سلاح ذو حدين

مجموعات فضفضة.. قصص شخصية حساسة على “السوشال ميديا”

قصص شخصية حساسة على "السوشال ميديا"

camera iconفتاة تتحدث عن قصة حدثت لها ولم تستطع ان تخبر بها المقربون على مجموعة من مجموعات الفضفضة على الفيس بوك (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نور مؤذن

من وراء شاشات الأجهزة الذكية، يطرح مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي على مجموعات دردشة وفضفضة أسئلة خاصة وشخصية، منتظرين إجابات وردودًا لحالات عاشوها أو يمرون بها من أعضاء هذه المجموعات التي تجاوز عدد الأفراد في بعضها عشرات الآلاف.

من الطبيعي أن يشارك الشخص ما يحدث معه على هذه المجموعات، لكن المستغرب، وبحسب ما رصدته عنب بلدي، هو طبيعة الأسئلة التي تدخل في عمق الحياة الشخصية، ووصف الأحداث والعلاقات الاجتماعية بدقة قد تصل إلى حد يعتبره البعض خادشًا للحياء وتجاوزًا للأعراف والتقاليد.

منشورات أو على شكل رسائل أو تسجيلات مصورة اتخذت من هذه المجموعات مكانًا آمنًا للحديث عن المشاعر والأفكار وخبايا العلاقات والهموم وطرح المشكلات، غايتها طلب المشورة من الجمهور، الذي يجيب عن بعضها، في حين يحول جزء من الجمهور صاحب المنشور إلى مادة للسخرية والتنمر، وحتى الهجوم منتقدًا طبيعة المحتوى المطروح.

ورغم ذهاب غالبية طالبي المشورة إلى تجهيل أسمائهم، محاولين الحفاظ على بعض الخصوصية، فإن محتوى الاستشارات غالبًا ما يكون فاضحًا لأسرار وتفاصيل عائلية، ما فتح الباب أمام تساؤلات عن أسباب لجوء الأشخاص لطرح هذه المواضيع والقضايا أمام عشرات الآلاف، والأثر الذي تتركه الردود والتعليقات والإجابات، سواء كانت صائبة، أو منتقدة لصاحب المنشور وسلوكه.

قضايا شخصية

بحسب رصد عنب بلدي، يروي أحد المستخدمين في منشوره مشكلته مع زوجته ويطلب حلًا من مجتمع وهمي مجهول بالنسبة له، وغير معروف المستوى الفكري أو الثقافي أو الاجتماعي، في حين يشرح آخر حيرته متسائلًا عن كيفية تعامله مع عشيقته، طالبًا من أعضاء المجموعة المشورة، أو النصيحة، أو فقط الاستماع إليه.

ولا تخلو المنشورات من تساؤل آباء وأمهات عن كيفية التعامل مع أولادهم في مواقف محددة، وتساؤلات من الأبناء أيضًا عن كيفية التعامل مع والديهم، كشكوى أحد الأبناء من “عدم نظافة والده في المنزل وإهماله”.

وكثيرة هي المنشورات التي يطرح فيها أشخاص مشكلاتهم الشخصية، كآلية التعارف بين كلا الطرفين، الشباب والبنات، أو آلية التعامل في بعض الحالات، وشكوى أو تذمر من سوء تفاهم أو تقصير، أو حتى البحث عن طريقة للانتقام عاطفيًا.

طالبة استشارة تطرح تساؤلًا عن قرار مصيري متعلق بمستقبلها، فهي متزوجة بسن صغيرة ولا يسود التفاهم علاقتها مع زوجها، في حين يشاركها شخص آخر الحديث عن علاقاته مع سيدات يعرفهن، وتنتظر في منشورها نصائح من الجمهور، لتحمل بعض التعليقات نصائح بالطلاق والانفصال وأخرى بالتحمل والصبر، وأخرى بترك الأطفال عند الأب والبحث عن “حياتها الضائعة”.

للمحيط الدور الأكبر

وعن أسباب لجوء الشخص لطرح مشكلته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، يرى الدكتور في علم النفس الاجتماعي صفوان قسام أنها قد تكون متعلقة بمحاولة الشخص التفريغ عما يدور في عقله، بسبب غياب الجرأة لقولها مع المحيط الفيزيائي، وربما هي حالة من اليأس يذهب بعدها الإنسان لطلب الدعم ممن لا يعرفهم.

وقال قسام لعنب بلدي، إن الأسباب ترتبط أحيانًا بخجل الشخص من مشكلته وتردده في طرحها للمحيطين به، أو عدم وجود ثقة بينه وبين محيطه لمشاركتهم مشكلته، إذ يفضّل عرضها أمام مجتمع افتراضي على أن يواجه بها مختصين أو ذوي العلاقة أنفسهم، وفق قسام.

من جهتها، اعتبرت الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك أن الدافع هو “الخوف من الفضيحة أو العار”، إذ يقود الخوف من البوح عن دواخل بعض البشر إلى اللجوء لأماكن وهمية، كالمنصات الافتراضية التي تمنحهم الحرية الكاملة بطرح أفكارهم ومشكلاتهم الخاصة ودون قيود، خاصة بعد ظهور خاصية “النشر باسم مجهول الهوية” على هذه المنصات.

وترى عبد الملك أن أسباب لجوء بعض الأشخاص للبحث عن حلول من مجتمع افتراضي، بغض النظر سواء كان الحل يناسب الشخص أو ظروفه أم لا، هي أن الأشخاص يبحثون عن حلول سريعة وجاهزة دون بذل جهد كبير، وينبع أحيانًا من قلة الحيلة أو الوعي.

“مساحة آمنة”

مؤسسة مجموعة فضفضة “قلبي قلبك” على موقع “فيس بوك”، التي تتضمن منشورات مشابهة للمذكور سابقًا، دينا أبو الحسن، قالت إن فكرة إنشاء المجموعة جاءت رد فعل على مواقف تتعلق بشباب أنهوا حياتهم لأسباب نفسية، وحاولت من خلال المجموعة تأمين مساحة آمنة لعلها تقدم المساعدة، وتمد يد العون لشخص واحد على الأقل.

وقالت أبو الحسن لعنب بلدي، إنها تعرض في بعض الحالات المساعدة على الأشخاص الذين ترى أنهم بحاجة ماسة لاستشارة نفسية، وتحولهم قبل الموافقة على نشر التساؤل لمختصين وأطباء نفسيين تتعاون معهم، لافتة إلى أنها تشعر بمسؤولية أمام كل حالة.

وترى أبو الحسن أن ليس كل ما في الحياة له حلول، سواء على “فيس بوك” أو في الحياة الحقيقية، وتوجد مشكلات أكبر من قدرة أي شخص على حلها، وبعض الأشخاص يعرفون ذلك مسبقًا، لكنهم لا يترددون بطرح سؤالهم على المجموعة لمجرد طلب الدعم النفسي والإحساس بأن الآخرين يشعرون بهم.

“سيف ذو حدين”

الباحثة في علم الإعلام الاجتماعي ليلاس دخل الله قالت، إن مساحات “الفضفضة الافتراضية” سيف ذو حدين، ومن الجيد التعرف إلى تجارب الآخرين، لكن بالمقابل يجب توفر الوعي لدى الطارح والمتلقي.

ويتطلب استخدام المواقع الإلكترونية والإنترنت عامة وعيًا بطرح الأفكار واستقبالها، فغياب الوعي يترك أثرًا سلبيًا لدى المتصفح، ولدى طارح الاستشارة وقارئها أحيانًا، وفق دخل الله.

وأوضحت دخل الله لعنب بلدي أن المشكلة تكمن بأن القارئ يملك جزءًا صغيرًا من الحكاية المطروحة، ويبني عليها وجهة نظره أو نصيحته لصاحب التجربة، وبالتالي فإن الحكم الذي يقدمه للأشخاص مبني على صورة ناقصة من الحكاية، وبالتالي لا يمكن تقييم القصة بناء على جزء من الصورة فقط.

وترى الباحثة عبد الملك أن لتوفر الوعي عند الطارح والقارئ أهمية في هذه الطروحات، في حين أكدت أن المشكلات الزوجية والاجتماعية والنفسية تحتاج إلى تدخل من مختصين وليس إلى تعليقات ونصائح من عامة الناس.

بين نارين.. تخدير الوجع دون علاجه

قراءة التعليقات على المنشورات تبين حجم التناقض والاختلاف بينها، ما يترك صاحب المنشور ربما في حيرة، في حين لا يكاد يخلو منشور من سباب وشتيمة وانتقاد لاذع، وهي بنسب متفاوتة، إذ لا ينطبق الأمر على جميع المجموعات والمنشورات التي رصدتها عنب بلدي.

الدكتور صفوان قسام قال، إن أصحاب المشكلات أو الاستفسارات يقفون بعد نشر قصتهم أمام نتيجتين أو أثرين، الأول أن يترك المعلقون أجوبة نافعة لها أثر إيجابي لدى أصحاب العلاقة، والثاني أن يتركوا أجوبة وتعليقات سلبية أو سيئة، ما يزيد من توتر أو حيرة أصحاب المنشور.

وأضاف قسام أن الأجوبة تختلط في أحيان كثيرة بين إيجابية وسلبية، ويقع الشخص المعني بين نارين، ويرجع الأثر الذي ستتركه النتيجة إلى شخصية طارح السؤال ومدى قابليته لتقبل النقد أو الرأي السلبي.

وعمومًا، يعتبر قسام أن منصات “الفضفضة الافتراضية” مريحة نسبيًا، لأن الشخص الذي يلجأ إليها يشعر أنه يعبر أمام المجتمع بأكمله، ويشعر أنه بزيارة لمعالج نفسي يفرغ مشاعره لديه.

ويرى قسام أن هذه المجموعات هي شكل من أشكال التفريغ النفسي المتوفرة في زمننا هذا، وأن “المشكلة تكمن عند الأشخاص غير الجاهزين لنتائج هذا الفعل”.

وبسبب الحياة السريعة التي نعيشها اليوم، يرى الباحث قسام أنه مع انشغال الجميع عن بعضهم، وتراجع تجمعات الأصدقاء على أرض الواقع لتفريغ الهموم، أصبح لا بد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والأصدقاء الافتراضيين للتفريغ عن المشاعر ومشاركة اللحظات.

ولا تختلف وجهة نظر قسام مع الباحثة في علم الإعلام الاجتماعي ليلاس دخل الله، التي ترى أن الأثر الذي يمكن أن ينعكس على شخصية الفرد وسلوكه منه الإيجابي ومنه السلبي، ويمكن أن يؤثر ذلك على تعزيز غياب الشخص عن المحيط الحقيقي الموجود.

وترى دخل الله أن أصحاب المنشورات من طالبي الرأي والمشورة يلجؤون للعالم الافتراضي، وبالتالي يبتعدون عن المجتمع الحقيقي المحيط بهم، كالبعد عن الصداقة الحقيقية أو العلاقة الزوجية الحقيقية أو العلاقة العائلية الحقيقية، لافتة إلى أنها ظاهرة اجتماعية منتشرة بكثرة، وأن معظم الأشخاص باتوا يلجؤون لما وراء الشاشة، ويهجرون الواقع، لأنهم يجدون نسبة تعاطف أكبر.

وأشارت الباحثة إلى احتمالية عدم واقعية الطرح أو حتى حقيقة الحلول، فهي “تخدر الوجع ولا تحله”، ومن الممكن أن تؤدي تلك المقترحات إلى تفاقم المشكلة، ولا يمكن أن تصنف كحلول حقيقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة