى بدفع ثمن “الشلفات” (جمع “شلفة”، وهي أنبوب ينزل من أول البئر إلى آخره)، وأجرة الحفر والتمديد والتركيب، وتأمين المياه اللازمة لعملية الحفر، وفوهة البئر، وحماية البئر، وثمن أبراج تيار متوسط ،و”غران فوس” (غاطسة ألمانية)، وأعمدة وبرج محولة مع موانع صاعق، و”فزابل” (عوازل تركب على البرج الحامل للمحولة)، ومحولة كهربائية استطاعة 100 كيلوواط.

وتبلغ تكلفة محولة الكهرباء نحو 10 آلاف دولار أمريكي، وتكلفة برج الشد (برج معدني ارتفاعه 12 مترًا يحمل عليه كابلات التوتر) خمسة آلاف دولار، وبرج “الحمل” (برج يصل طوله ما بين 10 إلى 12 مترًا يحمل عليه الأسلاك ليحافظ على ارتفاعها عن الارض) 2900 دولار، وعمود التوتر ألف دولار، ومانعة صواعق 200 دولار، و”فزابل” 250 دولارًا، وتكلفة “الشلفة” من ثمانية آلاف إلى 15 ألف دولار أمريكي.

محمد، أحد موظفي مؤسسة مياه الشرب في مدينة درعا، قال لعنب بلدي، إن صعوبة حفر بئر من قبل أهالي مدينة بصرى تكمن في التكلفة العالية، لذلك لا يستطيع أحد حفر بئر دون ترخيص، مشيرًا إلى ردم ثلاث آبار في المدينة منذ عام 2011، بسبب تحرك طبقات الأرض الدنيا، ما أدى إلى انزياح فوهة البئر لتصبح غير قابلة للاستعمال.

أما في حال الترخيص فيجري تعيين ماسح جيولوجي من مديرية المياه، وفق محمد، امتنع عن ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، إذ أوضح أن المزارعين هم من يجرون ترخيصًا خاصًا لأراضيهم الزراعية، بشرط ترخيص حفر بئر لكل 40 دونمًا.

وتمنع التكلفة المرتفعة أي مزارع من ترخيص حفر بئر خاص بالمقارنة مع ترخيص بئر بمطلب وجهود أهلية مشاركة، إذ تفرض مديرية المياه رسومًا للترخيص تبلغ 18 مليون ليرة، كما سيقع على عاتق المزارع تأمين خبير جيولوجي وآليات، بحسب موظف مؤسسة مياه الشرب، أفاد بعدم تسجيل أي حالة حفر بئر خاصة في مدينة بصرى.

حفر بئر لمياه الشرب في الحي الشرقي لمدينة بصرى الشام بمحافظة درعا - 12 تشرين الاول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

حفر بئر لمياه الشرب في الحي الشرقي لمدينة بصرى الشام بمحافظة درعا – 12 من تشرين الاول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

دراسة بالاحتياجات

صدرت دراسة عام 2022 عن إدارة حفر الآبار ومشاريع المياه بمدينة بصرى الشام، وهي تابعة لمديرية المياه بدرعا، اطلعت عليها عنب بلدي، أوضحت مشكلات البنية التحتية والخدمات المتعلقة بتأمين مياه الشرب.

وأفادت الدراسة بضياع نسبة 35% من المياه في شبكة الأنابيب، بما يقدر بحوالي ألف متر مكعب يوميًا، وهو ما أدى إلى انخفاض كمية مياه الشرب المستجرة إلى المدينة بكمية ألف متر مكعب يوميًا.

وأوصت الدراسة بترميم شبكة مياه مشروع “الثورة”، وشبكة مياه مشروع محطة ضخ “كحيل إرواء بصرى” في منطقة كحيل التي كانت تضخ كمية مياه تعادل 500 متر مكعب يوميًا.

كما أوصت الدراسة بصيانة محطة ضخ “بصرى” في منطقة معربة، والتي كانت تضخ حوالي 100 متر مكعب يوميًا، وصيانة محطة ضخ “بصرى طريق صماد”، التي كانت تضخ نحو 400 متر مكعب يوميًا من المياه.

الطبيعة الجيولوجية لبصرى الشام

تعد جيولوجيا منطقة بصرى الشام خارج تموضع أحواض المياه الجوفية، إذ تقع على ارتفاع 850 مترًا عن سطح البحر، منحدرة من الجبل باتجاه السهل ما بين نهاية جبال السويداء، التي تبعد عنها 20 كيلومترًا، وبداية سهول حوران.

تحيط الأحواض المائية بمدينة بصرى الشام، وهي أحواض اليرموك والأزرق في الأردن وحوض اللجاة، الذي يعد أقربها إلى المدينة بمسافة 17 كيلومترًا.

وبحسب دراسة جيولوجية للمنطقة لدى وزارة التعليم العالي، اطلعت عنب بلدي على نسخة منها، يقع الحامل السطحي للمياه في مدينة بصرى على عمق ما بين 75 و105 أمتار، لكن معدل المياه “قليل جدًا” حيث يتشكل في الساعة نصف متر مكعب من المياه.

وبسبب قلة المياه على الأعماق المنخفضة، يعد الحامل الأول للمياه على عمق ما بين 425 و485 مترًا، أما حامل المياه الثاني في جوف الأرض فيكون على عمق ما بين 750 و955 مترًا، ويقع الحامل البحري في جوف الأرض على عمق ما بين 750 و900 متر، وفق الدراسة.

وأدت قلة الأمطار في السنوات الأخيرة الماضية لقلة تغذية المياه الجوفية بالمياه، ونتيجة للاستهلاك المستمر، جفت بئران في مدينة بصرى وعدة آبار في قرى ومزارع الشريط الحدودي التابع للمدينة على الحدود مع الأردن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة