هربًا من الوضع المتردي والالتزامات الكبيرة

موفدون سوريون دراسيًا يرفضون العودة رغم التعهدات

موفدون سوريون دراسيًا يرفضون العودة

camera iconلجنة أكاديمية سورية-روسية مشتركة تقابل طالبة سورية للحصول على منحة دراسية في إحدى الجامعات الروسية- (ncfu)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد فنصة

“لا أرغب بالعودة إلى سوريا رغم اشتياقي لها، بسبب الأوضاع الأمنية والمعيشية الصعبة، خاصة في السنتين الأخيرتين، إذ لم يعد في سوريا أي مجال لنهضة الإنسان عمليًا وعلميًا”.

هكذا عبرت فرح عن الأسباب التي تمنعها من العودة إلى سوريا، وهي التي وقعت على التزام خطي بالعودة بعد حصولها على الشهادة الدراسية التي أوفدتها وزارة التعليم العالي لأجلها.

فرح العيد من سكان مدينة درعا، حصلت على بعثة حكومية لدراسة الدكتوراة في اختصاص طب الأسنان بهنغاريا منذ عام 2018.

وقالت فرح لعنب بلدي، “حصلت على المنحة الدراسية إلى هنغاريا نتيجة تفوقي الدراسي، إذ جئت في المرتبة الرابعة ضمن كلية طب الأسنان بجامعة (دمشق)”.

وبعد إتمامها دراسة أربع سنوات وتخرجها في الجامعة بهنغاريا، قررت فرح اللجوء إلى هولندا عبر طرق التهريب، حيث مُنحت اللجوء الإنساني، وذلك دون معرفة عائلتها، التي كانت تتوقع عودتها للعمل في سوريا بعد نهاية دراستها.

بررت فرح سبب تكتمها على ما فعلته بالخوف من رد فعل أهلها الذين رفضوا أي فكرة تخص عدم عودتها إلى سوريا، حيث من المفترض أن ينتظرها “مستقبل باهر” بحسب توقعاتهم.

فرح واحدة من حالات كثيرة لسوريين موفدين من قبل حكومة النظام السوري للدراسة في الخارج، قرروا عدم العودة، بالرغم من التعهدات والذمم المالية الواجبة بحقهم.

وتنقسم حالات الدراسة في الخارج إلى منح دراسية على نفقة الدولة المضيفة صاحبة المنح، تتكفل فيها بتكاليف الإقامة والإعفاء من رسوم الدراسة في جامعاتها كاملة، ويصل عددها سنويًا إلى نحو 1500 منحة، أغلبها من روسيا والهند، ولا يلتزم الحاصل عليها بأي تعويضات خدمية أو مالية لحكومة النظام.

بينما يشترط الإيفاد الحكومي للبعثات العلمية وفق قانون البعثات العلمية خدمة مؤسسات الدولة لمدة تعادل ضعف مدة الإيفاد، أي ضعف المدة التي درسها على نفقة الدولة، بعد حصوله على الشهادة المطلوبة.

كما يجب على الموفد بعد عودته تأدية جميع الالتزامات المالية المترتبة عليه نتيجة الإيفاد، إذ يحصل الموفد على راتب شهري يغطي تكاليف الإقامة والدراسة، فيما لا يصدر قرار الإيفاد إلا بعد أن يقدم المرشح للإيفاد كفالة يتعهد فيها مع كفيله بأداء النفقات والأجور المترتبة.

ما الأسباب؟

يمتنع الموفدون حكوميًا للدراسة في الخارج عن العودة إلى سوريا لعدة أسباب، منها يتعلق بالوضع الأمني والاقتصادي المتردي الذي وصلت إليه البلاد، ومنها ما يخص التهرب من دفع الالتزامات المالية والخضوع لخدمة مؤسسات الحكومة لسنوات طويلة وبراتب لا يؤمّن شروط الحياة الكريمة.

سها التنكجي من سكان مدينة دمشق، حصلت على بعثة دراسية حكومية إلى روسيا عام 2015، لدراسة الماجستير في العلوم السياسية.

قالت سها لعنب بلدي، “قبل ذهابي إلى البعثة تم إبلاغي بتوقيع تعهد ملزم بإعادة المبالغ التي تقدمها الدولة السورية طوال مدة دراستي في روسيا”.

وتُقبل كفالة من الغرف الزراعية أو الصناعية أو التجارية من المرشح للإيفاد أو شخص آخر يكفله، بحيث يتقدم بوثيقة تثبت أنه مسجل في إحدى الغرف المذكورة من الدرجة الممتازة أو الأولى أو الثانية.

كما تُقبل الكفالة العقارية، مع شرط يتعلق بقيمة العقار وأن يكون غير مرهون لأي جهة من الجهات العامة أو الخاصة، بحسب موقع وزارة التعليم العالي.

بعد انتهاء سنوات الدراسة التي استمرت سنتين وانتهت في عام 2017، قررت سها اللجوء إلى أوروبا عبر طرق التهريب من روسيا إلى ألمانيا.

وحول أسباب عدم رغبتها بالعودة إلى سوريا، أجابت سها أن أهمها الالتزام بالعمل مع الدولة حتى انتهاء مدة الخدمة المفروضة، مع عدم إمكانية السفر لدولة أخرى.

وحول الوضع المالي الذي ستواجهه في حال عودتها وصفته سها قائلة، “لن أعود لأعمل براتب لا يتعدى 300 ألف ليرة (نحو 21 دولارًا)، وهو أعلى الرواتب الحكومية في جامعات الدولة”، في حين يجب عليها أيضًا رد جميع المبالغ التي صُرفت لها شهريًا خلال سنتي دراستها، وتبلغ آلاف الدولارات.

وفي حال دفعها لتلك المبالغ، يجب عليها الخضوع لامتحان وطني لتعديل الشهادة قبل تعيينها.

ختام الشرع، وهي مبتعثة من مدينة درعا، أُرسلت في بعثة حكومية إلى بريطانيا نهاية عام 2011 لدراسة الدكتوراة في العلوم السياسية بعد تخرجها بمعدل 65%، وكانت قبلها قد حصلت على شهادة جامعية في الأدب الإنجليزي وأكملت بعدها دراسة العلوم السياسية.

بعد وصولها إلى بريطانيا وإنهاء دراسة الدكتوراة في تخصصها، قررت ختام عدم العودة الى سوريا، لأنه يترتب عليها دفع مبلغ 70 ألف دولار للحكومة بمجرد وصولها إلى سوريا، بسبب الرواتب الشهرية التي تقاضتها خلال سنوات دراستها من جهة، وعدم رؤيتها لمستقبل جيد لها بالعمل في سوريا من جهة أخرى.

بعد سنتين على نهاية دراستها تقدمت ختام بطلب لجوء في بريطانيا، إذ يحق للطالب التقدم بطلب لجوء بعد مرور سنتين على نهاية دراسته.

وتجنبًا لخسارة أصولها في سوريا، باعت ختام شقتها خوفًا من مصادرتها من قبل السلطات السورية جراء عدم عودتها للبلاد بعد انتهاء دراستها.

وتلجأ ختام عند رغبتها برؤية أهلها للسفر إلى لبنان أو الأردن ولقائهم هناك.

أكثر من 3229 موفدًا لم يعودوا

مدير الشؤون القانونية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أحمد عجيل، قال في تصريح لصحيفة “البعث” الحكومية، في 16 من تشرين الأول الماضي، إن عدد الموفدين الذين لم يعودوا إلى سوريا “في فترة الحرب” بلغ 3229 موفدًا، فيما بلغ عدد من رجع وباشر عمله منذ عام 2010 حتى تاريخه 1264 شخصًا، بينما يوجد حاليًا 1714 موفدًا (قيد الدراسة).

وأكد عجيل استمرار حكومة النظام في إرسال الموفدين بالرغم من هذا الانقطاع، بالإضافة إلى التكاليف المالية “الكبيرة جدًا”، لمنحها رواتب وتعويضات للموفدين بالقطع الأجنبي، إذ يصل أعلى أجر يحصل عليه الموفد إلى 906 دولارات وأقله 510 دولارات.

ويمكن للموفدين المخالفين العودة و”تسوية أوضاعهم” من خلال عدة مراسيم صدرت، بحسب عجيل الذي أشار إلى أن أعداد المستفيدين من هذه المراسيم وصلت إلى 160 موفدًا.

وذكر عجيل أن عدد الطلاب الموفدين إلى روسيا بلغ 251 طالبًا، تاريخ عودة أول موفد منهم ستكون مع بداية 2024، وسيمنحون حرية الاختيار بين أن يُعيّنوا هيئة تدريسية أو بحثية.

ويخضع الموفد الدراسي لقرار إداري بإنهاء إيفاده في عدة حالات، منها إذا ثبت أن سير دراسته “ينبئ بعدم إمكان تحقيق الغرض المقصود من الإيفاد”، أو إذا أساء إلى سمعة بلاده أو البلد الذي يدرس فيه وخالف قوانينها وأنظمتها في بلد الإيفاد.

ويُنهى الإيفاد إذا باشر عملًا خارجًا عن نطاق دراسته بقصد الربح إضافة إلى مرتب الإيفاد، دون إعلام اللجنة التنفيذية للبعثات في وزارة التعليم العالي.

وإذا غيّر الموفد نوع الدراسة أو بلدها أو المعهد الذي يدرس فيه دون موافقة مسبقة من اللجنة التنفيذية للبعثات.

وإذا غادر الموفد بلد الإيفاد لمدة تزيد على شهر دون موافقة مسبقة من الملحق الثقافي، فإنه يحرم من حق العودة إلى سوريا على حساب الدولة، ويطالب في حال عودته بضعف الأجور والنفقات المصروفة عليه خلال مدة الإيفاد.

ولا يقتصر رحيل الموفدين عن بلاد الدراسة لبلاد اللجوء على الإيفاد الحكومي فقط، إذ سُجلت حالات عديدة أيضًا لطلاب حصلوا على منح دراسية في دول مختلفة سعيًا وراء التقدم باللجوء في دول أوروبية.

في تموز الماضي، أفادت وكالة “تاس” الروسية أن ستة سوريين اختفوا من العاصمة موسكو من ضمن مجموعة من 16 سوريًا، بعد وصولهم مطلع الشهر ذاته للمشاركة في منحة تعلم اللغة، مشيرة إلى أن الاتصال بهم انقطع تمامًا، وأن أعمارهم تتراوح ما بين 24 و45 عامًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة