"نوستالجيا" اللاجئ السوري 

دمشق- اسطنبول.. خط حنين لا يخضع للحدود

"نوستالجيا" اللاجئ السوري دمشق- اسطنبول.. خط حنين ال يخضع للحدود

camera iconخط حنين بين دمشق- اسطنبول (تعبيرية - تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – يامن المغربي

“يا شام، إن جراحي لا ضفاف لها.. فامسحي عن جبيني الحزن والتعبا

وأرجعيني إلى أسـوار مدرسـتي.. وأرجعي الحبر والطبشور والكتبا”.

بين حارات ضيقة ومتداخلة، وجدران شهدت على آلاف الحكايات والهمسات والقصص والأحداث اليومية والسياسية والاجتماعية لأهل دمشق، عاش شاعر الأبيات السابقة، الراحل نزار قباني، الذي كتب عدة قصائد في حب مدينته، وارتبطت المدينة بشعره، وحتى عندما تغزل بمدينة غرناطة الإسبانية، كتب:

“شوارع غرناطة في الظهيرة.. حقول من اللؤلؤ الأسود

فمن مقعدي.. أرى وطني في العيون الكبيرة

أرى مئذنات دمشق مصورة.. فوق كل ضفيرة”.

كان نزار محظوظًا لقدرته على التعبير عن محبته، أو حنينه لمدينته وبيته، حظ لم يمتلكه الكثير من السوريين المقيمين في اسطنبول أو غازي عينتاب في تركيا، أو في بيروت أو الأردن، للتعبير عما يشعرون به من حنين لمدن قديمة خرجوا منها مجبرين، تحت ضغوط أمنية أو اقتصادية أو معيشية.

ومن جهة أخرى، فإن تشابه المدن يخلق شعورًا ولو ضئيلًا بالانتماء للمدن الجديدة.

في عام 1516، دخل السلطان سليم الأول دمشق، واستمرت مدن دمشق وحلب ومدن سورية أخرى كولايات عثمانية حتى انهيار الأخيرة في عام 1918، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وخلال ما يزيد على 400 عام من الوجود العثماني، أنشئت مئات الأحياء وتشابهت الهندسة المعمارية بين المدن السورية ونظيرتها التركية اليوم، كاسطنبول وغازي عينتاب.

أحياء متشابهة تبعث الحنين

منذ اتباع النظام السوري الحل الأمني في مواجهة مطالب المتظاهرين برحيل بشار الأسد عن السلطة في سوريا، خرج ملايين السوريين إلى الدول المجاورة، وكثير منهم إلى تركيا التي يعيش فيها اليوم،  بحسب رئاسة الهجرة التركية، ثلاثة ملايين و237 ألفًا و585 لاجئًا سوريًا خاضعًا لـ”نظام الحماية المؤقتة”، ويعيش القسم الأكبر منهم في اسطنبول، إذ تضم 529 ألفًا و285 شخصًا.

في اسطنبول، منطقة أثرية تعرف باسم الفاتح، تضم السلطان أحمد وبجانبه آية صوفيا، ومسجد الفاتح حيث دفن السلطان محمد الفاتح، وسور المدينة القديم، ومسجد الخرقة الشريفة، الذي يضم آثارًا تعود لنبي الإسلام محمد بن عبد الله، والسوق المصري ومنطقة إمين أونو، القريبة بدورها من منطقة السليمانية، التي دفن فيها المعماري الأشهر في الدولة العثمانية معمار سنان.

السوق المصري عبارة عن سوق طويل متداخل بتقاطعات متعددة، يشبه بشكل كبير الأسواق الأثرية في دمشق، كسوق الحميدية بجانب قلعة دمشق وسط المدينة، بالقرب من التكية السليمانية، الشبيهة بشكل كبير بالمنطقة التي تحمل الاسم نفسه في اسطنبول.

زيارة هذه المناطق، والتشابه الكبير بين المدن السورية ونظيرتها التركية، تخلق حالة من الحنين للمدن الأصلية لبعض السوريين، وهو حنين تفسره الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك بأنه ناتج عن طبيعة بشرية يحتل فيها الانتماء والولاء مساحة كبيرة.

وأوضحت في حديثها لعنب بلدي، أنه وفي الطبيعة البشرية هناك انتماءات وولاءات، الانتماء يأتي أولًا ويتبعه الولاء لأي شيء يمر في الحياة ويترك ذكرى مع الروتين الذي تعيشه المجتمعات، وخاصة فيما يخص العمران والمدن، وهو ما يخلق نوعًا من الانتماء.

أما الولاء للذاكرة فيأتي عبر محافظة الإنسان على ذكرياته، المكانية أو الأشياء القديمة في المنازل، كغرف النوم أو أمور أخرى.

وفق عبد الملك، فإنه مع مغادرة السوريين بلادهم مجبرين، وتحت الضغوط، تحول الأمر إلى نوع من الولاء للمناطق التي تشبه مدنهم، خاصة إن عاش الإنسان في مناطق مشابهة في طفولته وسط حالة من الاستقرار والأمان.

الانتماء والطبقة الوسطى

عندما يمشي أي سوري بمناطق أثرية في بيروت أو اسطنبول أو مدن أخرى مشابهة معماريًا لمدينته السورية، قد يشعر بنوع من الانتماء، خاصة أن الظروف الاقتصادية متشابهة بين هذه المدن من ناحية الطبقات الاجتماعية والاقتصادية.

وبالإضافة إلى الأماكن القديمة والأثرية في هذه المدن، هناك أحياء كثيرة في اسطنبول تتشابه مع أحياء في المدن السورية، رغم أنها أحياء حديثة، ويعود هذا الأمر لعوامل اقتصادية وثقافية كذلك.

الباحث الاجتماعي صفوان موشلي، قال لعنب بلدي، إن الطبقة الوسطى عادة ما تكون لها أفكار متشابهة ونمط عمل متشابه أيضًا، خاصة في حالة وجود عوامل ثقافية ودينية واجتماعية مشتركة.

وأوضح أن وجود هذه الطبقات في ظروف متشابهة يخلق نوعًا من الحنين من جهة لدى وجودها في أماكن متقاربة عمرانيًا، وهو ما يخلق لاحقًا نوعًا من الانتماء العاطفي لهذه الأماكن.

وأشارت دراسة أجراها “مركز الحوار السوري” في عام 2021، إلى أن تجربة لجوء السوريين إلى تركيا كانت أسهل بالمقارنة مع دول أخرى، لوجود تقارب عام بين الشعبين السوري والتركي في عدد من النواحي الثقافية والدينية، بما في ذلك الأعياد الدينية والنظرة للأسرة والزواج والعلاقات الاجتماعية، والعادات والتقاليد ونمط الفنون.

وفق عائشة عبد الملك، يظهر شعور الانتماء كمحاولة لإشباع العاطفة، لذا وعندما يجد الإنسان نفسه أمام منظر عمراني مشابه لأماكن عرفها في حياته، يشعر بنشوة مؤقتة وسعادة تعيده إلى أيام يحنّ إليها.

وأضافت أن هناك شريحة تخاف التغيير، وهذا التغيير يذهب إلى محاولة الاقتراب والعيش في أكثر الأماكن المشابهة للمكان الأصلي، وفي هذه الحالة يشعر الإنسان أنه يحمي نفسه من التغييرات التي أجبر عليها، ويحافظ على شيء من الاستقرار أو الحياة القديمة التي أحبها أو استقر فيها لفترة طويلة من الزمن.

وفق رسالة ماجستير صدرت عن كلية الهندسة المعمارية في جامعة “دمشق”، للمهندسة أماني خليل الرحّال، في 2015، تعدّ التكية السليمية أول عمل معماري في دمشق نفذ في عهد السلطان سليم الأول، في محلّة الصالحية، وأمر ببنائها في عام 1518.

وتعدّ التكايا، وفق الرسالة، أول بناء عثماني في سوريا، وأنشئت العديد منها في دمشق وحلب خلال الوجود العثماني.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة