سندات الخزينة.. حل خاسر لتمويل العجز في سوريا

سندات الخزينة.. حل خاسر لتمويل العجز في سوريا

camera iconمبنى وزارة المالية بدمشق- أيار 2023 (وزارة المالية السورية/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد فنصة

لم ينجح مزاد سندات الخزينة الرابع على التوالي والأخير للعام الحالي في سوريا بتخطي نسبة 50% من المبلغ المرصود للبيع، وهو ما عزاه اقتصاديون إلى أن الاستثمار بهذه السندات يعد خاسرًا في ظل الوضع الحالي للاقتصاد السوري.

وبحسب ما أعلنت عنه وزارة المالية في حكومة النظام السوري، في 22 من تشرين الثاني الماضي، فقد جرى تقديم 11 عرضًا للاكتتاب على سندات الخزينة المطروحة، بحيث بلغت القيمة الإجمالية للعروض المقدمة المقبولة 100 مليار ليرة سورية، أي بنسبة تغطية 50% من حجم الإصدار المستهدف، وتراوحت أسعار الفائدة المقدمة في هذه العروض بين 9.5% كحد أدنى و11% كحد أقصى.

وبالنسبة للعروض المقبولة، فقد حددت حجم السندات المخصصة عند مبلغ 65.5 مليار ليرة سورية، توزعت على ثلاثة مصارف خاصة وحكومية، وقد بلغ معدل العائد المرجح للسندات المخصصة 9.66% من القيمة الاسمية للسند.

ما سندات الخزينة؟

تعرف سندات الخزينة بأنها قروض تصدرها الدولة ومؤسساتها للاكتتاب العام، وتحصّل الحكومة قيمتها من الأفراد أو الهيئات.

وتمتاز هذه السندات بأنها طويلة الأجل (قد تصل إلى 30 عامًا)، يحق لمشتريها الحصول على عائد سنوي على شكل فائدة ثابتة.

وتُستخدم عادة السندات وتُطرح للاكتتاب العام بغرض إحداث تنمية اقتصادية، ورفد خزينة الدولة بعائدات، وتسمى “قروض إنتاج” أو “قروض تنمية”، وقد تلجأ إليها الحكومات لتمويل حروبها، وفق مسمى “قرض حربي”، كما فعل بنك “بريطانيا”، الذي طرح سندات الخزينة للاكتتاب العام في 1693 خلال الحرب ضد فرنسا.

وتتعهد الدول عادة بتسديد قيمة الفائدة المترتبة على الاكتتاب في سندات خزينتها، بفائدة ثابتة كل ستة أشهر، مقابل الالتزام بدفع قيمة السند عند تاريخ استحقاقه، ويتم ذلك وفق تقييم من قبل وكالات التصنيف الائتماني، كوكالة “موديز” و”ستاندرد آند بورز” لتقدير هامش الخطر في اقتصاد البلد المعني، وقدرته على تسديد التزاماته للدائنين، وهو ما يسمى بـ”المخاطر الائتمانية”.

لتمويل العجز

كتبت وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، على صفحتها في “فيس بوك“، في 24 من تشرين الثاني الماضي، تعليقًا على نتائج بيع سندات الخزينة، أنها طريقة “فاشلة” تصر وزارة المالية على اتباعها في تغطية العجز المالي بالموازنة العامة للدولة، مشيرة إلى عدم تغطية نسبة المبيعات 50% من المبلغ المستهدف.

وأشارت عاصي إلى أن معظم المشترين لتلك السندات كانت البنوك المملوكة للدولة، وهو ما يشير إلى خلل واضح في السياسة النقدية، التي تحاول ضبط معدل التضخم من خلال إعاقة سحب النقد من المصارف، وإجبار الناس على الإيداع فيها سواء عند بيع العقار أو السيارات.

وأوضحت عاصي أن مشتري سندات الخزينة يقع في “خسارة محققة”، كون سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الواحد ارتفع خلال العام الحالي أي ضمن فترة استحقاق السندات، من 3000 ليرة سورية إلى 12600 ليرة، وذلك بحسب سعر صرف مصرف سوريا المركزي، بينما الفرق يعد أكبر في سعر “السوق السوداء”.

الباحث في الاقتصاد السياسي الدكتور يحيى السيد عمر، قال لعنب بلدي، إن إقامة أربعة مزادات لسندات الخزينة في العام الحالي هو عدد ضخم بالنسبة لاقتصاد متواضع مثل الاقتصاد السوري، وتعدد المزادات يشير إلى عدم تحقيقها الأهداف المرجوة منها، المتمثلة بتمويل عجز الموازنة العامة، وتقليل نسبة السيولة في السوق.

وذكر السيد عمر أن نسبة التغطية للمزاد التي لم تتجاوز 50% هي “مبررة ومتوقعة”، وتعد أيضًا مرتفعة بالنسبة للاقتصاد السوري، لأنه بحكم المنطق الاقتصادي فإن الاستثمار في سندات خزينة “خاسر حكمًا”، كون معدل التضخم يفوق معدل الفائدة على الأذون (9.66%)، وهو ما يبرر عدم الاكتتاب عليها إلا من قبل المصارف العامة والخاصة، كونها ملزمة من قبل حكومة النظام بالاكتتاب.

وتوقف مصرف سوريا المركزي عن إعلان نسب التضخم بشكل شهري منذ أيلول 2019، في حين سجلت سوريا المرتبة الرابعة عالميًا بمستوى التضخم بنسبة 170% على أساس سنوي، بعد كل من زيمبابوي وفنزويلا والأرجنتين.

معدل التضخم الصادر في 25 من تشرين الثاني الماضي، جاء بحسب “لوحة هانكي لقياس التضخم الاقتصادي” في عديد من البلدان وفق معايير محددة، دون الاعتماد على الإحصائيات الحكومية.

ويعتقد الباحث الاقتصادي أن الاعتماد على سندات الخزينة “منخفض أو حتى معدوم الفاعلية، ولن يتمكن من تحقيق أي نتائج حقيقية”.

ويُفقد التضخم المرتفع سندات الخزينة فاعليتها، ويجعلها غير ذات جدوى بالنسبة للمستثمرين، لذلك فهي “أداة غير صحيحة في ظروف كهذه”، وفق السيد عمر.

وكان مدير الإيرادات في وزارة المالية، أنس علي، صرح نهاية العام الماضي أن أهداف طرح سندات الخزينة في عام 2023، هو التسويق للورقة المالية بالشكل الذي يمكن معه زيادة إقبال الأفراد عليها، من خلال شركات الوساطة، بحيث يكون عدد قطاع الأفراد أو الشركات سواء أكانوا أفرادًا طبيعيين أو اعتباريين تمثيلهم أوسع بمعنى نسبتهم أكبر بالإقبال على الورقة.

وقال علي، “إن من مصلحتنا استثمار الأفراد، لأن كتلة السيولة خارج القطاع المصرفي أكبر من كتلتها داخل هذا القطاع، بمعنى توسيع قاعدة المستثمرين”، وهو ما لم يتحقق بعد شراء غالبية هذه السندات من المصارف الحكومية والخاصة.

زيادة بالديون

كانت قيمة سندات الخزينة المطروحة للمزاد عام 2022 تبلغ 600 مليار ليرة، في حين وصلت إلى 800 مليار ليرة العام الحالي، وهو ما يشير إلى حاجة حكومة النظام لتوفير سيولة مالية أكبر بعد فقدان الليرة قيمتها أمام الدولار الأمريكي بنسبة وصلت إلى 100% على أساس سنوي خلال عام 2022، وبنسبة وصلت إلى 52% خلال العام الحالي.

وحول إمكانية طرح سندات الخزينة ببورصة “دمشق”، بيّنت وزارة المالية أن تداول هذه الورقة المالية متاح في سوق دمشق للأوراق المالية، ما يعطيها ميزة السيولة، بالإضافة إلى الاستفادة من الفوائد التي سيتم منحها بشكل نصف سنوي.

آخر قيم تداول الأسبوع الماضي بلغت 1.9 مليار ليرة سورية، بحجم تداول نحو 600 ألف سهم، وتقتصر بورصة “دمشق” على 26 شركة مدرجة، منها 14 مصرفًا.

حكومة النظام السوري بدأت بطرح سندات الخزينة والأذون للاكتتاب لأول مرة في عام 2010، وأجرت حينها سبعة إصدارات، قالت حينها، إنها بغرض تمويل مشروعات للبنية التحتية، واعتبر القرار آنذاك خروجًا عن المنهج السابق بالاستناد إلى البنك المركزي في الاقتراض الداخلي.

تغيب الإحصائيات المالية الدقيقة عن وزارة المالية، إذ تُظهر أحدث إحصائية نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، أن الدَّين العام الداخلي وصل إلى 465 مليار ليرة سورية، في المدة الواقعة بين بداية عام 2020 وحتى منتصف آب من العام نفسه، وهو ما يعادل حوالي 11.6% من إجمالي اعتمادات الموازنة العامة لعام 2020، والبالغة أربعة آلاف مليار ليرة سورية (أربعة تريليونات ليرة).

وجُمع الدَّين الداخلي العام حينها من خلال سندات الخزينة وشهادات الإيداع، التي اكتتب فيها عدد من المصارف المسموح لها بالمشاركة في المزادات التي طرحتها الوزارة.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة