تعا تفرج

حديث الحشاش اللاجئ

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

لم يستغرب صديقنا الحشاش “أبو قرمو” ما سمعه من أصدقائه الحشاشين الجالسين في ركن من محطة القطارات “البانهوف”، أن الدول الأوروبية سوف تقوم بترحيلنا، نحن اللاجئين السوريين، قريبًا، فهو يرى أنهم تأخروا في ترحيلنا كثيرًا!

لم يبدِ الحشاشون الآخرون اندهاشًا، لسبب بسيط، هو أن اندهاش الإنسان يتطلب أن يرفع جفني عينيه إلى الأعلى، ويشد فمه، ولكنهم ما عادوا قادرين على ذلك، من فرط التحشيش، حتى إنهم لم يكلفوا خاطرهم بسؤاله عن هذا الاكتشاف الغريب، فقال:

– علي الطلاق من زوجتي أم قرمو، التي طلقتني بعد وصولنا إلى ألمانيا بشهرين. بالمناسبة، حجتها كانت واهية. قالت إنها تريد أن تعيش بقية حياتها دون ضرب! حينما كنا في سوريا، كنت أضربها في حالة واحدة، هي أن أكون مكيفًا، وتلقي أمامي عبارة تسم بها بدني، وكانت تتصرف بطريقة غبية، إذ تأخذ بقجتها وتحرد في دار أخيها “السيكتر”، الذي كان يعمل في جر عربات محملة بالحجارة، فتخيلوا، أنا، عندما أضربها، لا يكون عندي حيل أصلًا، فلا أؤذيها، وأما “السيكتر” فكان يضربها بوكسًا أقوى من رفسة بغل شموس، ويأمرها أن ترجع إلى دار زوجها. المهم، أيش كنا نحكي؟ آه، تذكرت: علي الطلاق من طليقتي أم قرمو، هؤلاء الأوروبيون أغبياء.

هز الآخرون رؤوسهم بلا مبالاة. تابع أبو قرمو: عندما يصل الواحد منا إلى دولة أوروبية، تراه مثل القط المغطوط بالماء، ثم في طست الطحين، ثم وعاء مليء بشحار المدافئ، وعندما يجرون معنا مقابلة اللجوء، لا نصبح من الأكابر فقط، بل من أكابر الأكابر، يسألوننا عن الحرية، فنصفر بأفواهنا ونقول لهم نحن أهل الحرية، والتسامح، ثم لا نترك آية قرآنية تحكي عن حرية الاعتقاد، إلا ونقرؤها أمامهم: “لكم دينكم ولي دين”، “إن الله يأمر بالعدل والإحسان”، “ولا تزر وازرة وزر أخرى”، وعندما يقبلوننا لاجئين، ونلتقي مع بعضنا البعض، نفرط من الضحك، وكل واحد منا يهمس لرفيقه “ضحكنا عليهم!”، وبعدما تستقر أحوالنا، ونأخذ إقامة دائمة، نبدأ بالتعبير عن ذاتنا الحقيقية، فندخل في مجموعات “واتساب”، يديرها شيخ الجامع، ونتحدث عن حقنا في هذه البلاد، فهي بلاد الله، وإذا رأينا ظاهرة لا تعجبنا، نتدفق إلى الشوارع، ونبدأ بالهتاف والسباب والتهديد والوعيد، وإذا حضر رجال الشرطة نضربهم، ونحرق سياراتهم، وفي بعض الأحيان كنا نأتي بعَلَم دولة الخلافة، ونرفعه، ونصيح “خيبر خيبر يا يهود”، وبعد انتهاء المعميكة، نبدأ بمتابعة الأخبار، فنقلق، ونفرح، لعلمنا أن هؤلاء الناس مهابيل، ديمقراطيتهم تمنعهم من ترحيلنا. يا خيو الحياة في بلادنا غير، المظاهرة التي لا تعجب المخابرات يدرزونها بالرصاص، ويدوسون الجثث بالمداحل، ويرفعونها بالتركسات، ويدفنونها في الخنادق، ولكن.

سحب الحشاش أبو برهو سحبة قوية، وقال: التطّ ولاك أبو قرمو، اسكت، نزعت مراقنا.

قال أبو قرمو: وأحلى شيء عندما نأخذ الجنسية، أول شيء نفعله أننا نسافر إلى بلادنا التي طردنا منها، وعندما نرى فيها البؤس والشقاء والحقارة، سرعان ما نطير إلى تلك البلاد التي تؤوينا، وتأبى ديمقراطيتها الهَبْلا أن ترحلنا!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة