الوجود العسكري الروسي في سوريا.. تصريحات تناقض الواقع

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 14 كانون الأول 2023 (Tass)

camera iconالرئيس الروسي فلاديمير بوتين 14 كانون الأول 2023 (Tass)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – براءة خطاب

قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن وجود قوات بلاده في سوريا مستمر “طالما كان ذلك مفيدًا لروسيا”.

وخلال لقاء متلفز لبوتين، في 14 من كانون الأول الحالي، صرح أن القوات العسكرية الروسية موجودة لضمان مصالح روسيا في هذه المنطقة الحيوية من العالم، القريبة جدًا منا، في إشارة إلى سوريا.

وأشار إلى أن بلاده لا تخطط بعد لسحب هذه الوحدات العسكرية من سوريا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية “تاس“.

وأطلق على مواقع التمركز الروسية في سوريا اسم “نقاط” وليس “قواعد”، مشيرًا إلى أن موسكو لا تبني “هياكل طويلة الأجل هناك”.

ونوه بوتين إلى أن بلاده يمكنها سحب جميع أفرادها العسكريين بـ”السرعة الكافية”، دون أي خسائر مادية، إذا لزم الأمر.

“تضليل”

منذ منتصف العام الماضي، جرى الحديث عن أن موسكو تتجه لتقليص قواتها في سوريا، التي قدّر موقع “The Moscow Times”، وهو موقع إلكتروني لصحيفة كانت تصدر بشكل دوري كل ثلاثة أشهر، أعدادها بأكثر من 60 ألف عسكري نصفهم من الضباط، مبررًا التخفيض حينها بمتابعة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، مقابل تسليم موسكو الراية في بعض النقاط والمراكز العسكرية التي تستخدمها روسيا للقوات الإيرانية وميليشيا “حزب الله” اللبناني.

وخلّف الانسحاب الروسي الجزئي جنوبي سوريا فراغًا فتح الباب أمام تغلغل ميليشيات موالية لإيران، نشط جزء منها بتسهيل من النظام السوري بعمليات تهريب المخدرات نحو دول الجوار.

تعتمد روسيا في تنفيذ مهامها العسكرية على التضليل بدرجة كبيرة، كما تعتمده سلاحًا يوازي أي سلاح مادي تستخدمه في المعركة، بحسب ما قاله الباحث في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، لعنب بلدي.

الباحث أوضح أن روسيا سبق أن أعلنت أكثر من مرة عن ترتيبات عسكرية لها في سوريا منذ تدخلها أواخر العام 2015 وحتى اليوم.

 

“روسيا أعلنت انسحاب قواتها أكثر من مرة دون أن يكون ذلك حقيقة على أرض الواقع”.

رشيد حوراني

باحث في مركز “جسور للدراسات”

 

ولا يوجد أمر على المدى القريب والبعيد يجبر روسيا على سحب قواتها من سوريا، خاصة أن قوات النظام منذ خمسينيات القرن الماضي تعتمد في تسليحها على الاتحاد السوفييتي ومن بعده روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفييتي، بحسب حوراني.

لا منطقية بوجود “مؤقت”

الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر، يرى أن روسيا تخطط للبقاء إلى الأبد، “جميع الأوساط الروسية العسكرية والسياسية تتحدث عن وجود دائم وقوي لروسيا في سوريا”، إلا في حال حدوث ظروف كبيرة وتعرض روسيا لمواجهة، وهو ما استبعده الخبير في الوقت الحالي، كما تخطط لتعزيز حضورها بشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة.

وفي حال التوصل إلى تسوية فيما يخص الشأن السوري فإن أحد شروط روسيا سيكون حول طبيعة علاقة النظام في المستقبل مع الحضور العسكري الروسي، بحسب ما قاله جبر لعنب بلدي.

وأضاف الخبير في حديثه إلى عنب بلدي، أن القواعد العسكرية الروسية في سوريا لم تعد تتعلق بالشأن السوري وحده، بل بسياسة روسيا الشرق أوسطية بتحركاتها في البحر المتوسط والبحر الأحمر، لذلك يجب التعامل مع هذا الحضور باعتباره عنصرًا استراتيجيًا لتحركات روسيا الخارجية، وهو ما كان واضحًا في العقيدة البحرية الروسية التي أقرت في العام الحالي.

الباحث في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، قال لعنب بلدي، إن تصريح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حول وجود “مؤقت” للقواعد العسكرية الروسية في سوريا غير منطقي مقارنة مع ما يجري على أرض الواقع، وإمساكها بالقرار العسكري للنظام السوري من حيث اتخاذ القرار بشن معركة ما من عدمه.

حوراني قال إنه بالرغم من تخفيف روسيا وجودها في سوريا متأثرة بحربها في أوكرانيا، تحتفظ إلى الآن بنفس النفوذ والتحكم بالنظام السوري من حيث التغيرات التي تطال جيش النظام وخاصة في الآونة الأخيرة، مثل استدعاء الضباط الجامعيين وتأسيس الشركات الأمنية.

وفي 11 من كانون الأول الحالي، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، تعديلًا قانونيًا ينص على استدعاء الضباط من حملة الشهادات الجامعية المحالين للتقاعد إلى الخدمة الاحتياطية.

وينص القانون رقم “28” لعام 2023 على استدعاء الضباط حملة الشهادة الجامعية، الدكتوراة والماجستير والإجازة الجامعية، المتقاعدين للخدمة الاحتياطية، وفقًا لحاجة “القوات المسلحة” واقتراح لجنة الضباط، لمدة أخرى سنة فسنة حتى إتمامهم سن الـ70، “دون التقيد بالسن المحددة للشطب في هذا القانون”.

ويندرج القانون رقم “28” ضمن حزمة القوانين التي أصدرها النظام في الآونة الأخيرة، والتي تشير إلى مزيد من التغيرات البنيوية في قوات النظام السوري، وتقف وراءها غالبًا روسيا، حيث لا يُظهر ما يتم الإعلان عنه من قرارات وقوانين التحولات على أرض الواقع، بحسب تقرير نشره مركز “جسور للدراسات” للباحث رشيد حوراني.

وأضاف أن روسيا تريد الضباط الجامعيين المتقاعدين للاستفادة من خبراتهم في مهمات داخل سوريا وربما خارجها وبما يخدم التغييرات الميدانية الحاصلة في القطاع العسكري، والتي تشمل آليتَي الحل والدمج.

وتشكل فئة الضباط الجامعيين نسبة قليلة من مجموع الضباط العاملين في قوات النظام، لكنّها تشكّل أهمية بالنسبة لروسيا، حيث تخرّجت النسبة الكبرى منهم في الأكاديميات العسكرية الروسية بمختلف التخصصات، ويمكن أن يضاف هؤلاء إلى العسكريين الجدد الملتحقين بقوات النظام الذين خضعوا لدورات تحت إشراف ضباط الشرطة العسكرية ومدربين مختصين من ضباط الجيش الروسي.

“لتحقيق أهداف”

شكّل التدخل العسكري الروسي في سوريا نقطة تحول جذرية في مسار الأحداث الميدانية، إذ استطاع النظام السوري استرجاع مساحات جغرافية واسعة على الخريطة منذ أول غارة نفذها سلاح الجو الروسي في سوريا في 30 من أيلول 2015، منها باتفاقيات روسية- تركية، وأخرى لعبت فيها روسيا دورًا محوريًا مع الأردن وإسرائيل وحتى الولايات المتحدة.

وخلال التدخل العسكري، شنت القوات الجوية الروسية أكثر من 100 ألف طلعة جوية قتالية في سماء سوريا، وفق تصريحات قائد القوات الجوية الروسية الموفدة إلى سوريا، يفغيني نيكيفوروف، على هامش احتفالية للقوات الروسية في قاعدة “حميميم” الجوية بريف اللاذقية، في 12 من آب 2021، بمناسبة الذكرى الـ109 ليوم الطيران القتالي الروسي.

وأشرفت روسيا على مفاوضات مباشرة بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام في شمالي ووسط وجنوبي سويا، انتهت بانضمام جزء من فصائل المعارضة لـ”الفيلق الخامس” المدعوم روسيًا، وتسليم آخرين أسلحتهم، وتهجير الرافضين نحو مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا.

حوراني قال إن الوجود الروسي أدخل سوريا في المساومات بين الأطراف المتدخلة على الساحة السورية، ووُظف وجودها في سوريا كورقة لخدمة مصالحها وتحقيق هدفها “الجيوبولتيكي”، وهو أمر يرضي النظام السوري طالما يحقق بقاءه في السلطة.

ونظرًا إلى تنافسه مع الغرب يعزز بوتين حضوره في سوريا لمناكفة الغرب من بوابة البحر الأبيض المتوسط.

ويرى حوراني أن تصريح بوتين قد يكون تلميحًا للغرب أنه مستعد للتفاوض في ضوء الاستعصاء الذي تعانيه قواته في أوكرانيا على مبدأ طرح الملفات جميعها والاتفاق عليها.

 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة