نتنياهو في القمة العربية الإسلامية

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

وصفت صحيفة “لوموند” الفرنسية حضور بشار الأسد لمؤتمر القمة العربية الإسلامية بأنه “عار”، ووصفت خطابه بأنه نوع من النفاق، وهو الذي ارتكب بالأمس القريب الجرائم في مخيم “اليرموك” الفلسطيني بدمشق.

ومن المؤسف أن تتم دعوة مجرم حرب مثل بشار الأسد لنجدة أهل غزة، وأن تتم محاولة إعادة تأهيله على يد منظمي القمة الذين انهالوا على الغرب بصفات النفاق، والكيل بمكيالين، وكثير منهم يعاملون شعوبهم بقسوة تصل إلى التهجير والتدمير، بعد عقود طويلة من شرعنة الاعتقال ومنع الحريات، ونشر عبادة الحاكم التي تستوطن المنطقة العربية منذ العصور الفرعونية القديمة إلى اليوم.

دعوة بشار الأسد إلى القمة العربية الإسلامية تشير إلى خذلان علني لمبدأ حقوق الانسان، وتجاهل قاسٍ للضحايا السوريين، الذين يطالبون بالحرية والاعتراف بأفراد الشعب السوري كمواطنين وليس كرعايا، كما قال المفكر أنطون مقدسي في رسالة له إلى بشار الأسد غداة وراثته لحكم سوريا من أبيه.

جرائم نظام الأسد بحق الفلسطينيين تمتد لعشرات السنين، اعتبارًا من مذابح تل الزعتر 1976 التي ارتكبتها قوات النظام المتدخلة في لبنان، وكتب عنها محمود درويش قصيدته الشهيرة أحمد الزعتر، ليتم منعه من زيارة سوريا.

يضاف إلى ذلك حصار الجيش السوري للمخيمات الفلسطينية بين عامي 1985 و1988 في لبنان، على يد حليف الأسد نبيه بري، الذي أصدر فتوى بالسماح للفلسطينيين بأكل القطط والفئران بسبب الجوع الناتج عن الحصار الوحشي لقواته المدعومة من جيش الأسد. وقبله كانت مذابح طرابلس ومخيمات نهر البارد 1983 وطرد ياسر عرفات من دمشق، وهو الذي كان يعبّر عن رمزية وطنية فلسطينية لا تزال محترمة فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا إلى اليوم.

ومن جرائم نظام الأسد بحق الفلسطينيين بناء أكبر معتقل للتعذيب والتنكيل بالفلسطينيين وبالسوريين، هو “فرع فلسطين” للمخابرات العسكرية، الذي لا يزال إلى اليوم مقبرة جماعية للتنظيمات الفلسطينية والمعارضين السوريين.

وفي نفس الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بالتنكيل بالفلسطينيين في محرقة مفتوحة، يستخدم نظام الأسد جيش التحرير الفلسطيني لتثبيت النفوذ الإيراني والروسي في منطقة الجزيرة السورية، وعلى بعد أكثر من 700 كيلومتر عن غزة وعن فلسطين، التي يدّعون بأنهم يناضلون من أجل تحريرها.

بمثل هذا الماضي المثقل بالجرائم، حضر بشار الأسد إلى مؤتمر القمة العربية الإسلامية بالرياض في 11 من تشرين الثاني الحالي، ودون أي اعتبار لكل ضحاياه من الفلسطينيين والسوريين، وبتجاهل تام لكل أسلحة الدمار الفردي والشامل ولكل الحصارات المذلة، التي تحولت إلى خنق الفلسطينيين في مخيم “اليرموك” بدمشق، وعلى بعد عدة كيلومترات من قصر رأس النظام المتعامي عما فعله بحقهم.

المحاكم الدولية لا تزال تنظر بجرائم الأسد التي تحولت إلى قرارات وأحكام، ولعل صدور قرار محكمة العدل الدولية بلاهاي، في 16 من تشرين الثاني الحالي، أحد البراهين المهمة على تلك الجرائم، إذ طلبت المحكمة إيقاف جرائم التعذيب في المعتقلات السورية، ولعل أبرزها فرع “فلسطين” الذي يعتبر رمزًا للإرهاب عبر سنين طويلة من حياة الفلسطينيين والسوريين.

وفي بادرة هي الأولى من نوعها صدر قرار المحكمة الجنائية الفرنسية، في 15 من تشرين الثاني الحالي، بملاحقة بشار الأسد وأخيه ماهر، وعدد من المسؤولين في نظامهما، على جريمة استخدام الغازات الكيماوية ضد المدنيين في آب 2013، وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها مثل هذا القرار الفرنسي ضد رئيس دولة لا يزال على رأس السلطة، ناهيك بقرارات سابقة وأدلة ومعارض وفيديوهات منها جرائم حي التضامن بدمشق، الذي يقع فيه أحد المخيمات الفلسطينية، بالإضافة إلى صور “قيصر” عن التعذيب التي تزيد على 50 ألف صورة ثبتت صحتها، عدا عن سيل من الأدلة التي صارت تفوق أدلة الجرائم النازية في أثناء الحرب العالمية الثانية.

فشل مؤتمر القمة العربية الإسلامية في أن يفعل شيئًا أو أن يخفف القصف الوحشي على الفلسطينيين في غزة، لأن بعض القادة من أمثال بشار الأسد غير جادين في حماية الفلسطينيين ولا يأبهون لمعاناتهم كما لا يأبهون لمعاناة شعوبهم، ولن ينصر غزة إلا الفلسطينيون أنفسهم متسلحين بحقوقهم وبقرارات الشرعية الدولية ومناصرة أحرار العالم لهم، وليس مناصرة قادة مثل بشار الأسد ممن يحتقرون الحياة الآدمية في سبيل بقائهم على كرسي الحكم.

دعوة بشار الأسد إلى المشاركة في مؤتمر القمة العربية الإسلامية أشبه ما تكون بدعوة بنيامين نتنياهو إلى هذه القمة، فهذان الاثنان متورطان بالجريمة ومتورطان بسفك دماء الفلسطينيين وعبر عقود طويلة.

السوريون اليوم هم أكثر الشعوب فهمًا لمعاناة الشعب الفلسطيني، وهم الأكثر قدرة على تقدير مشاعر الألم والخذلان العربي والدولي لحياتهم ولحقوقهم. ولكن لن يكون هناك مستقبل للسلام في هذه المنطقة ما لم تكن حقوق الإنسان والحريات هي عنوان العقود الاجتماعية والدساتير المقبلة، أما الاستبداد والتمييز العنصري والطائفي فلن ينتجا إلا المزيد من التطرف والإرهاب، الذي يجرّ العالم إلى هاوية أخلاقية تدمّر كل القيم الإنسانية، كما تفعل إسرائيل، وكما يفعل نظام الأسد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة