تعديلات امتحانات “البكالوريا” تقلق الطلاب في سوريا

“كيف يمكن أتمتة الرياضيات، توجد مسائل معقدة تحتاج لحل ووقت طويل، وكيف يمكن لي اختيار الإجابة دون التأكد من الحل”، تتساءل نادين، حالها كحال العديد من طلاب الشهادة الثانوية في سوريا عن مستقبل امتحانها “المصيري”، بعد قرار وزارة التربية منتصف العام الدراسي تطبيق الامتحانات المؤتمتة وإلغاء الدورة التكميلية.

وفي 11 من كانون الأول الحالي، أعلنت وزارة التربية في حكومة النظام السوري عن تطبيق الامتحانات المؤتمتة لطلاب الشهادة الثانوية العامة والشرعية والمهنية في الامتحانات العامة للعام الدراسي 2023- 2024، وعلى بعض المواد في الامتحان النصفي والتجريبي.

وجاء في قرارها، أن جميع مواد الشهادة الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي ستكون مؤتمتة كليًا ما عدا اللغة العربية للفرعين فستكون مؤتمتة جزئيًا.

وبررت الوزارة هذا القرار بـ”تطوير العملية الامتحانية” من ناحية حسن سير الامتحانات و”دقة إصدار النتائج”، وبناء على خطة الوزارة في تطوير منظومة الامتحانات وفق رؤية تتناسب مع “التطور العالمي والتحول الرقمي”.

وتعارض نادين (رفضت ذكر اسمها الكامل لأسباب أمنية)، طالبة “البكالوريا” في الفرع العلمي من سكان مدينة درعا، التحول لنظام امتحان الأتمتة بسبب أن ورقة الأتمتة لا تسمح لها بإجراء أي عمليات حسابية جانبية كما نظام الورق السابق، حيث يوضع جزء من أسفل الصفحة لورقة الإجابة كمسودة.

وأضافت نادين أن العديد من الطلاب “فرحون” بهذا القرار ظنًا منهم أن نظام الأتمتة “أسهل”، بينما هناك طلبة آخرون رافضون لهذا النموذج الجديد لعدة أسباب منها إنهاء الإبداع والحل كـ”روبوت” يحفظ المعلومات “بصم دون فهم”، حسب تعبيرها.

ما طبيعة امتحان الأتمتة

في 21 من كانون الأول، حددت وزارة التربية مواعيد ومدة إجراء الامتحان الموحد المؤتمت لبعض مواد الشهادة الثانوية خلال الفصل الدراسي الأول، إذ حددت امتحانات الفرع العلمي لمادة الرياضيات في 7 من كانون الثاني المقبل لمدة ساعتين، وفي اليوم التالي امتحان اللغة العربية لمدة ساعة ونصف بشكل مؤتمت جزئي.

أما للفرع الأدبي والثانوية الشرعية، فسيكون امتحان مادة الفلسفة في 7 من كانون الثاني أيضًا، لمدة ساعة وربع، يليه امتحان اللغة العربية لمدة ساعتين.

مدير مركز القياس والتقويم التربوي، رمضان درويش، قال لصحيفة “الوطن” المحلية، في 19 من كانون الأول الحالي، إن اختبارات “الاختيار من متعدد” تعد من الاختبارات “الموضوعية” التي تعكس العدالة في التصحيح وعدم تأثير شخصية المصحح في نتائج الاختبار، مشيرًا إلى وجود هفوات وآراء أيضًا على الرغم من توحيد سلالم التصحيح في التصحيح اليدوي.

وعدّد درويش إيجابيات لنظام الأتمتة، مثل شموليتها لكامل المنهاج لتعدد الأسئلة، وتراعي التوازن في قياس الأهداف التربوية “المعرفية والمهارية والوجدانية”، بجميع مستوياتها من “التذكر حتى الإبداع”، وهي تصلح لجميع المواد إذا “ما أحسنت صياغتها”.

وأضاف أن من إيجابياتها أنها تختصر وقت الامتحان للمادة الواحدة والسرعة في إصدار النتائج مما ينعكس على نتائج المفاضلات الجامعية وبداية العام الدراسي حسب التقويم المدرسي، والجامعي، والتقليل من طلبات الاعتراض لعدم الثقة بالتصحيح اليدوي.

وعن النماذج التي بدأت تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات التربوية، نفى درويش طرح مركز القياس والتقويم أي نموذج حتى الآن، وهو غير مسؤول عن دقة وصحة النماذج التي تطرح.

وبشأن نوعية الأسئلة التي ستطبق في الامتحان، أفاد درويش أن الأسئلة ستكون متدرجة من السهل إلى الأصعب، مع وجود أسئلة “تمييزية للمتفوقين”، وسيبدأ تطبيقها على عدد من المواد في امتحانات الفصل الدراسي الأول كي يتدرب الطلبة على هذا النوع من الاختبارات.

وبالرغم من تجربة نظام الأتمتة في الفصل الأول، ورد لعنب بلدي عدة شكاوى لطلاب “دراسة حرة” بأنهم لن يخضعوا للاختبار التجريبي على الأتمتة بداية العام المقبل، وهو ما سيضعهم في مواجهة “مصيرية” لأول مرة مع هذا النوع من الأسئلة.

لا تمنع الغش

مدير مركز القياس والتقويم التربوي، رمضان درويش، أكد أنه لا يوجد توقعات للأسئلة الامتحانية لتعدد الأسئلة والخيارات، كما قال إن الأتمتة تخفف من “ظاهرة الغش الامتحاني” من داخل القاعة أو خارجها، لتعدد النماذج في القاعة الواحدة المحددة بأربعة نماذج للأسئلة نفسها مع تغيير خيارات الإجابة.

موجه تربوي في مديرية درعا، قال لعنب بلدي إنه لا يوجد منظومة تمنع الغش بشكل كامل، مشيرًا إلى أن كاميرات المراقبة لم تطبق في غالبية المدارس بالمحافظة، فكيف يمكن وضع حد للغش.

وبشأن عدالة المنظومة، قال محمد إن قرار الأتمتة سيجعل بعض الطلبة غير الواثقين من معلوماتهم يختارون الإجابة بشكل عشوائي، فقد يختار طالب غير مجتهد الاختيار الصحيح، بينما طالب مجتهد قد تتوه عليه الإجابة الصحيحة لدقة الأسئلة وتقارب الخيارات ليختار الإجابة الخاطئة، واصفًا هذه الحالة بأنها “مظلمة كبيرة للطلبة”.

وفي نظام التصحيح اليدوي كان سلم التصحيح يمنح علامات على آلية الحل وصولًا للجواب النهائي، بينما آلية التصحيح في الأتمتة تعطي علامة كاملة غير مجزأة على الإجابة الصحيحة.

وحول آلية التصحيح بالنظام الجديد شرح الموجه التربوي أنه قبل الامتحان تطبع الأوراق بعد استلام النماذج من المعلمين واختيار النموذج الأفضل لكل مادة، أو دمج الأسئلة من عدة نماذج ثم تدقيقها عبر أربع خانات.

وبعد انتهاء الامتحانات تجمع الأوراق ويبدأ تصحيحها عبر آلة مرتبطة مع الكمبيوتر، الذي يحوي إجابات الأسئلة، وليتم تصحيحها بشكل سريع بحيث يمكن تصحيح مئات الأوراق الامتحانية خلال ساعة واحدة.

وردًا على سؤال حول استعداد البنية التحتية للتحول إلى نظام الأتمتة، أفاد الموجه بوجود مراسلات متواصلة بين مديرية التربية في درعا ووزارة التربية في دمشق لتأمين المعدات اللازمة لتصحيح أوراق الأتمتة، مشيرًا إلى وعود بإرسال عدد منها يكفي لاختبار إمكانية تغطية جميع الأوراق الامتحانية للشهادة الثانوية في محافظة درعا بالفصل الأول.

مدير الامتحانات في وزارة التربية، يونس فاتي، قال لموقع “جلوبال” المحلي، إنه في عمليات التصحيح لن يكون هناك أي تدخل للعامل البشري وبالتالي نسبة حدوث أي خطأ “صفر”، والهدف من ذلك حماية الطلاب وحصولهم على حقهم.

وأفاد بأنه في حال نجحت هذه التجربة في الشهادة الثانوية يمكن تطبيقها على بقية الصفوف لمواكبة تطورات العملية التعليمية بما يضمن تنمية الميول والمهارات والذكاء لدى الطلاب.

إلغاء التكميلي.. سلبيات وإيجابيات

خلال لقاء وزير التربية في حكومة النظام السوري، محمد عامر المارديني، مع القناة الفضائية “السورية” الرسمية، في 11 من كانون الأول الحالي، أعلن عن موافقة مجلس الوزراء على إلغاء الدورة الامتحانية الثانية في الشهادة الثانوية العامة.

وحول مبررات هذا القرار قال المارديني، إن الأسباب الموجبة لهذه الدورة قد انتهت، وكانت لها عدة مساوئ منها عدم تحقيق العدالة بين الطلاب، واعتماد الطلاب بشكل كبير على هذه الدورة، وهو ما أثر أيضًا على القبول الجامعي وارتفاع معدلاته.

مسؤولة في دائرة الامتحانات بمدينة درعا، قالت لعنب بلدي إن من إيجابيات قرار إلغاء دورة التكميلي لشهادة “البكالوريا” عدم إرهاق المعلمين في العطلة الصيفية بالمراقبة والتصحيح بمبلغ لا يتعدى 25 ألف ليرة.

خلال الدورة التكميلية الأحدث، فرضت عقوبة الفصل لكل معلم لم يحضر للمراقبة أو التصحيح في هذه الدورة ولو كان مشاركًا في امتحانات الدورة الأولى.

وأضافت أن العديد من المشكلات كانت تواجه دائرة الامتحانات منها التكاليف الباهظة للأوراق وطباعتها، ستحل بإلغاء الدورة، فيما سيرتاح الطالب من الضغط النفسي المستمر بعد أن ينتهي من الدورة الأولى للامتحانات ويعود مرة أخرى بعد شهر إلى الدورة التكميلية.

أما من سلبيات إلغاء الدورة التكميلية وفق المسؤولة التي تحدثت شريطة عدم الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، فهي ضياع فرصة العديد من الطلاب بالنجاح، إذ منهم من يقف نجاحه على مادة واحدة ليعيدها في الدورة التكميلية أما حاليًا سيضطر لإعادة سنة كاملة.

ومع ارتفاع معدلات الرسوب سيكون الإقبال أقل بكثير من السنوات السابقة في التسجيل الجامعي.

غيث طالب في الشهادة الثانوية العامة بالفرع العلمي من درعا، أبدى اعتراضه على قرار إلغاء الدورة التكميلية، قائلًا إنه رصد رفض العديد من الطلاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم من قرر رفع كتاب إلى مجلس الوزراء بالرجوع عن هذا القرار.

وعن سبب الاعتراض أوضح غيث أن الدورة التكميلية كانت تمثل للطلبة اختصارًا لسنة كاملة بعدما رسبوا في مادة (العربي) أو مادتين أو ثلاث مواد، ومنهم من رفع علاماته بواسطتها بإعادة ثلاث مواد ودخل طب أو هندسة أو أي فروع أخرى كان دخوله لها بحاجة لخمس أو عشرة درجات.

أما بما يخص القرار الجديد الذي ألحق بإلغاء الدورة التكميلية، والذي تناول نجاح الطالب في حال الرسوب بمادتين إذا حقق ربع مجموع المادتين فيهما، أشار غيث إلى أن هدف الطالب ليس النجاح فقط، متسائلًا عن أهمية أن يكون المجموع ربع العلامة ويحصل الطالب على النجاح دون أن يكون المجموع عاليًا ليدخل الفرع الذي يتمناه.

---

شاركت في إعداد هذه المادة مراسلة عنب بلدي في درعا سارة الأحمد