الاقتصاد أحد أسبابه

توتر مستمر في دير الزور.. “قسد” تسعى لإصلاح “شكلي”

توتر مستمر في دير الزور

camera iconرتل عسكري من القوات الخاصة التابع لـ"قسد" يتجه من مدينة الطبقة إلى دير الزور للمشاركة بحملة "تعزيز الأمن" - 27 من آب 2023 (قسد/ لقطة شاشة)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

في الوقت الذي تعاني فيه محافظة دير الزور شرقي سوريا توترًا أمنيًا مستمرًا، يتجلى بعمليات استهداف متكررة لأفراد مدنيين وعسكريين، لم تتخذ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، صاحبة السيطرة في المنطقة، خطوات لإصلاح الأخطاء التي اعترفت بها سابقًا، ولو بالحدود الدنيا.

حتى الولايات المتحدة، الداعم الرئيس لـ”قسد”، التي سبق وانتقدت آلية حليفها المحلي بالتعامل مع المكون العربي، وحالة الإقصاء التي يمارسها على أبناء المنطقة، لم تتدخل بشكل فعّال حتى اليوم.

وفي أحدث مآلات هذا التوتر الأمني، اغتيل وكيل “قسد” في دير الزور، أو ما يعرف محليًا باسم “المندوب السامي” شيروان حسن، الملقب بـ”روني بولات”، وهو الشخص الثاني بعد قائد “قسد” مظلوم عبدي، بحسب ما قاله أحد قادة الفصيل السابقين في حديث سابق لعنب بلدي.

ولا تزال الجهة التي نفذت الاغتيال مجهولة، إذ قتل شيروان حسن عقب خروجه من اجتماع مع التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا في قاعدة “حقل العمر” شرقي دير الزور، وكان من مطالب المكون العربي الرئيسة في الانتفاضة ضد “قسد” هو إخراجه من دير الزور.

تعاطٍ داخلي لم يتغير

القائد العام لـ”قسد”، مظلوم عبدي، وعد، في أيلول الماضي، خلال حديثه لوسائل إعلام أجنبية وعربية، عشائر المنطقة بتقديم “إصلاحات” ترقى لتحقيق مطالبهم، لكن لم تلحظ أي تغييرات على أرض الواقع، إذ استمرت  الحملات الأمنية والاعتقالات بحق أبناء المنطقة.

واعترف عبدي خلال المقابلات نفسها بما أسماه “سوء إدارة”، أدى إلى تشكّل حالة من الرفض لـ”قسد” بالمنطقة، لكنه أطلق بالمقابل تعهدًا بالإصلاح، لم ينعكس بشكل ملموس في خطاب “قسد” الموجه نحو الداخل.

وفي 29 من تشرين الثاني الماضي، عقدت “قسد” اجتماعًا موسعًا ضم ممثلين عن التحالف الدولي وشيوخًا ووجهاء من عشيرة “العكيدات” إحدى كبرى عشائر دير الزور.

ونشرت “قسد” عبر موقعها الرسمي حينها، أن اللقاء تركز بشكل أساسي على مناقشة الأحداث الجارية في منطقة دير الزور، لا سيما ما يتعلق بمحاولات “إثارة الفتنة” بين مختلف مكونات المنطقة باستخدام مسميات مختلفة و”شعارات طائفية”.

قيادي سابق في “مجلس دير الزور العسكري” التابع لـ”قسد” سابقًا، وأحد وجهاء العشائر بدير الزور، قال لعنب بلدي حينها، إن الذين حضروا الاجتماع هم وجهاء “قسد”، ولا علاقة لهم بتمثيل عشائر المنطقة.

وأضاف القيادي الذي تحفظ على اسمه لأسباب أمنية، أن من الأجدى للتحالف الاجتماع مع شيوخ العشائر الحقيقيين، وليس مع من عيّنتهم “قسد” لخدمتها مقابل ما يعرف بـ”بطاقة وجيه”، لتسهيل مرورهم على الحواجز العسكرية، أو إخراج معتقل من السجن.

وتبدو الصورة العامة لتعاطي “قسد” مع مطالب أبناء المنطقة نفسها كما كانت قبل الانتفاضة المسلحة التي اندلعت في دير الزور ضدها، رغم الاعتراف بالأخطاء، والوعود بالإصلاح.

الاقتصاد سبب

يطالب حتى اليوم أبناء محافظة دير الزور “قسد” بتسليمهم إدارة المنطقة على الصعيد الاقتصادي والخدمي، كون دير الزور تعتبر أغنى محافظة سورية من حيث الثروات النفطية، لكن سكانها يعانون شحًا في المحروقات، وارتفاعًا بأسعارها يجعل بعض العائلات عاجزة عن شرائها.

ويفصل نهر الفرات المنطقة عن مناطق سيطرة النظام السوري، الذي قُيد اقتصاده بالعقوبات الدولية المفروضة عليه، ما جعلها مصدر تزويد رئيسًا للسلع الأساسية في سوق النظام على الضفة الغربية للنهر.

الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات” مناف قومان، قال لعنب بلدي، إن “قسد” تنتج من الآبار النفطية في محافظة دير الزور 48500 برميل يوميًا، من أصل 80 إلى 120 ألف برميل هي مجمل إنتاجها اليومي.

وتوزع “قسد” جزءًا من هذا الإنتاج على “حراقات” النفط للاستهلاك المحلي وهو الجزء الأصغر من الإنتاج، إضافة إلى جزء آخر تصدّره نحو كردستان العراق لبيعه، وجزء يباع في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا.

وأضاف الباحث أن الجزء الذي يعتقد أنه الأكبر من الإنتاج النفطي، يباع للنظام السوري عبر طريقين، الأول مرورًا بالرقة نحو مناطق سيطرة النظام، والثاني عبر المعابر النهرية التي تصل ضفتي نهر الفرات شرقي دير الزور.

ومن أصل 13 معبرًا نشطًا على ضفتي الفرات، قال الباحث إن هذه المعابر شكّلت مع الوقت شريانًا تجاريًا لكلتا الضفتين، خاصة أن نقل البضائع يعتمد على التهريب، وبالتالي فإن معظمها من الممنوعات.

وتشكّل أيضًا مصدرًا لتزويد الضفتين بالمواد الاستهلاكية، بحسب الباحث، إضافة إلى نحو 7500 برميل من النفط يوميًا تعبر محافظة دير الزور باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري.

الباحث أشار إلى أن المنطقة تشكّل قاعدة رئيسة لاقتصاد “قسد” لا تفرط بها.

وقدر الباحث العائدات الاقتصادية لـ”قسد” من تصدير النفط للنظام السوري عبر معابر التهريب وحدها شرقي دير الزور بأكثر من أربعة ملايين دولار أمريكي شهريًا.

وفي آب الماضي، أعلنت “الإدارة الذاتية” (المظلة السياسية لـ”قسد”) لأول مرة عن كمية إنتاجها من النفط في الحقول التي تسيطر عليها في شمال شرقي سوريا، مؤكدة أنها تبيع قسمًا من الإنتاج إلى النظام السوري.

نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لـ”الإدارة الذاتية”، حسن كوجر، قال لصحيفة “الشرق الأوسط“، إن “الإدارة تستثمر أقل من نصف الآبار والحقول النفطية في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا”.

وأضاف أن “الإدارة” تبيع جزءًا من إنتاج النفط لتجار محسوبين على النظام السوري بأسعار “رمزية” مقارنة بمثيلاتها العالمية.

وأكد أن “الإدارة” تتعامل مع النظام في بيع قسم من إنتاج النفط له بطريقة غير رسمية وبأسعار رمزية، مشيرًا إلى وجود تحديات في تنظيم عمليات البيع، بسبب الحصار المفروض على المناطق التي تسيطر عليها.

خطوات للإصلاح لم تثمر بعد

في 23 من تشرين الأول الماضي، عقدت “الإدارة المدنية” التابعة لـ”الإدارة الذاتية” في دير الزور مؤتمرًا أطلقت عليه اسم “تعزيز الأمن والاستقرار نحو تطوير وترسيخ التشاركية بدير الزور”، بمشاركة وفد من “الإدارة الذاتية” وآخر من “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، وأعضاء من المؤسسات المدنية والعسكرية، وشيوخ ووجهاء العشائر والأحزاب السياسية.

وطرحت “الإدارة“ جملة من المخرجات مكونة من 42 بندًا، أبرزها إعادة هيكلة المجالس المحلية والتشريعية والتنفيذية والبلديات، وترتيب قوى “الأمن الداخلي” و”مجلس دير الزور العسكري” خلال ستة أشهر، وتعويض العائلات المتضررة في أحداث دير الزور التي شهدتها مؤخرًا، اعتمادًا على تقارير من اللجنة المشكلة من قبل “الإدارة الذاتية” لهذا الغرض، إضافة إلى تشكيل لجنة من “الإدارة المدنية” والقوات الأمنية لفتح وتنظيم أربعة معابر إنسانية وتجارية.

وبحسب سكان من قرى وبلدات متفرقة شرقي دير الزور، تواصلت معهم عنب بلدي، فإن أزمة محروقات التدفئة لا تزال تخيّم على المنطقة، إضافة إلى المحروقات الزراعية، وأزمات في المواد التموينية.

وفي 19 من تشرين الأول الماضي، قال الشيخ إبراهيم الهفل، أحد شيوخ قبيلة “العكيدات” ووجوه الانتفاضة القبلية بدير الزور، إن مقاتلي العشائر سيتسلمون إدارة “المنطقة” قريبًا، في إشارة إلى ريف دير الزور الشرقي الذي تسيطر عليه “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وأضاف الهفل بحسب  تسجيل مصور خلال وجوده مع مقاتلين محليين، في 18 من تشرين الثاني الماضي، أن ضربات “موجعة” ستوجه لـ”قسد” خلال الأيام المقبلة، مناشدًا أبناء المنطقة بالابتعاد عن المقار العسكرية التابعة للأخيرة.

وبحسب ما ورد على لسان الهفل، فإن موقع التسجيل المصور كان على جبهات القتال مع “قسد” شرقي دير الزور.

وتتهم “قسد” الهفل بأنه مدعوم من النظام السوري “لضرب السلم الأهلي في دير الزور”، وهو ما لم ينفِه خلال بياناته المتكررة، رغم مرور أشهر على المواجهات بين مجموعات يقودها وقوات “قسد”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة