التأمين الصحي في سوريا.. تقييد في الحكومي وغلاء في الخاص

دفتر التأمينات الصحي الخاص بالمعلمين من أمام المركز الطبي للتأمينات- 12 كانون الأول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

camera iconدفتر التأمينات الصحي الخاص بالمعلمين من أمام المركز الطبي للتأمينات- 12 كانون الأول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

tag icon ع ع ع

“بعد خدمتي في مؤسسات الدولة لـ22 عامًا كنت فيها مجبرة على الاشتراك بالتأمين الصحي، لم أستفد منه حين دخولي للمستشفى، بسبب أخذي إجازة مرضية بلا راتب”، تشكو رنا، الموظفة بمديرية الكهرباء بدمشق، بهذه الكلمات عدم تلقيها العناية المطلوبة من قبل التأمين الصحي في وقت هي بأمس الحاجة إليه، وذلك بعد سنوات كان يخصم من راتبها رسم اشتراك بالتأمين.

وقالت رنا لعنب بلدي إنها كانت قد طلبت الإجازة المرضية لمدة ثلاثة أشهر بلا راتب بسبب مرضها، وفي الشهر الأول من الإجازة اضطرت للذهاب إلى المستشفى للمعالجة، لكن بالرغم من كون المستشفى متعاقدة مع التأمين الصحي، تفاجأت بإبلاغها أن بطاقة التأمين قد أوقفت والسبب عدم رفع اسمها ضمن القوائم التي ترفع شهريًا.

ورفضت الموظفة المسؤولة عن التأمين طلب رنا بتجديد التأمين، لكون راتبها متوقف نتيجة الإجازة، لتعود إلى البيت دون علاج لا تستطيع تحمل تكلفته، قائلة، “عندما  يخصموا من رواتبنا دون فائدة للتأمين لا نشتكي، لكن الموت هو حل الموظف في حال توقف عن العمل وهو مريض”، وفق تعبيرها.

ويوجد في سوريا 13 شركة تأمين، 12 منها خاصة وواحدة حكومية هي “السورية للتأمين”، وتتنوع فروع التأمين بين الصحي، والسيارات الإلزامي، والسيارات التكميلي، والحريق، والنقل، والحياة، والحوادث العامة، والهندسي، والسفر.

وحول أقساط التأمين الصحي، أوضح مدير عام هيئة الإشراف على التأمين رافد محمد، في آب الماضي بعد زيادة الرواتب بنسبة 100% وتضخم أسعار الأدوية وأجور القطاع الطبي، أن عقود التأمين الصحي تختلف تغطياتها وحدودها المالية والتأمينية من شركة تأمين لأخرى ومن عقد لآخر بما فيها “السورية للتأمين”.

ويبلغ الحد المالي لتغطيات العمليات الجراحية في المسشفيات الخاصة ثلاثة ملايين ليرة، وفي المستشفيات الحكومية والعسكرية تصل إلى عشرة ملايين ليرة.

وبالنسبة للتغطيات خارج المستشفى من إجراءات المعاينات والإجراءات الخارجية (التحاليل المخبرية، الطبقي المحوري، الرنين، الأشعة، الوصفات الدوائية) فإن الحد المالي لها هو 500 ألف ليرة سنويًا، وتصل إلى 600 ألف ليرة لمن لديه أمراض مزمنة، فيما حدد عدد زيارات الطبيب بثلاث زيارات سنويًا، وذات العدد  بالنسبة للوصفات الطبية أيضًا.

تقييد الوصول للحقوق

يبلغ القسط التأميني لموظفي القطاع العام 116 ألف ليرة سنويًا، بمعدل خصم 3% من الراتب الشهري، و3% للمعلمين المتقاعدين فقط، إذ لا يوجد تأمين صحي إلزامي للموظفين المتقاعدين بالقطاع العام، رغم المطالب العديدة بشملهم كونهم الأكثر حاجة لهذا التأمين مع التقدم بالعمر وضعف الراتب التقاعدي وغلاء أسعار الأدوية.

المعلمة لينا من ريف درعا قالت لعنب بلدي إن العاملين في الدولة كمعلمين يدفعون نسبة 5% للتأمين الصحي السوري، بعد أن كانت 3%، وعلى أساسها يستلمون دفترًا صحيًا خاصًا، يخولهم لصرف الوصفات الطبية بخصم 15% من ثمنها الإجمالي، بعد التوقيع عليها من شركة التأمين.

أما في حال كانت قيمة الوصفة الطبية كبيرة، ترفض “السورية للتأمين” التوقيع عليها.

ويلجأ معظم المعلمين للاشتراك بشركة تأمين خاصة تدعى “ميدكسا” تعاقدت معها وزارة التربية، إذ يتطلب التسجيل فيها عدة إجراءات وموافقات من “التربية” ودفع 10 آلاف ليرة، وفق لينا.

يحق لمشتركي “ميدكسا” من المعلمين الذهاب للمعاينة عند الطبيب المتعاقد مع الشركة بشكل مجاني أو بدفع مبلغ بسيط.

أما بالنسبة للوصفات الطبية تدفع لينا 25% من تكلفة الدواء في حال وافقت “ميدكسا” على قيمتها، وغالبًا لا توافق على الوصفات ذات القيمة المرتفعة.

يحق لكل مريض من المعلمين التوجه للمعاينة عند طبيب مختص ثلاث مرات سنويًا، وثلاث مرات لإجراء التحاليل، وإجراء ثلاث عمليات في المستشفيات الحكومية والخاصة المتعاقدة مع “ميدكسا” بشكل مجاني لثلاث مرات بالسنة دون أن يبيت في المستشفى، وصرف ثلاث وصفات طبية في السنة.

أطباء غير راضون

أوضح الطبيب محمد (طلب عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، لعنب بلدي، أن الأطباء، وبالأخص حديثي التخرج، يتعاقدون مع “السورية للتأمين”، أو مع شركات التأمين الخاصة مثل “مديكسا” و”إيمبا” و”غلوب ميد”، لزيادة عدد المراجعين لديهم وبناء شهرة في منطقتهم، في حين توضع أسماء العديد من الأطباء المشهورين دون علم الطبيب ضمن قوائم الأطباء المتعاقد معهم، لدفع الموظفين في الدولة والشركات الخاصة للاشتراك معها.

وذكر الطبيب محمد أنه واحد من الأطباء الذين تفاجؤوا بقدوم مرضى لعيادته يحملون بطاقة “ميدكسا” دون علمه بوجود اسمه ضمن قائمة الأطباء المتعاقدين معهم، قائلًا، “إنه يستقبل بعض المرضى بمبالغ بسيطة حتى لا يتم إحراجهم، والبعض الآخر يرفض معاينته كون المريض بحاجة لاستمرار المعاينات”.

وفسّر الطبيب سبب رفض العديد من الأطباء التعاقد مع شركات التأمين الصحي، جراء تلقي مبالغ زهيدة كأجور معاينة المريض من شركات التأمين، وخاصة التأمين الصحي الحكومي، بنحو 10 آلاف ليرة سورية، وهو أقل بكثير مما هو عليه الآن، إذ تتراوح معاينات الأطباء خارج التأمين بين 20 ألفًا و50 ألف ليرة بحسب خبرة الطبيب والاختصاص، لذا يطالب الكثير من الأطباء بتعديل أسعار المعاينات لدى شركة التأمين الصحي.

أطباء آخرون قالوا لعنب بلدي إنهم فسخوا عقودهم مع شركات التأمين الخاصة بسبب تأخر الشركة عن دفع ما يترتب عليها مقابل المعاينات التي يجري صرفها شهريًا.

من أمام المركز الطبي الخاص بشركة التأمينات- 12 كانون الأول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

من أمام المركز الطبي الخاص بشركة التأمينات- 12 كانون الأول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

ما رأي شركات التأمين

موظف في “السورية للتأمين” بمدينة درعا، قال لعنب بلدي، إن هناك العديد من الأشختص في مدينة درعا وريفها يتعاقدون مع شركات التأمين الصحي لأنها تسهم في “التخفيف من أعباء أسعار المعاينات والعمليات والتحاليل”، لكن يوجد من ناحية أخرى بعض الأطباء المتعاقدون يتراجعون ويفسخون العقود.

وأفاد الموظف، الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، بعدم استطاعة شركة التأمين رفع أجر المعاينة للأطباء مشيرًا إلى أنها لا تتعدى عشرة آلاف ليرة، بالرغم من مطالب أغلب الأطباء برفعها.

وحول أعداد الأطباء المتعاقدين مع “السورية للتأمين” في محافظة درعا، قال الموظف إنه يوجد 77 طبيب باختصاصات مختلفة و18 طبيب عام، كما تعاقدت الشركة مع 33 صيدلية، ومستشفيين خاصين بالإضافة لمستشفى “درعا” الحكومي، و13 مخبرًا للتحليل الطبي، ومركزين للتصوير بالأشعة، وعشرة أطباء أسنان.

موظف آخر بمديرية التأمين الصحي السوري بدمشق قال لعنب بلدي، إن معاينة العديد من الأطباء بدمشق وصلت إلى 60 ألف ليرة، وهو مبلغ لا يمكن لشركة التأمين الصحي صرفه للأطباء.

وتصل شكاوى من الموظفين والمعلمين لمديرية التأمين حول تجاوزات “لا إنسانية” من الأطباء، مثل رفض المعالجة والمعاينة للمريض رغم حمله دفتر التأمين، بدعوى أنه غير متعاقد مع المديرية، فيما يأخذ آخرون نصف أجر المعاينة من المريض ثم يطلب صرف قيمتها كاملة من الشركة، وفق الموظف (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية).

وبحسب الموظف، يبلغ أعداد الأطباء والجراحين الاختصاصيين المتعاقدين بمحافظة دمشق وريفها مع “السورية للتأمين”، 863 طبيبًا و33 طبيبًا عامًا، بالإضافة لوجود 93 صيدلية متعاقد معها، و30 مستشفى خاصًا وحكوميًا، و108 مراكز للتحليل الطبي، و23 مركز للتصوير بالأشعة، و107 أطباء أسنان.

غلاء الشركات الخاصة

تختلف قيمة الأقساط بحسب خيارات شركات التأمين من جهة، والشريحة العمرية وعدد أفراد عائلة المهندس المشمولين بالتأمين من جهة أخرى، لكنها تشترك بغلاء الأقساط بالمقارنة مع راتب الموظف الحكومي.

طرحت نقابة المهندسين السوريين، في 31 من تشرين الأول الماضي، بلاغًا بتكاليف الأقساط السنوية الجديدة الخاصة بعقود التأمين الصحي بالمهندسين وعائلاتهم، وصل بعضها لـ 20 مليون ليرة سورية، بينما يبلغ الحد الأدنى للأجور قرابة 186 ألف ليرة.

واشترط البلاغ الصادر على أصحاب العقود القديمة الموافقة على الأسعار الجديدة للتأمين من أجل استمرارها، على أن يبدأ تطبيق الأقساط الجديدة مطلع تشرين الثاني الماضي.

تعاقدت نقابة المهندسين مع شركة “Impa” الطبية الخاصة منذ عام 2018، لتزويد الخدمات الطبية المشمولة بالتأمين الصحي بشكل حصري، وذلك برعاية شركة “العقيلة” للتأمين.

وتختلف رواتب المهندسين العاملين في القطاع الحكومي بحسب اختصاص كل شخص وعدد سنوات مزاولة المهنة، فيما يحق للمهندس طلب إحالته على التقاعد إذا بلغ 65 عامًا بغض النظر عن عدد سنوات المزاولة، أو في حال زاول المهنة لـ 30 عامًا، ويبلغ الراتب التقاعدي الذي يتقاضاه المهندس من النقابة 165 ألف ليرة، منذ مطلع أيلول الماضي.

وفي حال أراد المهندس المتقاعد الذي يبلغ 65 عامًا الاشتراك في شركة التأمين الصحي بمفرده عليه دفع 2.81 مليون ليرة كقسط سنوي، بينما يبلغ مجموع رواتبه التقاعدية في العام 1.98 مليون ليرة.


شاركت مراسلة عنب بلدي سارة الأحمد بإعداد هذه المادة




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة