تعا تفرج

منافسة بين السوريين والعراقيين

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

يستخدم أهل ريف إدلب الشمالي مثلًا شعبيًا تهكميًا، يقول “ما حسدناكم على خبز الرقاق، حسدتونا على النوم في الزقاق”. بمعنى آخر، أنت تتحدث عن مصادفة جميلة مرت بك، وإذا بصديقك يخبرك عن مصادفة أجمل منها، ولكن، هل تتخيل أن تحكي عن الظلم، والجور، والتعسف، والحقارة في بلادك، فيحسدك قوم آخرون عليها!

نعم، هذا الأمر حصل. فقد حكيت طرفة عن رجل من ريف إدلب، كان يعمل في فندق أمير بحلب، سنة 1997، ورأى قطعة الـ1000 ليرة، فتساءل، ببراءة: يا ترى عليها رأس الرئيس حافظ الأسد، أم رأس كديش؟ وكان في الفندق مخبر، وشى به، فاعتقلوه، واقتيد إلى المحكمة العسكرية في منطقة الجميلية بحلب، وحُكم بالحد الأدنى لجرم تحقير رئيس الجمهورية، المنصوص عليه في قانون العقوبات السوري، ومقداره ستة أشهر سجن، ساعده على تخفيف الحكم أن رئيس ديوان المحكمة، أوضح للقاضي أن أهل منطقتنا الريفية لا يعرفون الحصان الأصيل، لذلك يقولون عن أي حصان يشاهدونه “كديش”، ما يعني أنه لم يقصد التحقير.

ولكن النكتة ليست هنا، النكتة أن أكثر من إنسان عراقي وضع تعليقًا هنأنا فيه، نحن السوريين، على النعم التي نعيش فيها، فمَن يذكر الرئيس، عندنا، بسوء يُحاكم، ويُسجن، ثم يخرج، وأما في العراق، أيام صدام حسين، فلم يكن مَن يحكي نكتة عن صدام يذهب في خبر كان وحده، بل بصحبة أسرته كلها، فتأمل يا رعاك الله.

بيد أن التحاسُد، والمجاكرة، والمناقرة بين شعبي بلدين محكومين بالدكتاتورية، ليست بهذه البساطة، فنحن نحكي عن حالة رجل ارتكب خطأ غير مقصود، وأحيل إلى المحاكمة، ولكن، إذا كنت لا تعلم، نحن لا نقلُّ عنكم بشيء، فلدينا عشرات الألوف من المواطنين المسجلين تحت اسم “المفقودين”، والمفقود، يا عين عمك، لا تعني أنه دخل في غابة، وما عاد يعرف كيف يعود إلى داره، وإنما هم أناس أعدموا دون محاكمة، مثلما كان يجري في سجن “تدمر”، أو بموجب محكمة قرقوشية كان يقودها المدعو فايز النوري، الذي كان يقرر العقوبة أولًا، ثم يضع لها التهم، فإذا كان يريد أن يسجن معتقلًا خمس سنوات، يضع على إضبارته لصاقة الـ5 سنوات، وتتضمن ثلاث تهم، من قبيل، التعاطف مع تنظيم سري، والتبرع لجماعة إرهابية، وكتم معلومات تمس أمن الدولة، وأما أبو الـ10 سنوات، فعدد تهمه أكبر، وهكذا حتى يصل إلى لصاقة الإعدام، والنكتة، أيضًا، ليست هنا، النكتة أنهم لا يبلغون أهله بمصيره، ويسجل في حقل “المفقودين”.

وبعض معارضي نظام الأسد، كانوا يتهمونهم بالجنون، ويأخذونهم إلى مستشفى الأمراض العقلية، وبعضهم كانوا يقتلون ويدفنون دون أن يدري بهم فايز النوري نفسه، ومن طرائف “النوري” المتداولة، أنه حكم على رجل من مدينته، دير الزور، بالسجن عشر سنوات، وبعدما وضعت اللصاقة على إضبارته، تذكر أمرًا، فسأله: ألستَ أنت ابن فلان الفلاني؟ قال المتهم: بلى. فقال: أبوك استعار من عند أبي قاشوشة الجب، ولم يُعدها إليه. سنغير الحكم: إعدام.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة